محمد الجوهري

محمد محسن الجوهري / لا ميديا -
إن الرأسمالية الغربية ليست مجرد نظام اقتصادي بحت، بل يمكن اعتبارها ‏أقرب إلى دين يتخذ من المال إلهاً ويجعل من البشر عبيداً له مقابل الوهم ‏بالرفاهية والاستقرار الاقتصادي. هذا المفهوم يعكس كيف أن الرأسمالية ‏تعمل على تعزيز قيم الاستهلاك والتنافس، ما يؤدي إلى ارتباط الأفراد ‏بالمال كرمز للنجاح والقوة. في هذا النظام، يُفترض أن تحقيق الثروة هو ‏السبيل الوحيد لتحقيق السعادة، مما يخلق شعوراً زائفاً بالرفاهية‎.
تحت هذا الشعار أصبح العالم يدين بالرأسمالية بعد أن أغرت الجميع ‏بالرفاهية المستقبلية شريطة أن يتخلوا عن الكثير من الثوابت الدينية ‏والثقافية، كما فعل السلطان التركي عبدالمجيد الأول عام 1940 عندما ‏ألغى الهوية الدينية للدولة العثمانية ظناً منه أن ذلك سيعزز الاقتصاد ‏وسيجلب رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد، فكانت النتيجة أن تجمع ‏اليهود في فلسطين وشكلوا النواة الأولى للكيان الصهيوني الحالي وما تبعه ‏من كوارث دموية على العرب والمسلمين‎.
تظهر هذه الحقيقة بوضوح أيضاً في السياسات الاقتصادية التي تتبعها ‏الدول الغربية. على سبيل المثال: نجحت الولايات المتحدة في تعزيز ‏سيطرتها على العالم من خلال الاستخدام الاستغلالي لمفاهيم مثل «الحرية» ‏و»الديمقراطية». ففي العام 2003، قادت الولايات المتحدة غزو العراق ‏تحت ذريعة إزالة نظام صدام حسين وجلب الديمقراطية، بينما كانت ‏الحقيقة أن الهدف كان السيطرة على الموارد النفطية. ونتيجة لذلك، شهد ‏العراق دماراً شاملاً وأزمات إنسانية عميقة، حيث تدهور الوضع الأمني ‏والاقتصادي بشكل كبير‎.
وفي مثال آخر، تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان بعد أحداث 11 ‏سبتمبر 2001، مدعيةً أن الهدف هو القضاء على الإرهاب وبناء دولة ‏ديمقراطية. ومع ذلك، بعد عقدين من الزمن، لا يزال الوضع في أفغانستان ‏غير مستقر، حيث يستمر الصراع والعنف، ما يشير إلى أن التدخل لم يؤد ‏إلى الرفاهية المزعومة، بل أسفر عنه المزيد من الفوضى والمعاناة‎.
علاوة على ذلك، فإن الدول العربية الأخرى، مثل ليبيا وسورية، شهدت ‏تدخلات عسكرية بحجة دعم الشعوب في سعيها نحو الحرية. ولكن، كما ‏هو الحال في العراق وأفغانستان، أدت هذه التدخلات إلى انهيار الهياكل ‏الاجتماعية والاقتصادية، تاركةً وراءها أزمات إنسانية متفاقمة‎.
تظهر هذه الشواهد كيف أن الرأسمالية، كدين، تستخدم الوهم بالرفاهية ‏كوسيلة للسيطرة، حيث يتم استغلال الشعوب لتحقيق مصالح سياسية ‏واقتصادية. إن هذا الاستخدام الاستغلالي للقيم الإنسانية يبرز التناقضات ‏العميقة في النظام الرأسمالي، حيث يُنظر إلى الفقر والمعاناة كأثمان يجب ‏دفعها في سبيل تحقيق الأهداف الاقتصادية‎.
في الختام، تُظهر الرأسمالية الغربية أنها ليست مجرد نظام اقتصادي، بل ‏هي دين يتخذ من المال إلهاً، مما يجعل من الأفراد عبيداً له مقابل الوهم ‏بالرفاهية والاستقرار. إن التدخلات العسكرية والسياسات الاقتصادية التي ‏تُستخدم كذريعة لجلب الديمقراطية والرفاهية غالباً ما تُخفي واقعاً مدمّراً ‏ينعكس في الأزمات الإنسانية والاجتماعية في الدول المستهدفة. لذا، فإن ‏فهم هذه الأساسيات يساعدنا على رؤية الرأسمالية في إطار أوسع، ويعزز ‏من الحاجة إلى مناقشة نقدية حول مستقبل هذا النظام وتأثيراته على ‏المجتمعات‎.‎

أترك تعليقاً

التعليقات