مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الرحمن اللغز الأكبر، عزيزي القارئ يجمعنا مجدداً وهو كتاب سيضعنا في مسلك الوعي المراد السير فيه إلى منتهاه، لنتمكن من تصحيح المفاهيم الخاطئة، وتجفيف منابع الثقافات المضللة، واستعادة إنساننا من أسر الكهنة والقسيسين والأحبار والرهبان وعلماء السوء المشترين بآيات الله ثمناً قليلاً.
فهيا لنكمل ما ابتدأناه، ونصل الحق بالحق، ليتم لنا الكمال الإنساني، الذي لا سبيل للحصول عليه إلا بالارتقاء في العلم والمعرفة، ولا علم ومعرفة صحيحين إلا بالتخلص من ثقافة التصنيم والتقديس التي تعطي جزافاً لعلماء اللغة والتفسير وسواهم، الحق في تقرير مصيرنا، وبناء أذواقنا، وتحديد علاقتنا بلغتنا، وتغلق الباب أمام العربي كي لا يتجاوزهم، وتسلبه حتى حق النقد والاعتراض على ما قالوه وقرروه حتى في تلك الهوامش من حياتنا، ناهيك عن لغتنا وديننا وتاريخنا!
وذاك ما حدا بصاحب الكتاب أن يقف مخاطباً أولئك الأعلام، والأعلام هنا على وزن أصنام، ويقول لهم: أليس من حقي أن أقف بوجوهكم، وأبدي اعتراضي على ما اقترفتموه من جرم، وسببتموه من اعوجاج وانحراف لغوي وعقائدي؛ حين ألبستم مفردة الرحمن ثوباً غير ثوبها، وجعلتموها في غير معناها ومؤداها؟!
تعالوا إلى اللغة التي تدعون صدوركم عنها، وتحدثكم باسمها كأوصياء عليها، ولنجعلها حجة علينا جميعاً، فأنا من داخلها جئت، ولكني تشربتها كإحساس وشعور، وتعاملت مع مفرداتها ككائنات حية، روحها في معانيها التي لا تتوقف، ولا تعد ولا تحصى ولا تموت ولا تصاب بالجمود.
نعم تشربتها روحاً في روحي، وعشتها أحاسيس ومشاعر في الوعي واللاوعي، وهذا ما لا تدركونه، ولا يمكن لكم إقراري عليه، كونكم جئتم وتعاملتم مع اللغة بقواعد ومعايير وأسس منطقية، وفرضتم عليها مقاييس علوم أخرى، فكنتم كمَن يتعامل معها من خارجها، وإن لم تكونوا من غير المتحدثين بلسانها، فقد صرتم مثلهم، إذ تحولت عندكم مفرداتها وتراكيبها إلى قوالب جامدة باهتة ميتة لا روح فيها.
صحيح أنكم على دراية بمسالكها وتشعباتها، وأعلم بمبانيها واستعمالاتها من الذين يعيشون داخلها، لكنكم لا تمتلكون أدنى إحساس بها، الأمر الذي يجعل الفرد العادي يفوقكم وعياً وفهماً لمعانيها ومراميها، وأكثر قدرة منكم على اكتشاف أسرارها، وإيحاءاتها، كونه ابن بيئتها، يعيشها كحياة، لذلك هي جزء منه، لا غنى له عنها، بينما أنتم لم تعيشوا ذلك، فكنتم غرباء عنها بالفعل.
لذلك لا غرابة أن تصدر منكم تلك الجناية البشعة بحقها، وهي أن جعلتم لكل مفردة من مفرداتها شيئاً اسمه الجذر اللغوي، عليها أن تنتمي إليه، وشيئاً اسمه الوزن عليها أن تعرض عليه، والمشكلة أنكم حددتم الجذور والأوزان، وحصرتم المفردة بها، فعلى كل مفردة الدخول في هتين المشرحتين لبيان ما إذا كانت عربية، أم دخيلة مستعربة كمستعمرة لا فرق!
وبهذا جمدتم العقول، وأصبتم الحس الجمعي بالتبلد، فبات الدارس لللغة لا يراها إلا كمفردة لها جذر معين، واشتقاق معروف، فهي عنده مجرد عائلات منفصلة عن بعضها البعض، باعتبار ما تقرره الأوزان، وتلك هي الماحقة!
فالمتعامل مع المفردة لم يعد يهتم سوى بالميزان الذي تنتمي إليه، وكل تركيزه منصب على فعلان وفعيل وأخواتهما ولا شيء آخر!

أترك تعليقاً

التعليقات