غيثٌ في صحراء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلما وقف المرؤ على أحد الأفلام الوثائقية لبطلٍ من أبطال الجيش واللجان الشعبية شعر بالحزن يطبق عليه، ووجد الألم يعتصر فؤاده، نتيجة ما يلمسه من فروق كبيرة بين الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله، وبين الذين جنوا ثمرة تلك التضحيات، وباتوا في مواقع متقدمة، ملكوا خلالها الجاه والمنصب، ونالوا بموجبها كل شيء، إلى الحد الذي جعلهم ينسون مَن هم، ولماذا صاروا هنا، وما هو المشروع الذي يحملونه، وما الذي يجب عليهم فعله، عرفاناً لتلك الدماء والأرواح التي بُذلت على مذبح الحرية والسيادة والاستقلال، وتأكيداً للثبات على النهج والخط الذي سار عليه الذين قُتِلوا في سبيل الله.
إن القضية ليست قضية اختلاف في المنهاج الذي يصدر عنه هؤلاء وأولئك، ولا تغير للأهداف تبعاً لتغير الظروف، وتعدد المراحل الزمنية، وتنوع واتساع الآمال والآلام والأحداث والمشكلات والمخاطر والتحديات، ولكنها قضية اختلاف قلوب وعقول المتلقين لا أقل ولا أكثر.
فالشهداء عليهم رضوان الله كانوا يملكون قلوباً تتسع بسعة الكون، وعقولاً نيرة، تضيء الدرب لكل الناس، ونفوساً مطمئنة، زادها الإيمان بالله، وطينتها الفطرة السليمة، لذلك أثروا الحياة، واستطاعوا التأثير في النفوس، والتغيير للواقع.
أما معظم الوجوه البارزة التي جاءت لتحصد ما زرعوا، وتقيم في البنيان الذي بنوه بدمائهم وجماجمهم فهي ذات قلوب ضيقة، طال عليها الأمد، حتى أُصيبت بالقسوة، وعقولٍ لا آفاق لها، لذلك تراهم يخشون الإسلام الأصيل، وينزعون لاجترار ما كانت عليه الوهابية قبل الانفتاح والتحلل، ويطبقون تجربة طالبان بدقة، دون أن يخرموا منها بنداً واحداً. وهكذا عندما لا تكون النفوس بمستوى القرآن، لا يمكن لها إلا أن تبقى مظلمة خبيثة، ترى الأشياء كلها من زاوية الغريزة الجنسية، وتقيم الواقع، وتحكم عليه بناءً على ما تختزنه من سوء وقبح وعقد نقص، فالطلاب والطالبات في قاعة الدرس شر وفساد، يجب القضاء عليه، وهكذا ندرك أن القرآن كالغيث، لا يمكن أن نلمس أثره إلا من خلال وجود أراضٍ خصبة، أما النفوس المتصحرة فلن تنتج سوى الشوك، وبعض النباتات القاتلة، نعم يفقد الغيث قيمته ومعناه حينما يصب في صحراء.

أترك تعليقاً

التعليقات