في المسكوت عنه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
المسيرة وعلم الكلام
كم كنا قبل ثورة الـ21 من أيلول/سبتمبر منفصلين عن ذواتنا ومستسلمين لعجزنا ومستريحين لحالة الذل وانعدام الوزن التي كانت تلقى علينا كدروس وأفكار من قبل رؤوس اختفت تحت عمائم جعلتنا نطمئن لتلك الشخصيات ونعتبرها تمثل حلقة وصلٍ بمقتضى تحقق الانتماء لمدرسة أهل بيت النبوة وخط الإسلام الأصيل مع بعدها التام عن ذلك ومجانبتها الكلية لكل ما تدعيه.
ولعل مظاهر التحرر والاستقلال والنصر والعزة تدفعنا للتوقف قليلاً أمام ما كانوا يثيرونه تجاه المشروع القرآني ليحولوا بين طلبة العلم الشرعي وبين الانتماء إلى هذا المشروع، من مثل دعواهم بأن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) لم يراع مسألة المرحلية التي تقضي بالفصل بين المراحل، بحيث تبدأ بما هو فكري بمعزل عما هو سياسي واجتماعي، وتهادن الظالمين وترضخ للمستكبرين، ولا تنصدم مع المستبدين والطغاة حتى تبني قاعدتها القوية المتماسكة، التي لا تتحرك على أساس الانفعال العاطفي والحماسي، بل تنطلق على أساس الفكر الذي لا سبيل لتحققه إلا باعتزال ساحات الصراع وعدم إبداء أي رأي بأي شيء، حتى يصلوا إلى مستوى توازن القوى مع الأعداء وتكافؤ الفرص التي بمجموعها تجعلهم بمقام الند للمستكبرين.
لقد كان هؤلاء العلماء يضعون مسألة بقاء المسيرة موجودة على ما هي عليه حينها من سابع المستحيلات ناهيك عن أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وذلك لكون الثقافة التي تبني نظرتهم للأشياء وتشكل مادة التكوين لحكمهم عليها، هي ثقافة أصول الفقه وعلم الكلام، الثقافة التي تقسم المسلم إلى ذوات متعددة وكثيرة لا سبيل لاجتماعها وتخلقها في بنية ذات واحدة تعي ما حولها وتقوم بدورها، ولكن هذا المشروع استطاع إيجاد المنظومة القادرة على صياغة الإنسان المتكامل بكل مقومات وجوده وعناصر شخصيته من خلال اعتماد القرآن الكريم كمنهج تربوي وسياسي واجتماعي وعسكري وأمني وفكري واقتصادي وثقافي وروحي وتنموي وغيرها من المجالات والاتجاهات التي تقوم بموجب التخطيط الإلهي وتستند إلى مدى قدرة الملتزم بها على استيحاء معالمها وتمثل محدداتها في ميدان عمله لتصبح كل جوانب الحياة محكومةً بدين الله ومشمولةً ببركة آياته التي جعلت حملتها يتمتعون بالحكمة العملية التي تعني إعطاء كل شيء حقه وتقييم كل شيء بدقة فيضعون الشيء في مكانه المناسب بحيث لا يطغى شيء على شيء ولا تختل الموازين ولا تتضارب الأفكار ولا تتباين الرؤى وتتعدد التوجهات وتتضارب الأحكام والمواقف.

أترك تعليقاً

التعليقات