القضاء ومصحف معاوية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هكذا يتم تطبيق شريعة الله في الواقع، وهكذا يتم تجزئة الدين، وتحويله إلى مجرد طقوس وأوراد.
من هنا جاء مفهوم هيئة التفتيش القضائي، ومجلس القضاء للعدالة، والحق، إذ المهم عندهم افتتاح الجلسات في المحاكم بآيات من القرآن، وكأن المشكلة كانت ومازالت نتيجة غيابه عن مقام التلاوة والحفظ، لا نتيجة الكذب على الله والناس باسمه.
إنها سنة معاوية، وخطة ابن النابغة، تجترها نفوس مشحونة بالظلام الدامس، الذي اختمر فيها إلى الحد الذي مكنها من اتخاذ النور مظهراً لممارستها الطويلة في الخداع والتضليل للبسطاء، والتمادي في الكذب على القلوب المتعطشة للعدالة والاستقرار والحياة الكريمة، والسعي لمسخ كل ما هو إنساني، وتزييف كل ما هو حق، وتسطيح كل ما يشتمل على الأبعاد الخلقية، والقيم المعنوية.
إن على كل حر مواصلة الكفاح المرير، وخوض المعركة الطويلة الأمد، التي ما إن يتقرر فيها انهزام الوجوه الحقيقية للباطل، حتى تنبت من جديد بسحنات وقوالب جديدة، متخفية تحت كل شجرة وصخرة تعبران عن الحق والمحقين.
وعلى الجميع أن يدرك ضرورة المسارعة في قول ما يجب قوله لكشف باطل ما، وبيان حقيقة الأمور كلها، أياً كانت، لأن التأجيل في ذلك معناه: السماح لكل ما هو زيف وباطل وشر وفساد وسلبية وقصور لكي يتمكن أكثر، والذي متى ما استحكمت قبضته على كل شيء، لن يستطيع بعدها أي إنسان قول أي شيء.
إنها مهمةٌ عسيرة، ورحلةٌ شاقة، وطريق باهظة الكلفة، لكل مَن يختارها، لذلك فالجديرون بها قليل، وهم ليسوا من خريجي المؤسسات الدينية ولا الجامعات والأكاديميات، وإنما هم الآتون من ربذة أبي ذر، الباقون في سياحة دائمة على مذبح العشق.
لقد حكم الطغاة والمجرمون وسادوا عبر تاريخنا وكان القرآن موجودا، لذلك وجب على الآتي بعدهم أن يكون ملتزماً بما جاء من أجله، على أساس المشروع الذي يمثله كما عليه بالنظر والتأمل في آثار السلطات والأنظمة التي كانت تضطهده، كيف بادت؟ ولماذا؟ مع أنها كانت تمتلك كل مقومات البقاء والاستمرار، فيدرك أنه في مرحلة اختبار من الله، بحيث لا يقع في ما وقع به سلفه، ولا ينخدع بما ينخدع به عادةً عديمو الدين والخلق، وإذا كان أولئك قد ضُربوا من قبل الله على أيدي أوليائه، بالشكل الذي أظهرهم في عيون الناس كأنهم لم يكونوا يملكون شيئاً، مع أن منطلقاتهم لم تكن دينية، فكيف سيكون الحال مع أوليائه، حينما يتخلقون بأخلاق عدوهم، ويقتفون أثره عملياً في مختلف الميادين؟ لا شك أن ما سيقع عليهم سيكون أشد وأنكى، فالله سيسلط عليهم من أعدائه مَن يضربهم، وينكل بهم إلى جانب أنه هو سيتدخل لضربهم، بأن يسلبهم التوفيق، ويحرمهم من نعمه، ويمحق أعمالهم، على حد تعبير الشهيد القائد، رضوان الله عليه، أما إذا تسافل الإنسان، ولم يعد ينتفع بما يراه من آثار وتجارب، ولا يسير وفق السنن الإلهية، فإنه سيفقد كل شيء، ليصبح كالبهائم، بل أحط منها بملايين الدرجات.
وختاماً، على مَن يتحرك على أساس منهج الله، أن يربي نفسه بناءً على ما تضمنه ذلك المنهاج من تعاليم ومبادئ وأسس، فلا يكون هذا التحرك مجرد وهم، وادعاء زائف، يكتفي بالتغني به في المنابر، بل يصير حقيقةً، تتجلى في ما ستخلقه لديه من رؤى ووعي، وقيم وأفكار، وتوجهات عملية، فالارتباط بالله يوجد لدى الإنسان عيناً في القلب، تصنع لدى صاحبها البصيرة المعنوية، فالقضية ليست قضية سلامة الحواس الخمس من عدمها، بل لا بد من امتلاك البصيرة التي تمنح الحواس معناها وقيمتها، وهي كذلك تمنحنا القدرة على رؤية الجانب غير المرئي بالحواس في هذا الوجود، وهذا هو جوهر الوعي.

أترك تعليقاً

التعليقات