محور القدس وثقافة التعالي القيمي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لعل أهم السمات والخصائص التي تمتاز بها حركات وأحزاب وقوى الجهاد والمقاومة اليوم هي: القيام لله، والارتباط به، والجهاد في سبيله والمستضعفين من عباده.
وهي بذلك تكون قد أحاطت نفسها بالمطلق. وكونها أحاطت نفسها بالمطلق يعني أنها تعالت على الزمانية الأدنى لتعانق المقام الأعلى، الأمر الذي سيكسبها القدرة على بلوغ التقدم الرتبي في شرف الوجود.
هذا التقدم إلى هكذا مقام سيتحقق بمجرد إعلان الانتصار على الموت، لأجل الحياة الأمثل، ليكون ذلك منتهى العرفان بالنفس، والمعرفة لله.
قد يقول قائل: لقد سبق لك وأكدت أعلاه فرادة قوى المحور بهذه السمة، ولكن ألم يكن «القاعدة» و»داعش» وبقية تيارات التفجير والذبح والتكفير تدعي قيامها لله، وعملها في سبيله؟! فكيف تقطع بتعالي ثقافة حركات المحور، وتجزم بعدم انزلاقها إلى الهوة السحيقة ذاتها للدواعش والتكفيريين؟!
والجواب: متى كان الدواعش والتكفيريون قد قاموا لله، أو تحركوا لخدمة الحق، أو تبنوا القضايا العادلة؟! والدليل موقفهم من فلسطين والقدس. إن الداعشي التكفيري حينما يقتُل، فهو يقتُل لإشباع غريزته العدوانية، وفرض وجوده كرب من دون الله، كما أن المنتحر لا ينتصر على الموت، بل يسلم نفسه لينتصر عليه الموت، ولا ينتصر للحياة، لأن الحياة تطرده. وهكذا يتضح أن ثقافة وفكر محور الجهاد المقاوم فاضح للتكفيريين، كاشف عن هشاشتهم.
إن قربك من الله يؤنسنك، ويسمو بك على الحيوانية والوحشية، بحيث تكون طورا أنت يد الله التي يبطش بها، وطورا يكون الله هو يدك التي تبطش بها، وهذا مقام من العلو لا يتمكن من بلوغه من اختزل غايته في حور عين متخيلة في ذهنه على مقاس الدنيا، مع فائض في المقاييس: فائض كمي لا نوعي: شيء من الأرداف زائد، وبعض من القد الممشوق متحقق، وبدل تحقق الشبع بالقليل يطلب الشبع بالكثير، بل مع رفع الشعور بالشبع.
إنها دنيا موسعة، فيها اللذات تعرض بالجملة وبأحجام مزيدة. فأي تصوُّر كاريكاتوري للدنيا؟! وإذا كان هذا الذوق المتدنّي مستقبحاً عند عقلاء أهل الدنيا فكيف يكون مستحبا لعقلاء أهل الآخرة؟! ولو قلت لهؤلاء إن لذة الآخرة لم ترها العين ولم تسمع بها الأذن ولا خطرت على قلب بشر، وهي لذة عقلية رائعة، لما أقدم هذا الصنف على ما أقدم عليه، فهل هو في وارد أن يترك الدنيا من أجل لذة عقلية؟!

أترك تعليقاً

التعليقات