إمام عادل ومجتمع ظالم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ما إن انتهت معركة الجمل بتصفية الناكثين، حتى بدت الشام بقيادة الطليق ابن الطليق معاوية أكثر تمرداً بوجه دولة العدالة الإلهية، إذ لم تستجب للدخول تحت راية أمير المؤمنين عليه السلام، ولم تستقبل واليها الجديد، فقد أخذ معاوية يعد العدة للقضاء على دولة الإسلام، واجتمع حوله جيش كبير تلاحمت صفوفه لنصرة الباطل، وباتت الشام هي مهوى أفئدة كل متمرد على حكومة الإمام علي عليه السلام، وكل مَن يرفض العدل والمساواة، وهكذا لاحت في الأفق بوادر معركة جديدة، بعد أنْ تعثرت كل جهود الإمام علي لنزع فتيل التمرد سلمياً، ولم يعد أمامه عليه السلام من وسيلةٍ لجمع الكلمة سوى السيف.
لقد زادت الحروب الداخلية من تشتت المجتمع المفكك أصلاً تفككاً وتخاذلاً، لدرجة أصبح فيها أكثر ميولاً لنصرة الباطل، وذاك ما تؤكده واقعة صفين، التي كان فيها جيش الإمام علي عليه السلام، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر والغلبة على الفئة الباغية، إلا أن الجهل والتخاذل الذي هو السمة العامة لذلك المجتمع قد أصاب ذلك الجيش، الأمر الذي أدى لتمرير خدعة رفع المصاحف على أسنة الرماح من قِبَل البغاة بقيادة معاوية، ليضطر الإمام عليه السلام للقبول بمهزلة التحكيم، التي أدت إلى انقسام جيشه إلى ثلاثة أقسام: فقسمٌ يريد العودة إلى القتال، وقسمٌ يطالب بالدعة والركون، وقسمٌ يطالب الإمام بإعلان التوبة على رؤوس الأشهاد، كشرط لمواصلة قتال معاوية، لأن القبول بالتحكيم كفرٌ لدى ذلك القسم، وعليه فإنه يستحيل جمع الناس على الحق، بعد أن فرقهم الباطل، ومزقتهم الأهواء.
وقد ظهرت جبهة الخوارج التكفيريين في الساحة، الذين اجتمعوا في منطقة حروراء، فخيمت أجواء حرب جديدة، وانقشعت بتصفيتهم باستثناء عشرة منهم، كل هذه العقبات والتحديات التي واجهها الإمام علي عليه السلام، كانت نتيجة طبيعية لكل مظاهر الفساد والظلم والانحراف التي رزح المجتمع في أغلالها وقيودها إبان خلافة عثمان، وتسلط ولاته على الأمصار.

أترك تعليقاً

التعليقات