مطار مصيدة!!
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
يبيع المواطن ما تحته وما فوقه ويتسلف لأجل السفر لمعالجة مريضه بالخارج وبسبب إغلاق مطار صنعاء من قبل العدوان والقصف، لم يعد السفر لليمنيين مجرد خطوة نحو العالم، بل أصبح معاناة ومغامرة، وتحوّل السفر من حقٍّ بسيط إلى مغامرة محفوفة بالخوف، ومطارات البلاد التي كان يُفترض أن تكون بوابات للأمل غدت اليوم معابر قاسية تشبه نقاط تفتيشٍ بين الحياة والغياب.
مطار عدن، على وجه الخصوص، لم يعد بوابة عبورٍ إلى الخارج، بل إلى المجهول وأصبح مصيدة. من يقرر السفر عبره يعرف أنه لا يجهز حقائبه فحسب، بل يتهيأ لعبور أرضٍ لا ترحم، أرضٍ تضع المسافر أمام كل احتمالات الإهانة والاحتجاز والضياع. تبدأ الحكاية من الطريق الطويل المليء بالحواجز، حيث تتغير الملامح واللهجات والأسئلة، ويشعر المسافر أن كل خطوة يخطوها تُثقل كاهله أكثر مما تقرّبه من هدفه في عدن، عند بوابة المطار، تبدأ رحلة أخرى. التفتيش لا ينتهي، والوجوه المرهقة تصطف في طوابير طويلة، والقلوب معلقة بين الرجاء والخوف. هناك، يتحول الانتظار إلى عذاب، وتتحول النظرات إلى استجوابٍ صامت. تُفتح الحقائب أمام الجميع، تُسأل الأسئلة نفسها مراراً: من أنت؟ إلى أين تسافر؟ لماذا؟
كأنّ اليمني في كل مرة يحتاج أن يثبت أنه ليس مجرماً، وأن حقه في السفر لا يعني خيانته لوطنه.
بعض المسافرين لا يعودون. يُختطفون في الطريق، يُعتقلون بلا تهمة، أو يُمنعون من الصعود إلى الطائرة في اللحظة الأخيرة دون سبب واضح. وآخرون يُسمح لهم بالمغادرة، لكنهم يخرجون مثقلين بالخذلان، كأنهم تركوا خلفهم وطناً لم يعد يشبههم، ولم يعد يريدهم.
لم يعد مطار عدن مكاناً للوداع أو اللقاء، بل صار ساحة اختبار للكرامة. فيه تتجسد صورة اليمن كلها: وطن أُغلقت سماؤه في وجه أبنائه، وضاقت طرقه بالحواجز والجنود، وانكمشت فيه المسافات حتى صار السفر من مدينة إلى أخرى مغامرةً تحتاج شجاعة تفوق شجاعة الذهاب إلى المنفى.
في ذلك الممر الضيق الذي يفصل صالة الانتظار عن بوابة الطائرة، يحمل اليمني كل شيء: خوفه، حزنه، غضبه، وحنينه إلى وطنٍ يستطيع أن يغادره ويعود إليه بسلام.
يسافر اليمني اليوم لا بجواز سفر، بل بورقة تحمل اسم بلده الذي صار عبئاً على المنافذ، يسافر محملاً بالوصايا والدموع والدعاء، كأنه يودع الحياة نفسها قبل أن يعبر إلى عالمٍ آخر.
إن إغلاق مطار صنعاء لم يكن قراراً سياسياً فحسب، بل جرحاً عميقاً في جسد الوطن. جرحٌ مزق أوصال العائلات، وشتّت المرضى والطلاب والمغتربين، وحوّل الرحلات الإنسانية إلى ملفاتٍ أمنية. فمن كان يريد العلاج صار ينتظر إذناً، ومن كان يسعى إلى التعليم صار يبحث عن معجزة، ومن كان يريد أن يحتضن أبناءه في الخارج صار ينتظر ما لا يأتي.
مطار عدن اليوم هو مرآة اليمن الموجوع: بلدٌ تكسّرت فيه الأجنحة، وضاقت فيه السماء، وانطفأت فيه مطارات الأحلام. وطنٌ صار السفر منه امتحاناً للكرامة أكثر من كونه تجربة للحياة.
وهكذا.. يسافر اليمني لا فرحاً، بل خشية، لا نحو الأمل، بل بعيداً عن الخطر. يسافر محملاً بصبرٍ ثقيلٍ ودعاءٍ حارّ، يطلب فيه من الله أن يُكتب له الوصول، أو على الأقل، أن ينجو في طريقٍ لم يعد يعرف الرحمة.
لا يسافر الناس كما يسافر الآخرون بل يعبرون جغرافيا الألم، بين وطنٍ أُغلق في وجوههم، وسماءٍ لا تزال تبحث عن مطارٍ يليق بكرامة الإنسان. لايمضي شهر بدون اعتقال لمواطن في هذا المطار وبتهم باطلة ومزيفة. إما بتهمة لقبه وأنه «متحوث» أو مكان سكنه أو بسبب صورة أو منشور أو ما شابه ذلك من تهمهم الباطلة. في المقابل ترى أجانب وصهاينة يدخلون عبر هذا المطار ليمرروا أهدافهم وقذارتهم والقائمون على مطار عدن المصيدة يستقبلونهم بالترحاب والسعادة والضيافة.. قبحكم الله يا مرتزقة الأجنبي.

أترك تعليقاً

التعليقات