قد نقل زمان
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -

اتصل بي صديق عزيز علي قبل أيام يعزمني على الغداء في منزله، طبعا وافقت على العزومة بدون أي نقاش، ولم أبد أية زحمة، وقلت له: على طول.
ظهر اليوم التالي ذهبت باتجاه منزل صديقي في حي الحصبة، ومن دون أن أتصل به، وصلت إلى جوار باب شقته، دقيت الباب، ففتح لي الباب شخص غريب، سلمت عليه حسبته أحد أقارب صديقي. سألته: فلان موجود؟ قال: فلان من؟ قلت: هذا منزل فلان؟ ابتسم ورد علي: قد نقل زمان.
يا لعينة الجن، اتصلت بصديقي، فرد علي يسألني: وينك تأخرت؟ قلت له: رحت أسلم على المستأجر الذي يسكن بدلا عنك في شقتك السابقة بالحصبة. ضحك: أيش الذي وداك هناك، أنا قد نقلت إلى شملان. وطلب مني أن أركب موتور إلى شملان. فاعتذرت منه ورجعت أتغدى في مطعم.
في هذا البلد مافيش حاجة مستقرة ولا مستمرة إلا نشرة الأخبار في الفضائية اليمنية، وحدها النشرة مستمرة ومناضلة حتى الآن. لا برامج استمرت، ولا مستأجرين مستقرين يبقون في شققهم للأبد، حياة ملاحقة. عفش يخرج، وعفش يدخل. كم أكره النقل وأكره المؤجرين.
حد منكم يذكرني مثلاً ببرنامج واحد من حق زمان التي كنا نشاهدها، ومايزال يبث ومستمر إلى الآن. طبعا مافيش.
إن تحدثنا عن المواقع الإخبارية من زمان، مواقع تفتح ومواقع تغلق بعد أعوام من انطلاقها. صحف تجي وصحف تعطف نحو الارتزاق. قنوات تفتح وتغلق بعد سنوات قليلة من افتتاحها. سوبر ماركات وعيادات ومطاعم ومقاهي ومولات تفتح وتغلق. مافيش حاجة دائمة ومستمرة في اليمن غير نشرة الأخبار وحراثة عبدالله الحجرة، وبابور كومان. والعزة والكرامة والشجاعة والعبادات وعبارة صلي على محمد يا مواطن صلي.
حد يقلي أين ذهبت النشرة الجوية ما عاد تبث بشكل يومي زي زمان.
برنامج «استديو الرياضة» الذي كان يقدمه الأستاذ علي العصري، عادكم تذكروا هذا البرنامج. أقسم لكم إنه لما كنا نتابع هذا البرنامج يوم الثلاثاء، كانت جدتي ترقد عليه.
ما قد شفت ولا سمعت برنامج رياضي يرقد متابعيه كما برنامج «استديو الرياضة». برنامج يرقد النسوان والعجاوز والأطفال. الجميع ينام على صوت علي العصري، الصوت الذي يسحبك لفوق الفرش وأحياناً يسحبك للأوت. طيب أين برنامج «نوح الطيور»، والبرنامج الإذاعي «واحة اليوم»، وبرنامج «حماة الوطن»، البرامج التي وقت الله الله اختفوا ما عاد أبصرناهم. حياة ملاحقة.
أين الأندية الرياضية حقنا؟ أين المنتجات القديمة؟ أين الريال اليمني وبقية أوراق عملتنا القديمة؟ لماذا توقفت السينما؟ لماذا توقفت نافورة التحرير؟ أين المنتجات الغذائية القديمة ويفر علامات الديك، وبسكويت أبو هدهد، وشوكلاتة سندباد وسمارة وغيرها؟
تخبط مشوار عشان تشتري رواية من مكتبة ما، تصل وقد المكتبة محل لسلخ الدجاج، تخبط مشوار عشان تصلح المداعة حقك تفاجأ أن مصلح المداع قد عطف زمان وقد جزع محله 10 مستأجرين وآخرهم مستأجرة نازحة.
طيب لماذا في البلدان الأخرى يحاولون أن يحافظوا على أغراضهم وحاجاتهم وتفاصيلهم كذكريات؟ لماذا أغلبنا بيخزى من ماضيه؟ وأنا أقول ليش نعثتم الآثار وخزوقتم الجبال والوديان، ونعثتم الصحاري تحت فوق، إلا وأنتم تدوروا على كنوز وتنهبوا آثارنا وتاريخنا ومقتنياتنا القديمة لتبيعوها في سوق النخاسة الخليجية.

أترك تعليقاً

التعليقات