هذه هي المرأة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يقدم القرآن الكريم بين يدي المستمسكين به ككتاب هداية: نماذج من النساء اللواتي تفوقن على الكثير من الرجال، في رجاحة عقولهن، وقوة صبرهن وثباتهن في طريق الحق، وضربهن أروع الأمثلة في مواجهة الباطل، بأرواح سامية لم تسقط أمام المغريات، ونفوس زكية لم تتأثر بثقافة الفساد التي تحكم الواقع من حولهن، ولم تستسلم لنداء العاطفة على حساب التخلي عن الموقف الذي يتطلبه الإيمان بالله، كما لم تحسب للظلم حسابا، مهما قويت شوكته، واتسعت دائرة نفوذه وسلطانه.
فهذه امرأة فرعون، تتجه إلى الله سبحانه بنداء الخاشع المنيب، وإقبال المنتصر على عواطف الزوجية، ونعيم الملك والجاه، فتقول: «رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة، ونجني من فرعون وعمله، ونجني من القوم الظالمين». ومثلها مريم بنت عمران، التي كانت مثلاً في الطهارة والعفة، والتصديق بوحي الله وكلماته، إلى الحد الذي حول حياتها كلها إلى قيام لله لا ينتهي.
ومثلما كانت امرأة فرعون، ومريم عليهما السلام مثلاً للمؤمنين في التفوق الإيماني، فقد كانت ملكة سبأ أيضاً شاهداً على إمكانية تفوق المرأة في إدارة الشؤون العامة للناس، من موقعها كملكة، إذ استطاعت بحكمتها ونفاذ بصيرتها أن تقود مجتمعها إلى بر الأمان، ولم يغرها ما لدى قومها من بأس وقوة فتندفع بدافع الحماس للقيام بما لا تُحمد عقباه، بل بقيت محافظة على هدوئها، ملازمة لطريق الحكمة التي مكنتها من اكتشاف ما وراء الدعوة التي جاءتها من نبي الله سليمان عليه السلام، لتتمكن في نهاية المطاف من معرفة أنه نبي مرسل من الله، ولم يكن ملكاً يسعى لبسط نفوذه، وتوسيع دائرة ملكه وسيطرته، مع ما سيلحق بلادها من خراب وفساد لكل مظاهر الحياة، ويحل بقومها من قهر وإذلال واستعباد، فيما لو تمكن من إخضاع دولتها، فذاك هو ديدن الملوك عبر التاريخ، لذلك كان قرارها بإرسال الهدية قراراً صائباً للغاية، فلو كان سليمان مجرد ملك فقط لاجتذبته الهدية، ودفعته لطلب ما هو أبعد منها، ولكنها النبوة التي لا تنخدع ببهارج وزينة الحياة الدنيا، ولا تلين أمام قوة المعرضين والمعاندين والجاحدين، وهكذا قادتها حكمتها إلى الذهاب إليه، والتعرف على دعوته عن قرب، فرأت من المعجزات ما يؤكد صدق دعواه، كما وجدت من خلال حوارها معه ما يبدد كل الشكوك ويزيل جميع المخاوف الباعثة على اتخاذ الحذر والحيطة تجاهه، ولما تبينت حقيقة أمره اتجهت إلى الله: «قالت رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين»، ومع أن قومها ولا شك قد أسلموا معها، لكن الله ذكر إسلامها فقط، تكريماً لها، لأن قومها قد أوكلوا إليها مهمة تقرير مصيرهم، كما تشاء، ولو اختارت الكفر على الإيمان لما خالفها أحدٌ منهم، ولدافعوا عنها بكل ما يستطيعون.
هذه هي المرأة، في الذكر الحكيم، ومثلها في حركة التاريخ الإسلامي، كخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، والزهراء عليها السلام، وزينب بنت علي عليهما السلام، وكم وكم من النماذج التي تضج بها الحياة ماضياً وحاضراً، ولكنها الجاهلية، التي مازالت ترى المرأة مصدر شر وخزي وعار، وصورة لتجسيد الخطيئة والفساد الأخلاقي، وكائنا لا يُنظر إليه إلا من زاوية الإغراء، باعتبار عنصر الأنوثة، الذي هو جزء من تركيبة المرأة، ولكنه ليس كل شيء فيها، فهل نعقل؟

أترك تعليقاً

التعليقات