العلاقة بين الحاكم والمحكوم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد عمل الإمام علي عليه السلام في زمن خلافته على التأسيس لمنهج عام لعلاقة الحاكم والمحكوم، وعلاقة القاعدة والقيادة، وعلاقة العشيرة وزعيمها، وعلاقة كل مسؤول في موقع مسؤولية مع محيطه الذي يديره.
وسنحاول في هذه السطور معرفة كيف أسس الإمام علي عليه السلام لعلاقة صحية متزنة بين الحاكم والرعية.
إن بين أيدينا نصاً من إحدى خطبه كرم الله وجهه، يستحق أن يقال عنه: إنه يحمل بين طياته؛ خارطة طريق علائقية بين موقع القيادة والأتباع. قال عليه السلام:
لاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاء، لاِِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوق لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ. فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالة بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.
إن التأمل بهذا النص يجعلنا ندرك كم نحن بعيدون عن معمار الرسالة، وربيب النبوة، الذي بين أن لا خضوع ولا تقديس سوى لله، فالعلاقة التي رسمها بين كل قائد وكل من هو في موقع مسؤولية وبين القواعد والرعية أو من هم في موقع انقياد، هي شراكة ورقابة ترتقي بوعي الناس حتى تصبح العدالة سلوكا بديهيا عاما، فتترشح العدالة من القيادة للقاعدة وتنتظم القاعدة بوعي يقوّم اعوجاج القائد إذا خرج عن منهج العدل والعدالة، وبتحقق العدالة تتحقق كرامة الإنسان التي ترتقي بمعاييره وقيمه في بعديها المادي والمعنوي والجسدي والروحي وتصبح واقية له من الدناءة وكل ما يرتبط بها من سلوك وقيم.
لقد رفض الإمام من موقع الحاكم والقائد التالي:
1. الثناء على الحاكم لمجرد أدائه واجبه وحق الناس عليه.
2. الخوف من قول الحق للحاكم في حال انحرافه أو خطئه أو مواجهته ومناصحته.
3. مخاطبة الحاكم بطريقة مخاطبة الجبارين التي يطغى عليها التدليس والكذب والمجاملات وتضخيم الذات والمدح المذموم.
4. المصانعة في مخالطة الحاكم والتحفظ منه كما يتحفظ عند أهل البادرة.
وطلب منهم كمنهج تأسيسي بين فيه أي حال يجب أن تكون عليه الرعية:
1. قول بحق.
2. مشورة بعدل.
3. عبوديتهم لله وحده فقط وهو المالك لهم.
وبذلك يكون قد منع تشكيل أي حالة نفسية وقابلية للاستعباد والاستبداد، ورشد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأظهر حقيقة موقع القيادة بكل مصاديقها وموقع المُقاد.

أترك تعليقاً

التعليقات