فقط تنقصنا الجرأة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا شيء أدعى للسخرية والمقت في عالم الإعلام والفكر والثقافة لدينا كيمنيين إلا ذلك الطرح الذي يتبناه الكثيرون على امتداد ستين عاماً، ولايزال يجتره حتى المحسوبون على ثورة الشعب المجيدة (21 أيلول/ سبتمبر) وهو: اعتبار كل حركة أو حزب أو كيان وصل إلى كرسي الحكم كل ما سبق مجيئه جهلاً وتخلفاً وفساداً وانحطاطاً وضلالاً وخرافة ودجلا، ولم يسلم من كل هذه المعمعة والعبثية من بين الجميع سوى سيد الثورة أبو جبريل رجل القول والفعل، الذي يرى اليمن بعين الطهر، وعقل الرسالي، لذلك فاليمن عند القائد هو: يمن الإيمان والحكمة والشجاعة والنصرة والكرامة والسمو الأخلاقي أمس واليوم وغداً. وهذا ما رفعه فوق الرؤوس، وأسكنه القلوب، وجعل المجتمع يثق بأن الهدم للصنمية المذهبية والثقافة القرشية ببعدها الجاهلي الأموي العباسي المقيت، وتأثيرها على الوسط المدعي الولاء للإمام علي عليه السلام، سيكون على يديه.
من هنا يجب أن نكون عوناً للقائد بهذا الخصوص، ولا يجوز أن تمنعنا القداسة الروحية والمذهبية من التسليم بهذه الحقيقة التي يحرص على ترسيخها سيد الثورة دوماً، فاليمن لم يكن يوماً بيئة فساد وإفساد، وإنما بيئة إيمان ورشاد وعفاف، وإن وجد شذوذ أو انحراف في أي مرحلة من مراحل التاريخ عن هذه القاعدة؛ فهو من مواليد القصور، وتربية الحاكمين، وشأن خاصتهم، لا علاقة له بالشعب وعامة الناس.
ولن نحصن واقعنا من هذه العاهات التي حفل بها تاريخ الحركات والمذاهب والأنظمة، ويظل تاريخنا الحاضر سليماً إلا متى ما امتلكنا الجرأة الكافية للبدء بتناول كل تاريخنا بالبحث والدراسة الشاملة، ولاسيما ما يتعلق بتاريخ اليمن الحديث والمعاصر، الذي فيه ما فيه من الخلط والتزييف والتحريف والبتر والإخفاء والزيادة والنقصان، إلى الحد الذي بتنا نعايش هذا التشوه المبثوث في كتب التاريخ الحديث من خلال انعكاسه على الشخصيات المتعلمة والمثقفة وبالذات أولئك الذين جاءت ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر وقد أصبحوا في مرحلة الثنوية العامة أو الجامعية، والذين خضعوا لتلقين فكري إخونجي، وبناء عقائدي وهابي تكفيري في مراحل متقدمة من العمر، كل ذلك مع العمل على تطويع وإخضاع هؤلاء المتلقين لتقبل ثقافة بعينها، هذه الثقافة تقوم بزرع القداسة في نفوس التلاميذ لأشخاص وأحزاب وأيام ومناسبات وأفكار وآداب وفنون محددة، يعد الخروج عنها، أو الإتيان بما يخالفها جريمة وتعدياً على اليمن الحضارة والتاريخ والأرض والإنسان، ولن تستطيع إقناع مثل هكذا فئات بعظمة وأهمية وقيمة كل ثورة أو تضحية أو فكر أو قيادة أو شعار في الوقت الحاضر، لأنها لا تمتلك المقومات التي تؤهلها للحوار الفكري، والنقاش الموضوعي، وبالتالي فليس بإمكانها القبول بشيء أو رفضه بناءً على أساس معرفي واستنتاج دقيق، لكونها عبارة عن أداة بيد الآخرين الذين هم مَن يفكر بالنيابة عنها، ويعنى بالاختيار لها في كل شيء، إذ إن التعليم كان على مدى عقود من الزمن، ولايزال من أجل التجهيل والتعتيم والتسطيح والتدجين والتعمية والتبعية الفكرية لأركان النظام القائم فقط لا غير.
من هنا ندرك: أن طبقة الاستبداد المترفة الإقطاعية العميلة من إخونج الأحمر وخبز وعجين عفاش عمدت إلى تغليف مساعيها في البقاء والسيطرة على الحكم وكافة مقدرات وثروات هذا الشعب بأغلفة وشعارات وطنية مزيفة، استغلت جهل المجتمع بتاريخه النظالي، فقدمت نفسها أنها الامتداد الطبيعي لسبتمبر 62، وأكتوبر 63 وكل الثورات، مع التركيز على إخفاء كل ما صاحب ثورة 26 سبتمبر من أخطاء وانحرافات، وصولاً إلى مرحلة السقوط التام بيد الرجعية المحلية والإقليمية، وتسليمها مصير الشعب للقوى الاستعمارية الغربية، وبالتالي ساد الظلم، وعم الفقر، وتم إفراغ السياسة والعسكرية والجوانب الاجتماعية من كل ما يوحي بوجود أشياء تعبر عن عقيدة أو قيم أو أخلاق، ليصير الوطن بجمهوريته وثورته وجيشه وتاريخه وكل ما فيه حقاً للعفافيش والإخونج، لذلك فهم الجمهوريون وإن باتوا في أحضان الملكية السعودية، والمحررون للأرض وإن أصبحوا القوادين لدى المحتل والأدوات الخادمة لكل قوى الاستعمار، والعجيب أن هذا كله لا يدفع أتباعهم للتساؤل: كيف لمَن أسلم وجهه للأمريكي والسعودي والبريطاني والصهيوني أن يقول بأنه يدافع عن اليمن الجمهوري؟
والخلاصة: لن يستطيع جيل اليوم إدراك الفوارق الكثيرة بين الخائن والوطني، وبين الأصيل والدخيل، وبين المصلح والمفسد، ما لم يستطع معرفة حقيقة 26 سبتمبر 62م وما قبلها، بسلبياتها وإيجابياتها، وبكل ما صاحبها من قضايا وأحداث، وكل ما اعتراها من شوائب وانحرافات، وكل نتاجاتها وكيف غيرت الواقع، وما الذي قوض كل مظاهر الأخوة المجتمعية، وهذا بالطبع يحتاج إلى رجال يعون أن هذه الثورة باتت ملكا للتاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات