مبادئ سقطتْ عمداً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
القرآني الحق هو ذلك الذي لا يتوقف ارتباطه بالقرآن الكريم عند القدرة على استنطاق الآيات في المجال التعبوي والتثقيفي، ولا يتجمد عند نقطة الوعظ والإرشاد، وإنما هو الذي ينطلق من واقع الإحاطة والشمول الذي يزخر به هذا الكتاب؛ ليوجه نشاطه وحركته باتجاه بناء الحياة الشاملة، والتي لن تتم إلا متى ما توفرت الإرادة الجادة لفتح الكتاب الآخر الذي جعله الله مصداقاً لكلماته، وبياناً لمضامين وحيه، وشاهداً على قدرته، وسعة ملكه، وعظيم سلطانه، وهو كتاب الكون، بكل ما فيه، والغفلة عن دراسته غفلةٌ عن القرآن، وكفر وجحود بآيات الله وتعاليمه، وإهمالٌ للكثير من الأسلحة الوقائية والهجومية التي لا يستطيع امتلاكها إلا مَن درس هذا الكتاب الكوني، وأدرك نظمه وأسراره، وتفاعل مع ما سخره الله له فيه، وأجراها في رضا ربه، وأعطى الحياة من حوله كل البراهين التي تثبت مدى استحقاقه لمنصب خليفة الله، وتشرح عمق جدارته بهذا المنصب والشرف.
وعليه فليس هنالك من علوم شرعية، وأخرى غير شرعية أو محرمة في ديننا، وإنما هناك شريعة يجب عليها أن تقود الحياة، وتغني الإنسان، بتلبية كل احتياجاته، لذلك فإن الكيمياء والفيزياء والرياضيات وغيرها من العلوم الطبيعية، أو التي تهتم بدراسة الإنسان لدى القرآني جزءٌ من عقيدته، وأصل من أصول دينه، وبالتالي فإن تركها، وعدم الاهتمام بها: خيانة للدين، ومشاركة قوية للعدو في نجاح مشروعه التدميري للأمة، وإسهام فاعل في إخضاعها لسيطرته وحكمه ونفوذه، وتذليلها له، كي يمتطيها بيسر ودون أي عناء أو مشقة.
هذا ما أكد عليه شهيد القرآن، حسين الجرف عليه السلام في معظم دروسه ومحاضراته، ولا مبالغة إذا قلنا: إن هذا البعد كان شغله الشاغل، ولا تكاد تخلو منه جميع أطروحاته تلميحاً أو تصريحاً.
ولقد عالج عليه الرحمة والرضوان مسألة الانتماء، إذ يؤكد في ما معناه أن الانتماء لدين الله، هو التزامٌ في الفكر، وانطلاقةٌ في الحركة العملية، وتجسيدٌ في السلوك، وخطٌ للسير، لا يقبل التعرج والميل والانحراف، الأمر الذي يحتم على المنتمين ألا يستسلموا للأماني التي تسيطر على الذهن، وتنفخ الذات، وتجعلهم يعيشون وهم الانتظار لحصولهم على النتائج الجيدة على مستوى الدنيا والآخرة، بمعزل عن العمل بالاتجاه الذي يحقق تلك النتائج التي يرجونها، وعليه؛ فقد كان لزاماً على مَن يدعي انتماءه لهذه المسيرة، ويزعم الصدور عن ثقافتها وفكرها؛ العمل بالخطط والبرامج التي تضمنتها الرسالة الإلهية، ودراسة حركة وتجارب الأمم والشعوب ماضياً وحاضراً؛ بغرض الاستفادة من نقاطها المضيئة، وأخذ الدروس والعبر التي تسهم في الحيلولة دون حصول التفريط والتخاذل والركون إلى ما قد تم تحقيقه، بل يجب أنْ تكون سنن التاريخ حاضرة، في الذهنية، حتى لا تحيد الخطوات عن جادة الصواب، بذلك فقط يمكن للمنتمين إلى جبهة الحق أنْ يقيموا الحياة كلها على أساس قوي ومتين وراسخ، بدءًا باهتمامهم في بناء أنفسهم، ثم اتجاههم لبناء نفوس وواقع مجتمعهم وأمتهم، وصولاً لقيامهم بمسؤوليتهم كاملة كأفراد، وكمجتمع، وإذا لم يتحقق ذلك، فإنه دليل على انعدام الصدق في الإيمان، وسبب كافٍ لخسارة الدنيا والآخرة.
إن قيمة الانتماء للدين تتمثل بالإخلاص العملي له، وذلك بالتزام طريق العدل، وصون الأمانة، وعدم الدفاع عن الخائنين، وعدم اتهام الناس بالباطل، لتبرئة ساحة الفاسدين والظالمين، وتقوية موقف العاجزين والمقصرين.
وهكذا يرفض القرآن الكريم الأساليب التي تستعملها القوى والتكتلات والشلليات التي يكون انتماؤها لحركة الحق بدافع مصلحي بحت، ويصبح ولاؤها لأشخاص بعينهم، من باب الخوف على فقدان المصالح تلك، أو بدافع العصبية للمنطقة أو القبيلة أو المذهب، لأن مثل هذا اللون من الانتماء؛ كفيلٌ بحماية المجرمين والخونة، المنتسبين إلى تلك الحركة التي تمثل الحق والعدل والدين، وهنا لم يعد للمظلومين والأبرياء أدنى اعتبار، على أساس أن الانتماء قد جعل لأولئك الظالمين والمفسدين قيمة دينية، وقداسة ذاتية، ومكانة سياسية، تستوجب منع الاقتصاص منهم، ودفع عدوانهم عن الناس الآخرين، ولقد وجدنا الكثير من الأساليب المنطبعة بطابع الجاهلية، وقد صارت جزءًا لا يتجزأ من خلق ودين كثير من الناس، هنى أو هناك، ولا يخفى على ذي لب؛ ما ستخلفه هذه الأساليب من آثار تدميرية للواقع كله، إذ يبقى المظلوم في حالة عجز دائم، واستسلام متواصل للظلم، ليقينه أن مطالبته بالحق، وبحثه عن الإنصاف، مدخلٌ لفتح أبواب جهنم عليه، من قبل كافة أجهزة ومكونات وشخصيات تلك الحركة التي ينتمي إليها ذلك الظالم، ويحتمي في ظلها ذلك الفاسد أو المجرم، والغريب بل والأشد فتكاً وإيلاماً في النفس هو قول مَن تعول عليه بعد الله بإنصافك: عليك أن تصبر على ظلم ظالمك، وتتجرع ويلات التنكيل بك من قبله بصمت؛ من أجل ألا ينشق الصف، فتتصدع الجبهة الداخلية!

أترك تعليقاً

التعليقات