رمضان ساحة لتقديم القرابين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
جميع ما حولك من أشياء وأشخاص وأنشطة ومظاهر في هذه الأيام والليالي المباركة الرمضانية تبعث على الارتياح، وتوحي بشيء من الجدية في العمل من أجل التغيير والبناء للواقع كله. كيف لا والمؤمنون جميعاً في سباقٍ دائمٍ مع الزمن، بغرض الاستفادة من كل ما من شأنه أن يقربهم من ربهم، ويمكنهم من الدخول في ساحة رحمته، وينيلهم رضاه وعفوه ومغفرته؟! فليت شعري: هل ما يتجلى في الظاهر ما هو إلا علامة على صلاح الباطن، وانعكاس طبيعي لما يعيشه كلٌّ منا في كيانه الداخلي، وشاهد حي على تحول وعينا بهذا الشهر إلى مساره الصحيح، كشهر عبادة لله وحده، وتربية لنفوسنا، وإعداد للقوة التي نحتاجها في كل المجالات، ومراجعة وتقييم لكل المراحل والأعمال والوضعيات السابقة والحالية، وتقويم للاعوجاج أينما وُجد؟! أم أن القضية لا تخرج عن مستوى كونها قضية التزامٍ بالعرف، وانسجامٍ مع الجو الذي يعبر عن مدى تمسكنا وإخلاصنا لطقوس شهر الصيام، كجزء من الموروث، الذي وجدنا أنفسنا معنيين بإحيائه، رغبةً بتخليد عادةٍ اعتدناها، لا عبادة خالصة لله تعالى لها ما قبلها وما بعدها؟!
ألسنا جميعاً، رؤساءً ومرؤوسين، كباراً وصغاراً، من منتمين لهذه المسيرة، نتسابق لسمع هدى الله؟ إذ لا تكاد تصل عقارب الساعة إلى تمام التاسعة والنصف من كل مساء على امتداد ليالي هذا الشهر، إلا وقد جلس كلٌّ منا مجلساً يمكنه من سماع ومشاهدة بدر الهدى الطالع في سماء الرسالة، الباعث بنوره الحجة على كل قلب، المتلمس بيده ولسانه كل عيوبنا ونقائصنا، المبين بما حباه الله من فصل الخطاب وسعة الأفق لكل ما يجب علينا فعله لكي نبلغ شط النجاة من كل الأخطار التي تتهددنا. فمَن منا قام بتقييم نفسيته، وإدائه العملي، قبل هذا الشهر بأيام، على ضوء المحاضرات الرمضانية السابقة، وعرف ما هي أخطاؤه، وما هي علامات صدقه وصلاحه، خلال حركته العملية، التي بلغت 11 شهراً؟!
إن هذا الشهر أشبه ما يكون بساحة مفتوحة أعدها الله لكل المؤمنين كي يقدموا إليه قرابينهم، وعلى كل فرد منهم أن يحذر من السقوط في وحل الخيبة التي سقط بها قابيل قبله؛ إذ لم يتقبل الله قربانه، لكونه كان من الذين يكتفون بالشكل الخارجي، والعنوان العام الذي به يتحدد له الانتماء، فلم يعش المراقبة لله في حياته، ولم يكف عن الاعتداء والإيذاء للناس في حركته وسلوكه ويده ولسانه. فلنفتش عن علامات المتقين، فنسير سيرتهم، ولنعرف سمات وخصائص القابيليين، لكي لا نصير امتداداً لهم، مع الوعي والإدراك لطبيعة الحسد الذي يجعل صاحبه مستعداً للقتل؛ ولكن ليس بالضرورة أن يكون قتلاً للنفس، فقابيل اليوم يقتل فكرة، ويقتل قضية، ويقتل كرامة إنسان، ويقتل حركة توعوية، ويقتل جهودا وآمالا وتطلعات وأحلاما وموارد وإمكانات، ويقتل كل محاولة جادة لإحداث تغيير حقيقي...
وأخيراً، إن الانتماء للرسالة الخالدة يقتضي الالتزام العملي التام بمنهجها. ما لم فإن المسخ هو العاقبة من الله للمسوفين والمنحرفين عن الجادة، وقد لا يكون في الشكل والمضمون كما حصل مع بني إسرائيل في الماضي، لكنه قد يكون في المضمون مع بقاء الشكل كما هو والعياذ بالله.

أترك تعليقاً

التعليقات