ما يليق بمشروعنا وثقافتنا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إننا في ذكرى الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، أمام صحوة حقيقية، امتلكت القدرة على النفاذ إلى عمق الظواهر والأشياء، ولم تكتفِ كغيرها من الدعوات والحركات والتيارات بالنظر إلى الواقع من بعيد، والاكتفاء بالوقوف على السطح من كل شيء، وهنا يظهر الفرق بين نظرة الشهيد القائد وبين نظرة غيره، ففي زمن حدوث طفرة في سباق التسلح مثلاً، وتفوق قوى الاستكبار المادي والعسكري، كان الكثير من العلماء لا يجيز التحرك لمواجهة الخطر الاستعماري الذي يتهددنا، ناهيك أن يدعو إليه، لأن من وجهة نظرهم لا بد أن يكون لنا من القدرات والإمكانات ما يصل على الأقل إلى موازاة نصف ما لدى العدو من قدرات وإمكانات، ثم أثبت الشهيد القائد بطلان هذا الاعتقاد، وأوجد رجالاً يدركون أن عليهم القيام بما يستطيعون القيام به، وعندها يأتي العون الإلهي والتثبيت والربط على القلوب، وهذا التوجه السليم لا يقتصر على مجال دون آخر، بل لا بد له أن يطبع وعينا في مختلف ميادين المسؤولية، لينبني وفقه التوجه العام في مختلف المجالات.
وعليه فلا يليق بنا الوقوف عند الجانب الخطابي الوعظي تجاه هذه الذكرى، بل لا بد من التشجيع على إيجاد الأبحاث والدراسات العلمية والفكرية، التي بموجبها سيتعرف الناس على النظرة القرآنية، التي لم تفصل الحياة والسوق عن المسجد، بل أرادت لهذه الأرض أن تكون مسجداً، باعتبار أن كل نشاطٍ يقوم به الإنسان في أي ساحة من ساحات العمل، هو مندرج في نطاق العبادة لله تعالى وحده، من منطلق الغاية التي يسعى إليها العاملون في كل الساحات، وهي رضا الله أولاً وأخيراً، وبالتالي يصبح كل عمل فيه لله رضا عبادة يجب القيام بها، سواءً وجبت من منظور الفقهاء أم لم تجب.
والدرس الذي يجب تعلمه اليوم وغداً من وحي الذكرى هو: أن حركتنا الفكرية والثقافية لن يكون لها أثر إيجابي في الواقع، وشيء ملموس في جوانب التوعية والتربية والتثقيف، ويصبح عملها فعلاً لصالح المشروع، إلا متى التزمت بتقديم الثقافة القرآنية للناس كما هي، بجاذبيتها وكمالها وأساليبها وأدواتها ومبادئها، وذلك لن يتم لأيٍ كان، وإنما يختص بذلك مَن ينطلق من بين الجماهير، حاملاً همومهم، ومعبرا عن التزامه بواجب هدايتهم، والدفاع عنهم، وتبني قضاياهم، وينحاز للحق والحقيقة، لا يماري أحداً على حساب ضياع المعروف، وشيوع المنكر، ولا يحابي جهة أو شخصية، مادامت تعمل ضد مجتمعها وأمتها، ولا يقبل التأطير في زاوية ما، أو منصب أو مؤسسة، لأن ذلك هو السبيل لتطويعه، وإفراغه من ثوريته، فيموت حسه الاحتجاجي، وتختفي نظرته الفاحصة والناقدة للأمور، ويصبح جل همه هو: كيف يبرر لهذا أو ذاك كل ما هو عليه من قصور، أو تجاوزات، أو مظاهر ظلم وفساد، وهو أيضاً يتعامل مع الثقافة القرآنية من منطلق إيماني، كعقيدة تهب الروح سموا، وتحررها من كل نوازع الخوف والحاجة، وتزيل من قاموسها الاعتبارات والحسابات التي تحتم عليها الدخول في مساومة مع هذا أو ذاك لبيع الدين بثمن بخس.
وأخيراً فإن ما يليق بمشروعنا وثقافتنا هو: العمل على تقديمهما للناس كعقيدة، تصنع المعجزات، وتذلل الصعاب، وتتجاوز العوائق، عقيدة تدفع معتنقها للكدح باتجاه الله، في رحلة تكامل لا مكان فيها للتوقف، ولا حد لانطلاقتها، كونها تسير نحو المطلق، الذي لا يحده مكان، وتحلق في آفاق لا نهاية لها، ولنحذر كل الحذر من كل صوت أو فكرة أو شخصية أو جهة تريد أن تحول هذه الثقافة التي هي عقيدة وجهاد، إلى تقاليد اجتماعية، محاطة بمجموعة من الطقوس والأوراد، التي تفرض على الناس العمل بها، كعادة، لا كعبادة.

أترك تعليقاً

التعليقات