لا بد من تقديم القدوة العملية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
علمنا التاريخ أن كل ما وقع على هذه الأمة من بلاءٍ ومصائب، وقاسته من فقرٍ وضياعٍ وجهلٍ، وعاشته من ضلالٍ وانحرافٍ، لم يكن سوى نتيجة طبيعية للانحراف السياسي للحكام كأشخاص، ولنظام الحكم بشكل عام، والذي بدأ مبكراً في الدولة الإسلامية، ولما أدرك رواد الانحراف السياسي مغبة المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه، فعامة المسلمين لا يمكن أن يقبلوا بهم حكاماً عليهم، اتجهوا نحو صياغة جديدة للعقل الإسلامي، خلافاً لما قرره القرآن الكريم، وتمثله وأكده رسول الله في فعله وموقفه وسلوكه وقوله، فاختلت الموازين وتبدلت واختلفت المقاييس والمعايير، حتى وصلت المسألة بعد حين من الزمن إلى أن يُفرض على مَن سيتولى منصب خليفة المسلمين العمل بسيرة مَن سبقوه من الخلفاء، ولا يحيد عنهم، حتى وإنْ وجد فيها ما يتناقض مع كتاب الله وسنة نبيه، واللذين تم تعطيلهما بهذا الشرط، فأصبحت سيرة فلان وفلان مصدراً للتشريع تماماً كالقرآن، الذي طبعاً تم تعطيل الكثير من تعاليمه، والالتفاف على البقية بالتأويل الذي حجم وغير وزاد وحذف هنا وهناك، لكي ينزل تعاليم الله وأحكامه إلى منزلة تعاليم وأحكام البشر، أضف إلى ذلك اشتغال الوضاعين للأحاديث والمرتزقة من الرواة للأخبار بتوجيه حكومي على اختراع بطولات ومناقب وكرامات وفضائل لأشخاص معينين، لكي تُستغل في حياتهم وبعد موتهم لنزع السخط من صدور الأمة إزاء ما تجده من مخالفات وانتهاكات تمارس عليها من قبل هذه الشخصيات من جهة، ولتبييض صفحات تاريخهم المعتمة والتغطية على مساوئهم التي لا تحصى من جهة أخرى.
وأمام هذا كله جاءت فترة الأربع السنوات لخلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، الذي استطاع من خلالها أن يعيد الاعتبار لمفهوم السلطة في الإسلام، ويقدم التصور الشامل والواضح عن شخصية الحاكم ووظيفته وعلاقته بالمجتمع، وعلاقة المجتمع به، إلا أن الأمة كانت قد أصيبت بموت الضمير، والذي تجلى في أكثر من موقف وخطاب للإمام علي عليه السلام، وهو يبين هذا الحال الذي وصل إليه المسلمون، وكذلك الإمام الحسن عليه السلام، الذي أدرك أن هذه الأمة لن تستيقظ من غفلتها ما لم تعش التجربة الواقعية التي على ضوئها ستعي الفرق بين الحق والباطل.
ومع ذلك لم تستفد هذه الأمة من تجاربها، فكانت الثورة الحسينية، التي اتجهت لترسيخ المفهوم الذي لطالما ركز عليه أهل البيت، وهو: ضرورة العمل على تقديم القدوة العملية في الواقع، لأن الناس بحاجة إلى شواهد حسية تبين لهم قيمة ما يُدعون لالتزامه من مفاهيم وقيم ومبادئ، ولاسيما إذا ساد فيهم لفترة طويلة حكم منحرف ظالم، استطاع أن يوهن عزائمهم، ويميت ضمائرهم، لذلك يقول الإمام علي عليه السلام: كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم.
فهل سيتنبه كل من يدعي صلته بالمبادئ الحسينية إلى هذا البعد فينطلق على أساسه؟ أم أننا لانزال في قبو التسويف والتبرير؟

أترك تعليقاً

التعليقات