وتلك هي العظمة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن أعظم ما قامت به المقاومة الإسلامية في لبنان، بقيادة حزب الله، ومنذ نشأتها هو: أنها نزعت من نظرية الممارسة السياسية الكلاسيكية مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وذاك ما ميزها عن سواها، ورفعها فوق جميع الحركات والتنظيمات لاسيما الإسلامية منها كمثل أعلى.
كانت المقاومة بقيادة حزب الله تدرك أن مبدأ كهذا يمكن أن يأتيها بمنافع مباشرة، ويؤمن لها مصالح قد تكون مهمة في معايير اللعبة السياسية اللبنانية. لكن الالتزام بمبدأ الوسيلة الفاضلة للغاية الفاضلة كمبدأ أخلاقي، سيكون له مؤثراته الإيجابية الكبرى على تسديد الإدراك السياسي، وتثبيت أولوية التحرير كاستراتيجية عليا.
لقد كان من شأن نهج كهذا أن يُفضي في ما بعد، وعلى امتداد عمر حزب الله الحركي الغني بالقيم والمبادئ إلى تأليف إجماع لبناني حول المقاومة. وهو نهج كان له الفعل التوليدي لمجتمع أهلي ومدني وسياسي مؤيد للمقاومة، ومتعاطف معها، وإن بنسب ودرجات تتفاوت بين فئة سياسية وأخرى، أو بين طائفة وأخرى.
ولم تكن المقاومة (حزب الله) قادرة على تجاوز ذلك المفهوم السياسي إلا لأن البصيرة الخلقية استئناف، وتواصل، وتكامل مع ما قبلها، فهي كذلك وبالمقدار نفسه، تأسيس وتوليد لما بعدها.
وهكذا أخذت تنمو هذه السَيْريَّة ضمن مسار منطقي يتعقل الظواهر والأحداث، ويرى الأشياء كما هي موجودة، ثم ليجد لها محلها المناسب في الواقع حتى اليوم.
إن حزب الله كان ولايزال عنوان الحركة المقاومة المجاهدة، التي كانت البصيرة طابع كل مواقفها وأعمالها المختلفة، وهذه البصيرة أو «التبصر الخلقي» كما يقول الفلاسفة: ملكة من يتمكن من إحرازها، ونقلها إلى حيّز الممارسة وحقول التجربة، إنما يدل على أن الجهة التي أحرزت هذا المقام، بلغت درجة وازنة من التحكّم بأمر نفسها، وبأمر غيرها بينما هي تمضي في إدارة حركة المواجهة.
إن عملية التبصر أينما وكيفما تأتي، فهي تتمثل في إدراك الطبيعة الباطنية الحقة لإرادات متعارضة معينة. ولذا فإنّ البصيرة الخُلقية المطلقة التي نستطيع أن ندركها، ولكن لا نستطيع الحصول عليها كاملة، سوف تدرك الطبيعة الداخلية الحقة لكل الإرادات المتصارعة، ذلك يعني أن معرفة الآخر ضرورية للاعتراف به كموجود سياسي، وهي واجبة على نحو يكون التعامل مع هذا الآخر بوصفه شريكاً في الوطنية مهما بلغت خصومته لي أو خصومتي له، وتلك عظمة حزب الله.

أترك تعليقاً

التعليقات