التعويل كل التعويل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن الشيطان لا يكتفي بالتزيين والوسوسة لتحقيق أهدافه، بل إنه يصنع النماذج الكثيرة التي تتبنى ظاهراً عنواناً دينياً، ولا تقف بها الحال عند القول وإنما تحرص على تمثل ذلك في سلوكها الشخصي وتقوم به من خلال المداومة على العمل العبادي، فيحكم عليها كل مَن يراها بالصلاح والزهد والتقى، من هنا ينجذب الناس إليها، ويثقون بما تقدمه من أفكار ويتبنون ما تطلقه كذلك من مواقف، وبالتالي يذللون لها السبل لتحقيق أهدافها التي لم تتغير وإن تغيرت الواسطة لبلوغ الغاية المطلوبة لدى تلك الصنائع الشيطانية.
أدري أن كثرة الصنائع هذه قد جعلتك تقول: إنه ليس لك أن تسترد الأمس، ولا أن تستوفد الغد. وذاك صحيح، ولكن مازال في يدك الكثير، وأقل ما يمكنك أن تفعله هو أن تطوع الواقع إما حقيقة وإما تصورا، فالتعويل كل التعويل على ما تجده في نفسك عن الأشياء لا في ذات الأشياء. وهي معادلةٌ ليست على نهج العتمة في عمامة المتصوف ولا على قشرية المادي الساذج، إنها معادلة ما بين هذه وتلك، متى ما أدركها المرء فإنه قابضٌ على الجوهر الذي ينير له الدروب، وتتقد به في العقل الغايات.
للأمر مائة وجه من التعليل، وذو الحكمة يرى من الوجوه أجملها، وينازع عيون الظن في تبديد ما سواه من الوجوه، وما ذاك من باب الوفاء للآخرين بقدر ما هو الوفاء للذات، لئلا تتأكسد في نفسه الحياة.
أعلم أن السير في الضباب يورث في النفس الاضطراب؛ فلا لوم على الدروب إن تلاشت، ولكن التثريب على السائرين إن آثروا السلامة وكفوا عن المسير. ففي الجهة المقابلة للشمس حقيقة يحجبها الوهج ولأن الحقيقة التي ظهرت من الشمس مبجلةٌ في النفس فلن تحمل النفس للجهة الغائبة عنها  جميل الظن بها.

أترك تعليقاً

التعليقات