حلفاء الصهاينة وجزاء سنمار
- محمد الجوهري الأثنين , 10 فـبـرايـر , 2025 الساعة 12:06:54 AM
- 0 تعليقات
محمد الجوهري / لا ميديا -
رغم تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" في السنوات الأخيرة، فإن تاريخ العلاقات يثبت أن "إسرائيل" تتعامل مع هذه الدول كأدوات تخدم مصالحها فقط. فحينما رفضت بعض الدول استقبال المهجرين الفلسطينيين، بدأ نتنياهو وترامب في ممارسة الضغوط العلنية على هذه الدول، في إشارة إلى أن التعاون مع "إسرائيل" لا يعني بالضرورة ضمان الولاء المتبادل، بل قد يتحول إلى ابتزاز سياسي.
كنا نتوقع من الكيان الصهيوني أن يكون ممتناً لشركائه العرب في عدوانه الإجرامي على قطاع غزة، وكان المفترض أن يظهر ناطق الاحتلال وهو يشكر السعودية ومصر والأردن وغيرها من الأنظمة العميلة؛ لكن ما حدث كان مخالفاً لكل التوقعات، وها هو نتنياهو وشريكه ترامب يتندران على عملائهما ويتوعدونهما بسوء العذاب في حال رفضوا تهجير سكان غزة ورفضوا استقبالهم.
وهذا هو البدهي بالنسبة لليهود، فنتنياهو وترامب وغيرهما من قادة الاحتلال لا يرون في الأنظمة التي تهادنهم سوى أدوات مؤقتة، وما إن تبرز عقبة أمام مخططاتهم، يبدأ التهديد والابتزاز، سواء بالتصريحات العلنية أو بالضغوط الخفية. ولعل التهديد بتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار وفرض ضغوط على الحكومات العربية لقبولهم هو جزء من هذه السياسة الابتزازية.
لكن السؤال الأهم: متى يدرك أولئك "الحلفاء" أن الرهان على الاحتلال خاسر، وأن من يبيع وطنه وأمته بثمن بخس، لن يحظى إلا بالخيانة والمهانة؟! منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948، اعتمد على شبكة واسعة من الحلفاء والعملاء لتحقيق أهدافه التوسعية، سواء من الدول أو الجماعات أو حتى الأفراد. إلا أن العلاقة بين "إسرائيل" وأدواتها لم تكن يوماً قائمة على الشراكة المتكافئة، بل لطالما استخدمت هؤلاء كأدوات مؤقتة لتحقيق غاياتها، ثم ألقت بهم عند انتهاء الحاجة إليهم. وكما كان جزاء المهندس سنمار الذي ألقى به الملك في قاع القصر بعد أن أتم بناءه، فإن من يخدم الاحتلال لا يلقى سوى الإهانة والنكران.
أحد أبرز الأمثلة على هذا النكران هو مصير سعد حداد، قائد مليشيا "جيش لبنان الجنوبي"، الذي لعب حدّاد دوراً محورياً في خدمة الاحتلال، حتى أنه أعلن "دولة لبنان الحر" ككيان تابع لـ"إسرائيل". لكن بعد أن انسحابها من لبنان عام 2000، تركته مع عناصره لمصيرهم، حيث تم اعتقال بعضهم ومحاكمة آخرين، بينما عاش الباقون في المنفى بـ"إسرائيل" كلاجئين منبوذين، وكذلك أنطوان لحد، الذي خلفه، واصل تعاونه مع "إسرائيل"، إلا أن مصيره كان مشابهاً لسلفه.
مثال آخر هو شاه إيران، محمد رضا بهلوي، الذي كان أحد أهم الحلفاء الإقليميين لـ"إسرائيل" في "الشرق الأوسط" خلال النصف الثاني من القرن العشرين. قدمت إيران في عهده دعماً اقتصادياً وعسكرياً كبيراً لـ"إسرائيل"، بما في ذلك إمدادها بالنفط. ومع ذلك، بعد الثورة الإسلامية عام 1979، لم تحاول "إسرائيل" إنقاذ الشاه عندما فرّ من بلاده، ولم تقدم له ملاذاً آمناً، بل تجاهلته تماماً بعد أن فقد قيمته الاستراتيجية.
"إسرائيل" لا تؤمن إلا بالمصلحة، وأي تحالف لا يخدم أهدافها بشكل مباشر يصبح عبئاً يجب التخلص منه. ما إن يحقق العميل أو الدولة المطلوب منه، يصبح عبئاً غير ضروري. "إسرائيل" تتكيف مع المتغيرات الدولية، وقد تضحي بحلفائها السابقين لكسب حلفاء جدد. الحفاظ على العملاء يكلف موارد، و"إسرائيل" تفضل التخلص منهم بدل الاستمرار في دعمهم، وفي بعض الحالات، التنصل من المسؤولية عن حلفائها إذا كانوا متورطين في جرائم حرب أو انتهاكات صارخة.
التاريخ مليء بالأمثلة التي تثبت أن الرهان على "إسرائيل" خاسر. رغم ذلك، لا تزال بعض الأنظمة والمجموعات تعقد اتفاقات معها، ظناً أنها ستضمن لها الحماية والدعم. لكن كل من سلك هذا الطريق، وجد نفسه في النهاية وحيداً يواجه مصيره المحتوم دون أن تلتفت إليه "إسرائيل"، ومن يعتقد أنه سيكون شريكاً دائماً لها، عليه أن يراجع دروس التاريخ، لأن الخيانة هي القاعدة، والوفاء هو الاستثناء الذي لم يحدث حتى الآن.
المصدر محمد الجوهري
زيارة جميع مقالات: محمد الجوهري