مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كم هو عظيمٌ أنْ يجد المرء نفسه في السير مع دراسة رحمانية تعطيه النور الذي يحتاجه في إسرائه في ظلمات ليل الباطل الحالك إلى فجر الحقيقة، ومع ذلك الفجر، وفي ظله، يجلس وعيناه مشدودتان إلى الآفاق تراقبان موعد إشراقة شمس صبح «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»!
تلك قصتنا تماماً مع هذه الدراسة المباركة اسماً ومادة، والتي تضمنها كتاب "الرحمن.. اللّغز الأكبر" ذو الأجزاء الثلاثة، للأستاذ الأديب والباحث والكاتب الصحفي نشوان محسن دماج، الذي سبق وعرَفنا كيف انتصر للرحمن، في تناوله للاسم على ضوء اللغة، وقد أثبت لنا ألا علاقة لاسم "الرحمن" بذلك المعنى الذي فصله له اللغويون، وأنه لا يمكن إخضاعه لأيٍّ من القواعد الصرفية التي أرادوا له الخضوع لها، فهو ليس اسماً مشتقاً، ولا صفة مشبهة، وإنما هو اسم مستقل، اختصت به الذات الإلهية، وجعلته هو والاسم "الله" للتعبير عنها كذات متعالية عظيمة كاملة الكمال المطلق.
ومثلما انتصر صاحب هذه الدراسة لاسم "الرحمن" أمام اللغويين، فإنه عازم على خوض معركة أخرى، بالوتيرة ذاتها، وللهدف ذاته، مع المؤرخين، وكله رجاء من الرحمن أن يجعل موقفه هذا خالصاً لوجهه الكريم.
فيا ترى، ما الذي سينكشف لنا من حقائق، ونحن نتتبع هذه المفردة تاريخياً؟ وهل هناك امتداد تاريخي لها مع كل الأنبياء؛ ولذلك كان جهد النبي الخاتم وجهاده لإعادة الاعتبار لها، فبـ"الرحمن" ينتفي الشرك، ويسود التوحيد؟
وهل ستقف قريش ومَن وراءها مكتوفي اليد، أم لا؟
كل ذلك وأكثر سنعرفه، فبسم الرحمن نبدأ.

قريش رأس كل خطيئة
يخبرنا القرآن أن مفردة "الرحمن"، التي ظهرت مجدداً إلى الواجهة، وعلى يد رسول الله صلى الله عليه وآله وأعاد طرحها بقوة، قد لقيت معارضة شديدة من قبل الشرك بقواه المتعددة، وعلى رأس تلك القوى قريش، بفرعها الأموي "المتروِّم" (نسبة إلى الروم)، إلى الدرجة التي جعلتهم ينكرون معرفة هذا الاسم، وينفرون من مجرد سماعه، ويرفضون الإيمان به.
لكن هيهات، فها هو النبي، من خلال حركته المؤيدة بالقرآن، يزداد إصراراً على طرحه، وترسيخه كمفهوم معبر عن الوحدانية، وكاسم لذاته تعالى يعبر عن تلك الذات بمطلقيتها. ولذلك يؤكد القرآن عليه، ويطرحه مرة وعشراً وعشرين وخمسين وأكثر. وكلما سعى القرآن لتكريس اسم "الرحمن" كمفهوم للوحدانية الخالصة، ازداد المشركون حدة وقوة ونفيراً لمواجهته.
ولعل موقفهم من البسملة هو الشاهد الأكبر على حجم الكره والعدوانية التي يحملونها تجاه هذه المفردة "الرحمن". وذاك ما سيتضح لنا غداً، فلنكن على الموعد.

أترك تعليقاً

التعليقات