لكي نتخلص من تركة نكساتنا وهزائمنا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا يختلف عاقلان بأن المكون الأساس لشخصية العربي المسلم المعاصر، التي هي عنوان للضعف والمذلة وانعدام الوزن، والميل إلى العيش مع الأوهام، والسعي المحموم للبحث عن كل ما ممن شأنه الحفاظ على ما هي عليه من وضعية مزرية؛ هو: التاريخ، فهو الذي رسم معالم الماضي من خلال الشخصيات التي تحكمت في مسار الأحداث، وكان لهذه الشخصيات دور محوري في صناعة الحدث وتوجيهه، وبالتالي ترتبت عليه تراكمات كثيرة بعضها غير من وجه المنطقة، وبعضها ثبت واقعا مريرا أورثنا إرثا يكتنز في أحشائه أزمات مستديمة في المنطقة، مما عرقل كثيرا مسيرتها نحو النهضة والتنمية وأحدث فجوة حضارية بينها وبين الغرب.
نعم؛ نحن اليوم ورثة لتاريخ ماض صنعه السابقون وأرسوه كواقع، تراكمت عليه وقائع وكرست مسارات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبنت وعيا توارثته الشعوب وتراكمت على ضوئه تبعات كان كثيرا منها البذور المنتجة لكل العوامل  التي عمت الأرض والإنسان، وحكمت واقعنا كله، وقامت بإعاقة نمونا، وصنعت تخلفنا.
وإذن تركة التاريخ وأداء الشخصيات التاريخية في حقب زمنية معينة ترثها الأجيال اللاحقة، بكل ما فيها من غث وسمين، وغالبا تراكم عليها أو تكرسها كما هي بكل إيجابياتها وسلبياتها، السابقون من مواقعهم ووفق وعيهم صنعوا أحداث الماضي، ونحن ورثناها بكل ما فيها من شجن وعذاب. ولكن هل تعني تلك الوراثة القبول بهذه التركة كما هي؟ أم تعني دراسة تفاصيلها ومعرفة كافة الأسباب في النجاح والفشل؟
إن استلامنا لتركة التاريخ التي صنعها أسلافنا يتطلب منا وقفة عميقة في قراءة تفاصيل تلك التركة التاريخية، ومعرفة كل ملابساتها والاستفادة من تجاربها، ومن ثم العمل على إعادة تصنيعها ليس على نسق تصنيع المواد، بل على نسق تصنيع الأحداث التي تزيل عوائق النهضة والتطور، وتمحو كل أسباب الهزيمة والتخلف، وتواجه كل مؤامرة يعاد استخدامها بصيغ مختلفة لأهداف واحدة، وهي الهيمنة والتوسع.
ولإعادة تصنيع التاريخ نحتاج قراءة نقدية له لفهم نقاط قوته وضعفه، ومواضع الإخفاق والفشل والنجاح، ومن ثم العمل على محاكمة الشخصيات محاكمة عادلة وموضوعية بعيدا عن أي شخصانية أو أي نفس مذهبي، وفق معايير أخلاقية قيمية توضح مسؤولية كل منهم في صناعة تلك الحقبة التاريخية بإيجابياتها وسلبياتها.
إننا مطالبون بالاطلاع والنقد والمراجعة الدقيقة لتاريخنا، كون تلك الأمور هي التي ستدفعنا لرفض التوارث السلوكي التاريخي الذي كرس واقعنا المتخلف، خاصة من قبل الأنظمة التي كان لها دور في نكساتنا التاريخية في قضايا الأمة وحفظ كرامتها، هذا فضلا عن نقد أسلوب ومنهج تعاملها معنا كشعوب، وتقييم آلياتها لعدم تكرار ذلك مجددا حتى لا يتكرر بذلك عمليات البيع والشراء لنا وثرواتنا وأوطاننا. وستسهم بإيجاد مبدأ الرفض والمواجهة العلنية مع وعينا التاريخي، وبالتالي سنكون أمام رصد دقيق لحقبة السقوط وأسبابها، الأمر الذي سيرسخ في الوعي الجمعي وجوب المواجهة للوهم بالحقيقة التي تكشف الأحداث التاريخية التي كانت سببا محوريا في تغيير مساراتنا الحضارية ونكستنا على كافة المستويات:
المستوى السياسي المتمثل بشخصيات الرؤساء والملوك الذين قادوا الدول سياسيا في تلك الحقب التاريخية.
المستوى العسكري والجاهزية في هذا الميدان وأسباب النجاح والإخفاق.
المستوى الاقتصادي و الاقتدار المادي.
على مستوى الشعوب كجاهزية وعي وإدراك لحجم المؤامرة، وعلى مستوى الاهتمام  والمشاركة.
على مستوى الأجنبي المستعمر وأساليبه في الهيمنة وقدراته في تحقيق أهدافه.
وكما يقول محمد حسنين هيكل في مقدمة كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل الجزء الأول: «فالاهتمام بالسياسة فكرا وعملا يقتضي قراءة التاريخ أولا، لأن الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالا طول عمرهم».

أترك تعليقاً

التعليقات