تأثير الروحية المريضة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ستبقى ثورة 21 أيلول/سبتمبر، صاحبة اليد العليا في كل المواقع وفي مختلف الظروف، لأنها الثورةُ التي تستمد ثقافتها من الإسلام المحمدي الأصيل، وتتحرك بروحية القرآن الكريم، ولذلك لم تكن يوماً بعيدةً عن الواقع محجوبةً عن جماهيرها ومتنكرةً لمحيطها، بحيث لا يسمع عنها الناس إلا في سياق الحديث عن الغيبيات والأحلام، ولا يرونها إلا كما يرى الظمآن في البيداء القاحلة السراب، بل على العكس تماماً فهي الآخذة بيد الجميع، القريبة منهم، وهي المولودة من رحم معاناتهم وأوجاعهم المعبرة عنهم والحاملة لأهدافهم وتطلعاتهم، لذا وجد فيها المحرومون جنة النعيم، وحصل من خلالها المستضعف على القوة التي تمكنه من مواجهة المستكبرين والتصدي للظالمين، كما لاذ بها البسطاء والمنبوذون وذوو العاهات والمهمشون، ومعهم كل من استصغرته ثقافة الاستعلاء بدافع النسب تحت ذلك التصنيف القبلي المقيت (قبيلي ومزين)، (شيخ وجزار)، (شريف ووضيع)، أو تحت المسمى المناطقي الذي كان بموجبه يتم تصنيف السكان إلى عدة أصناف وعدة طبقات وفقاً للمنطقة الجغرافية التي يسكنون فيها، فكان اليمنيون درجات بحسب وضعية المناطق المختلفة ومدى قربها أو بعدها من مركز القرار والسلطة.
وهنا لا ضير في أن نقول إن هذه الروحية المريضة قد اختفت نوعاً ما بسبب تراجعها في الساحة التي لم تعد قادرةً على التأثير على الناس أو فرض منطقها على الواقع كله بالقوة، لكنها لاتزال تطل برأسها بين الفينة والأخرى، إذ إن تغلغلها في وجدان هذا الكاتب وذاك السياسي وأولئك الإعلاميين والناشطين وجريانها في عروقهم نتيجة تشربهم لها كما تشربوا حليب أمهاتهم، يجعلهم يلجؤون إلى تحليل الأحداث ومناقشة القضايا وتقديم تفسير للأوضاع اعتماداً على ذلك المخزون الجاهلي الأعرابي، وربما كان التركيز المستمر من قبل وسائل الإعلام على دور المشائخ وتسليط الضوء على تحركاتهم أكثر من غيرهم مرده بالدرجة الأساس إلى هذه الثقافة البغيضة، نتيجة تحرك بعض حملة لواء الكلمة والثقافة وهم على جهل بالثقافة القرآنية أو يعانون من قصور معرفي لنظرة القرآن وطبيعة المفاهيم التي وضعها حول الأشخاص والقضايا والأفعال والتوجهات مما يوقعهم في الفراغ الذي يسعون لملئه طبقاً لما يجدونه متوفراً لديهم ويرونه متاحاً لهم.
إن التجاهل لمثل هذه الطامة الكبرى والإحجام عن مواجهة الذين يعملون على عودتها ويروجون لثقافتها ويتبنون مفاهيمها ومصطلحاتها ويسعون لإسقاط أحكامها على الواقع، سيجرنا بطبيعة الحال إلى أن نعيش الحسرة والندامة دون أن نقوى على فعل شيء.

أترك تعليقاً

التعليقات