محمد الجوهري

محمد الجوهري / لا ميديا -
لا يكاد يمرّ يومٌ دون أن تتقدّم القوات الصهيونية داخل الأراضي السورية جنوب دمشق، ولاسيّما في ريفها وفي محافظتي القنيطرة ودرعا ومحيطهما، وسط صمتٍ مطبقٍ من القيادة السورية الجديدة ومن المجموعات المسلّحة الموالية لها، من تكفيريين سوريين وعرب وأجانب وغيرهم؛ وكأنّ هذه الجماعات لم ترفع السلاح من قبل، أو كأنّ تلك المناطق وسكّانها عُزَّلٌ منه منذ الأزل.
ولو تتبّعنا أسماء المناطق التي باتت تحت الاحتلال «الإسرائيلي» لوجدنا أنّ لكلٍّ منها تاريخاً طويلاً من العنف والاقتتال، سواء بين السوريين أنفسهم أو بين الجماعات التكفيرية المتناحرة فيما بينها. ولا تزال شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية ومنصّات الفيديو، كـ«يوتيوب»، تزخر بمشاهد تلك الحروب الطاحنة، التي كانت تُدار في هذه البقاع نفسها.
كان واضحاً أن العصابات المسلحة في سورية تستأسد في الاقتتال الداخلي؛ حتى إذا ما سقط النظام، تلاشت تلك العصابات في القنيطرة ودرعا وريف دمشق، تاركةً الطريق مفتوحاً أمام العدو «الإسرائيلي»، من غير مقاومةٍ تُذكر، ولا حتى احتجاجٍ بالصوت.
في ريف القنيطرة مثلاً، تتحدث المواقع الإخبارية عن مواجهاتٍ عنيفةٍ دارت بين الجيش السوري والجماعات التكفيرية، ولاسيّما بين عامي 2012 و2014، حين شهدت المنطقة ما عُرف بهجوم «الوعد الصادق» كما سمّاه المتمرّدون آنذاك، وتمكّنوا خلاله من السيطرة على نحو 80% من مساحة المحافظة، موقِعين خسائر كبيرة في صفوف الجيش السوري، بل وحتى في القوات الأممية المرابطة على الحدود مع فلسطين المحتلّة.
وقد تردّدت في حينها أسماء قرى ومناطق مثل الرواضي والحميدية وبلدتي البعث وخان أرنبة، وهي المناطق ذاتها التي تتعرض اليوم لانتهاكاتٍ صهيونيةٍ متكرّرة، في ظلّ غيابٍ تامٍّ لعناصر جماعة الجولاني التكفيرية.
وفي ريف درعا الغربي، لاسيّما في بلدات طفس ونوى وجاسم، سالت أنهارٌ من الدماء بين فصائل المعارضة المسلحة نفسها، ثم بينها وبين الجيش السوري، وشهدت تلك المناطق صراعات نفوذٍ وفصائلية امتدت لسنواتٍ بين العامين 2012 و2018. ومع سقوط النظام، باتت هذه البلدات تحت مرمى العدوان «الإسرائيلي» الذي يستهدفها من حينٍ لآخر، وسط غيابٍ تامٍّ لأيّ ردٍّ من المجموعات التكفيرية.
كما أن منطقة ريف دمشق شهدت مواجهات ومذابح مرعبة، إذ أعدمت عناصر النصرة وداعش المئات من أفراد الجيش السوري ومن المدنيين الموالين للدولة. وقد وثقت وكالة «أعماق»، التابعة لتنظيم داعش، مشاهد الإعدام ونشرتها على مواقع التواصل والوسائل الإعلامية الممولة من الخليج.
واليوم، باتت أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا جميعها خاليةً من أي وجودٍ عسكري لعناصر جماعة الجولاني، ولو قرّر الكيان الصهيوني أن يُسقط دمشق الليلة، لما اعترضه مسلّحٌ واحد.
فالمنطقة بأكملها أصبحت خاليةً من السلاح، بعدما فرضت القيادة السورية الجديدة على الأهالي تسليم ما بحوزتهم من بنادق ومسدّسات، في مشهدٍ يُذكّر بما فعلته الحكومتان المصرية والأردنية قبل نكسة العام 1967، حين أُجبر سكان غزّة والضفّة الغربية على تسليم أسلحتهم قبيل سقوطها بيد الاحتلال في حرب الأيام الستة.

أترك تعليقاً

التعليقات