لا مساومة في المصير
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلما حاولنا ابتعاث آمالنا المدفونة في مقابر اليأس، فوجئنا بوجود أشخاص جدد، يمتلكون أساليب وطرقا مبتكرة لقتلها ودفنها مرةً أخرى، وبصورة أكثر دموية ووحشية من ذي قبل.
لكننا لن نقضي العمر في انتظار الشيء الذي لا يأتي، ولن نحاول أن نتكيف مع الوضع، وننضم إلى طوابير المصفقين والمهرجين وتجار الوهم والخيال، الذين يرمزون الناقص، ويُكْبرون العاجز، ويشيدون بالفاشل، ويتغنون بإنجازات وفضائل القاصر المقصر، وسنظل على ما نحن عليه، نرفض النقص والناقصين، ونمقت كل جسدٍ مشوه يدعي خروجه من رحم الثورة، ويتحرك باسمها، ويقدم نفسه كواحدٍ من المنتمين إليها، والمعنيين بحمايتها والدفاع عنها، وهو خيارٌ صعبٌ بطبيعة الحال، لما سيخلفه لصاحبه من تبعات قد تكلفه دفع سمعته وحياته ثمناً لذلك الاختيار، الذي يحتم عليه ألا يقف في المنطقة الرمادية من المواقف والقرارات والأحداث والشخصيات، وأن يكون دوماً في مقدمة الذين يعشقون الوضوح، ويقدسون الحقيقة، وإن ظل وحده على ذلك الطريق، أو أصابه ما أصابه في سبيل عقيدته والتزامه ومبادئه.
إن الحر من الناس لا يرضى على نفسه إلا أن يكون هكذا، يأبى لثورته أن تعيش بجسدٍ مكونٍ من نصفين: حسيني، ويزيدي. ويظل في مواجهة مفتوحة لا هوادة فيها مع الذين سمعوا محاضرات شرح عهد الإمام علي عليه السلام للأشتر، وخرجوا إلينا بعهد معاوية لابن النابغة، ثم سمعوا شرح وصية الإمام لابنه الحسن عليهما السلام، وخرجوا لنا بوصية ابن هند لابنه يزيد، وذاك ليس رأيي وحدي، فالكثير من الأحرار يشتركون معي فيه، وقد سبقني معظمهم إلى إدراكه، والمهم ألا نقبل أن تكون ثورتنا بجسد مكون من نصفين متناقضين، كلٍ منهما عدوٌ للآخر.
وقد يحدث الانفصام في الشخصية لدى الجيل الذي مثل وجوده وجود الطليعة الثورية والتغييرية، وذلك عندما يتحقق للثورة شيء من الاستقرار، ويتجه العمل كله نحو الحصول على القوة المادية، وكلما أحرزت الثورة تقدماً عسكرياً، واستطاعت تصنيع وامتلاك قوة ردع نوعية، تغيرت النفوس، فتصبح النظرة مادية بحتة، وعندها يركن الناس إلى قوتهم، بعيداً عن الركون إلى الله، والتوكل عليه والإيمان به، فتأتي الهزيمة في الموضع الذي ظن الناس أن به سيتحقق النصر.
إن العدو كما يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه: لا ينظر إلى ما لديك من قوة وإمكانات، وإنما ينظر إلى نوعية الرؤى التي تتبناها، ونوعية الثقافة التي تقدمها، ووضعية المجتمع لديك، فهذا هو الشيء الذي يخيفه.

أترك تعليقاً

التعليقات