في تضييق دوائر الهمج الرعاع
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلنا يعتز بما تم لنا من شرف في الدفاع عن قضايا الأمة، ونصرة المظلومين، والدخول مباشرة مع الصهيونية والاستكبار في مواجهة لا تراجع عنها حتى النصر. وكلنا يرى ما تم لمجاهدينا من فضل إذ باتت زروعهم تصل يافا، وتثأر لكل فلسطين، ولكن علينا مع كل ذلك أن نعلم بأن: إنجازات وانتصارات المجاهدين لن يكون لها الأثر الكبير في وجدان وفكر الجمهور المتلقي والمؤيد والمحب والداعم إذا لم نعمل بجدية على تنقية الأرضية التي نريد زرع نتاج المجاهدين فيها من كل الشوائب التي تعتري تلك الأرضية، سواءً كانت في سوح الأنفس أم الأفكار، لأن بقاء أيٍ من التصورات والقناعات المغلوطة من دون حسمٍ فيها سيؤدي في المستقبل إلى ظهور أكثر من مرض خبيث كفيلة بأن تفتك بالجسد الثوري كله.
فمثلاً، هناك أناس وبحجة وحدة الكلمة، والتفرغ لقضية الأمة الكبرى أصبح الحديث عن الفساد والمفسدين لديهم عملاً يصب في خدمة العدو، كما أن إثارة القضايا الهامة التي بموجبها يتم للمجتمع اكتمال بنيانه وكمال نضجه بحيث يصل عبرها إلى وحدة يترابط فيها الجانب العملي مع التطبيقي فيصبح القول مطابقاً للعمل باعتبار أن الجميع قد وصلوا إلى مقتضى قوله تعالى: «يهدون بالحق وبه يعدلون»، لا تروق لمثل هذا النوع لسببٍ وجيه، وهو أن وحدة الكلمة لديه تقوم على ترك القضايا الداخلية، والاكتفاء بالقضايا الهامة الكبرى، وإن كان تركها سيؤدي إلى أن يحصل شتات في المجتمع، وتقوم بين بعضه البعض العداوة والبغضاء كعقوبة من الله تعالى نتيجة مخالفة أمره، وتقديم هؤلاء أنفسهم أحكم من الله، بحيث لو أنك تحدثت عن ظالم أو فاسد أو منحرف وأردت أن تزيل من ذهنية الناس الصورة المزيفة عن تلك الشخصية التاريخية أو الدينية وتقدم لهم الصورة الحقيقية التي تم تغييبها عنهم، سيأتون إليك موبخين غاضبين، فأنت لديهم عديم البصيرة قليل الوعي قاصر النظرة، وإذا حاولت أن تحتج عليهم بكتاب الله وما يقوله أعلام الهدى حول مفهوم من مفاهيم آياته الكريمة، سيردون عليك بأن هذا صحيح، لكن أنت لم تراع المصلحة العامة، متناسين أن وحدة الكلمة والموقف والتوجه لا تأتي إلا بتدخل إلهي، فالله وحده هو الذي بيده وحدة كلمة الناس واجتماع صفهم ماداموا متمسكين بكتابه سائرين في سبيله وفق الطريقة التي رسم لهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
بهذه الأسس تتحد الكلمة ويتحول في ظلها الأعداء إلى إخوة وليس فقط أصدقاء، أما الجمود والتغاضي عن الفساد والمفسدين فلا يؤدي إلا إلى العداوة والبغضاء.
من هنا جاز لنا التساؤل كمنتمين لثورة مجيدة، وأبناء لشعب ومجتمع عانى من الظلم والاستبداد قبل الثورة: هل عملنا على تضييق دائرة الهمج الرعاع، وتتبعنا جميع خطواتهم، وكشفناهم للناس؟ أم أننا استرحنا لركوبهم الموجة وباركنا تصدرهم المشهد في التحدث باسم الثورة ورجالها ودفاعهم عن قضاياها بأسلوبهم الخارجي الفج؟
وهل بذلنا شيئا من جهد على مستوى الحركة العملية والفكرية لتجفيف مظاهر التباين الطبقي وردم منابع الفرقة والاختلاف من خلال فرض العدل وتعميمه، واستعادة الحقوق؟
وهل لدينا استشعار للمسؤولية في التخطيط لإيجاد الكيفيات والأساليب العملية التي لا بد منها لكي نتمكن من استئصال الاستبداد من جذوره كي لا يكون تحركنا متوقفا على استبدال مستبدين بمستبدين آخرين، لأن مَن عاش القهر والاستبداد وعانى من الظلم إذا لم يتم توجيهه وتربيته وفق منهجية الثورة، فسيصبح عند التمكين أكثر ظلماً واستبداداً وطغياناً من الذين ثار عليهم؟
لذلك علينا العمل بذات الفاعلية والقوة في مسارين: مسار الجهاد الخارجي المتمثل بمواجهة العدو، والجهاد الداخلي المتمثل بجهاد النفس، وهو الجهاد الأكبر. فمثلما تحتاج الثورة إلى قوات مسلحة لجهاد عدوها في المعركة، هي بحاجة كذلك إلى جيش من الواعين والتعبويين والمفكرين الصادقين للحفاظ على مكتسباتها وحمايتها من التشوه أو الانحراف أو التدنيس.

أترك تعليقاً

التعليقات