عن انتماء الحاجة.. كيف جاء؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مرت بمجتمعنا اليمني على مدى خمسة عقود من الزمن هزاتٌ عنيفة، استهدفت الفكر والأخلاق، وبدلت وغيرت في القواعد العرفية، وقضت على العادات الحميدة، وشوهت التقاليد والموروث، هذه الهزات اتخذت عدة مسارات لأنشطتها الهدامة، وأعمالها القبيحة والمشينة، ففيما يتعلق بالعادات والأسلاف والأعراف والتقاليد وكل ما يعبر عن الأصالة والحكمة والعزة والنبل والسماحة والنجدة والنخوة والشهامة والكرم ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف وإغاثة المحروم لدى المجتمع اليمني عملت على طمسها، مع الحرص على الإبقاء على كل ما هو سلبي في التركيبة القبلية، والتشجيع على تعميم تلك السلبيات لتصبح عنواناً للمظهر المجتمعي العام، بالإضافة إلى السعي لإدخال أشياء من وحي أفكار المنظومة التي كانت تتقاسم مواقع النفوذ، وتتبادل الأدوار في سبيل الحماية لبنيتها السلطوية، وباعتبار أن الشيخ على الأغلب لم يعد ملزم بمراقيم الآباء والأجداد، إذ صار موظف ضمن نظام مرتهن للأجنبي، وبات هو وكل من هم ضمن النظام الحاكم ملزمين بمراقيم اللجنة الخاصة بمملكة الشر والفساد والعمالة والتكفير، ومقيدين بقرارات نظام آل مردخاي في كل شيء.
وإذا ما أدركنا حجم ما تعرضت له البنية الاجتماعية من تقويض وتجريف وإلغاء لكل ما هو عظيم الأثر في تحقيق التوازن والوحدة والسمو الأخلاقي والنفسي، فإننا سندرك أن الجوانب الأخرى سوف تصاب بما هو أسوأ وأكثر تدميراً وشراً، وهذا هو الحاصل فعلاً، فالمسار الثقافي والتعليمي والإعلامي ظل لسنوات تابعاً في الشكل والمضمون للحالة المصرية الناصرية، ومن ثم للحالة السعودية الوهابية، الأمر الذي جعل نسبة كبيرة من المثقفين وحملة الشهادات العليا وكافة مَن يتتلمذ على أيديهم يشعرون بأن حديثهم عن مجتمعهم، وارتباطهم بقيمه وفنه وتاريخه ليس سوى انحطاط وتخلف وجهل، وللأسف لم ينجُ من هذا الوبال إلا مَن كان لديه معرفة حقيقية بتاريخه، ويشعر بالاعتزاز بمجتمعه وكل ما يعبر عن يمانيته، أو مَن كان آباؤهم منخرطين في صفوف القوى التحررية الوطنية ذات النزعة الإنسانية الصادقة والفكر الأممي الحقيقي، وتمكن من الاطلاع على كل ما له علاقة بأدوارها المشرفة ومراحل تاريخها النضالي الحي والسليم من كل التشوهات.
مع العلم أن مسألة الشعور بمعاداة كل ما هو يمني قد استند إلى منظومة عقائدية وهابية جعلت كل مَن اعتنقها يرى آباءه وأجداده أهل شرك وجاهلية، إلى جانب كل ما سبق نجد كذلك فشل الكثير من الأحزاب سياسياً، وانحرافات الكثير من المحاولات التغييرية أو القضاء عليها في مهدها، جعلى فئات كثيرة جداً وخصوصاً الشباب تشعر بالغربة والعجز وانعدام الوزن، وقلة الحيلة، وفقدان الثقة بالنفس.
ولكن هؤلاء الموتورين واليائسين لم يعتزلوا الحياة والواقع، لعلمهم بأن هذا الزمن هو زمن التكتلات، ولذلك عليهم المسارعة للانتماء إلى إي حركة سياسية أو فكرية تمكنت من فرض نفسها على الواقع، ولديها من القوة والنفوذ ما يسيل له لعاب هؤلاء وليس مهماً ما إذا كانت تلك الحركات قائمة على أفكار صحيحة أو خاطئة، المهم أن توفر لهم ما يحتاجون، وتشعرهم بشيء من الأمان والاستقرار، وبالمناسبة فإنه ليس بالشيء السهل أن نتعرف عليهم، نتيجة تمتعهم بعدة عوامل من شأنها أن تجعل مَن يرى حماسهم واندفاعهم في الدفاع عن الحركة بعين لا ترى سوى الظاهر أكثر المنتمين وفاءً وإخلاصاً وولاءً.

أترك تعليقاً

التعليقات