المواجهة الاستراتيجية الشاملة والثغرات الداخلية القاتلة 2-2
اختراق حيس بين العسكري والاجتماعي الاستراتيجي

علي نعمان المقطري / لا ميديا
إن جيشنا اليوم بمستوى مليوني، ويتسع باستمرار، فكيف نسيطر عليه بدون قائد عام يكون متفرغاً لهذه المهمة دون أن يتحجج بالسياسة والعلاقات العامة وحضور المناسبات وحفلات وبروتوكولات الشؤون العامة الضرورية الآن؟
النموذج للقائد العام المسؤول هو السيد قائد الثورة.. والقائد المطلوب تتضح أهميته باستقراء دوره وموقعه، مثلاً الشيخ عماد مغنية بالنسبة لسماحة السيد حسن نصر الله، والعماد طلاس بالنسبة للرئيس الأسد، والفريق محمد فوزي والفريق رياض بالنسبة لعبد الناصر، والفريق جيكوف بالنسبة لستالين، والفريق تشونده بالنسبة لماو تسي تونغ، والفريق جياب بالنسبة لهوشي منه...
هؤلاء قادة محترفون وثوريون اختصاصون وطنيون.
كما نحتاج إلى رئيس حكومة عسكري حربي قبل كل شيء، حكومة يشغل أغلب مواقعها عسكريون قياديون ثوريون، ليظهر مركز ثقل الحكم في وقت الحرب والأمور العسكرية، كما أن المعركة الاقتصادية والإدارية الجارية مثلاً، هي معركة أمنية واستخباراتية وعسكرية في جوهرها ومضمونها. وما يتطلبه ذلك، هو رجال بهذه الروح والمعنويات والصرامة والقوة والثقة والنباهة، وليس التوهان والغرق في مناقشات لا أول ولا آخر لها وخارج كل الأولويات.
وهنا سيكون بمقدور رئيس الحكومة الحربي الإمساك بكل الموارد المتوفرة لإدارة المعركة الوطنية بحق، وللأولويات الملحة، وليس إهدارها في الكماليات التي لا علاقة لها بالحرب، وحتى السلم، وهذا ترف فظيع، ومدخل لرفع الأسعار والمضاربات وخنق الجبهات.

من الدفاع إلى النصر
إن الحرب العدوانية الآن بعد 3 سنوات، تمر بمنعطف خطير ونهائي، وتنتظر الانتقال من التراكم الكمي الذي حدث في الفترة الماضية، إلى التحولات النوعية الوطنية.
فموازين القوة الاستراتيجية العامة أضحت في صالحنا الآن وما بعد الآن. ويفترض أننا نتقدم للأمام، بينما يتراجع العدو للخلف، أليس كذلك؟ ولكن الواقع أن العدو يستغل غفلتنا وتقصيراتنا، ويحاول إعادة الدورة العبثية مجدداً، والهجوم في محاور هامة لاستعادة ما حققته تضحيات أبنائنا في السنوات الثلاث السابقة، أليس هذا مثاراً لقلق وتساؤل عمن المسؤول؟!
لم يعد عفاش موجوداً، ولا قابلاً لتحمل الأوزار كلها، فنحن مسؤولون كل بدوره وقسطه. وإذن، يجب المصارحة والمكاشفة والنقد، وإعادة التفكير الجماعي الخلاق وبصوت يسمعه الجميع.
إن المدخل الضروري هو أن كل ما حذر منه وطالب به قائد الوطن والثورة، يجب وضعه فوراً موضع التنفيذ بدون أي تردد أو اجتهاد أو (عبقريات) إضافية، فالبيروقراطية والروتين والثقالة العقلية والفكرية والروحية والبرود واللامبالاة والتقاعس...، تقتلنا بقسوة.

مواجهة الثغرة ومن أين تبدأ؟
مواجهة ثغرة العدوان على الساحل الغربي -وأية ثغرة أخرى- لا تكون إلا بصفة شمولية متعددة الجوانب والأوجه والأساليب والميادين. فالحرب لا تجري على النطاق العسكري الاشتباكي الدموي وحده، فهي -أي الحرب الحديثة- لم تعد اقتتالاً فقط، وإنما مترابطة الأشكال، إذ صارت أكثر فأكثر، حروباً سياسية اجتماعية وثقافية عقيدية وفكرية ونفسية وعقلية، ويزيد طابعها الشمولي كلما تقدمت الأمم والحروب الوطنية التحررية.
وعندما نعاني الخيانة وإنكار الناتج عنها وأسبابها، معاً، فنحن لا نعاني قصوراً في بنادق أبنائنا ومجاهدينا المغدورين، وإنما نعاني من ضمور في القيادة العقلية الفكرية الاستراتيجية والإدارية للحرب الوطنية على المستوى السوقي والتكتيكي والفكري.
وأول خلل نشير إليه هو خلل قيادي عام في المستوى الأعلى المركزي والجبهوي المحلي -كل بمقدار معين– لكنه خلل أكثر مركزية، ويتجلى في: عدم القدرة والرغبة في التعلم من المعاناة السابقة والتجارب والخيانات السابقة، ولذلك كان رئيس تحرير (لا) صلاح الدكاك، موفقاً بعنونة التقرير عن اختراق حيس الأخير (حيس – من جحر مرتين)، فهذا الاختراق هو الثاني في أقل من شهر على المجاور له في الخوخة، فكيف حدث ذلك إذن؟ علماً أن دخول يختل والمخا وما قبلها من اختراقات في الساحل الغربي وصولاً إلى عدن، كانت اختراقات أتاحتها الخيانات الداخلية والاختلالات الذاتية.
ولا تفسير هنا، مقنع لما حدث، غير أن هناك تسيباً قيادياً لم يهتم بواجباته، ولم يتعلم الدرس السابق، بل الدروس السابقة. وما راكم هذا الوضع، أنه لم يكن هناك مساءلة وحساب وكشف للحقائق.
إن أسوأ ما خلقته التسوية والوفاق هي حالة المداهنة والمراوغة والتوفيقية الحاصلة، حتى في أخطر القضايا التي تمس صمودنا وكفاحنا بشكل مباشر, ويفترض أن هذا الوضع انتهى بسقوط فتنة عفاش!
إن شعبنا معتاد على تحمل التضحيات والمعاناة، وسيواصل المجالدة لأعدائه بلا كلل, لكنه لن يصبر على التسيب والإهمال والأخطاء الكبيرة التي ترقى إلى مستوى الجريمة الحربية.
وليس مطلوباً إعدام الناس لأنهم أخطأوا أو هزموا، لكن المطلوب عدم تمييع المواقف والقضايا عندما تكون خلفها ممارسة خيانية واضحة.
وكم كلفتنا من تضحيات وعثرات تلك الخيانات التي تجاهلناها لأننا حريصون على استمرار التحالف مع العفاشية الخيانية رغم معرفتنا اليقينية بخياناته؟! وقد حذر قائد الثورة مرات كثيرة وبتكرار من وشوك وقوع كارثة يجب استباقها قبل وقوعها.
والخلل واضح في المستويات التنفيذية والوسطى في ما يخص حيس والساحل، ويجب محاسبتها.
في أروقة السياسة، يمكن أن يتم التسامح والتواصل والتوافق والصفقات الممكنة، وغض النظر عن التجاوزات والأخطاء الخاصة بكل قوة أو طرف.. لكن هذه العقلية لا تصلح بتاتاً في المجال الحربي، فهذه بديهيات يفترض أننا نعيها جيداً، والخلل في ذلك هو تداخل الإدارة السياسية بالحربية، وتبعية الثانية للأولى، ويفترض أن يفصل الحربي، ويجمع الشقان تحت قيادة عامة على رأسها قائد الثورة، تدير المعركة ككل.

حربنا الثورية الاجتماعية.. جانب آخر للاختراق
حربنا، هي حرب الرصاص والقيم والكرامة الوطنية والعزة الشعبية والزوامل الحربية الباليستية والشرف والتكافل والأخوة والنموذج الأفضل الذي نطمح تقديمه للأمة.
وتحتاج حربنا إلى من يوقظ هممها وقضاياها، ويوقد نارها وأجيجها في النفوس والقلوب، بشكل متواصل ومستمر في نفوس الشعب المستضعف.. إن نجاح العدو في اختراق الجبهة الداخلية واستخدام قوى المصالح الارتزاقية المحلية، تشير بوضوح إلى تراجعنا وتخاذلنا، بدرجة رئيسية على هذه الجبهة الأساسية، والتي مكنت العدو المحلي من إقناع الناس للاستسلام لأموال العدوان وأوهامه!
لأننا تركنا له استعباد الناس رعية خاصة به، بدلاً من تحريرهم من العبودية لواقع طبقات استبداد الماضي. ففي الحديدة لا يزال العبيد المملوكون للأرستقراطية، وفي حجة أيضاً! فلماذا لم تصل هؤلاء الثورة؟ فهؤلاء يعيشون العبودية والخضوع، وإن لم ننهض بهم سيبقون كذلك، وسيظلون فريسة الاستقطابات المعادية، فهم لا يعرفون عدا قضية واحدة، هي كسر قيود العبوية.
إن ثغرة الخوخة – حيس، هي ثغرة سياسية استراتيجية قبل أن تكون عسكرية. فالاختراق العدواني ذو طبيعة شمولية، شارك فيه العسكري بالسياسي بالاجتماعي والعقيدي والثقافي، فكما ذكرنا هي حرب شاملة لا تقتصر على مجال واحد من مجالات الصراع، ومن هنا فإنها ظاهرة معقدة متشابكة الفروع تتطلب المواجهة بعقلية واستراتيجية شمولية متعددة الاتجاهات، تدير المواجهة بكل أنحائها ومجالاتها في وقت واحد، لاسيما عبر استثمار القدرات والطاقات الوطنية العاطلة في مختلف الجوانب، في مواجهة التفوقات العدوانية الفنية المادية والجوية والبحرية والدولية، ويجب تعبئة جميع الموارد البشرية الثورية الوطنية العاطلة أو المهملة أو المجهولة الآن على خط المواجهة الاستراتيجية، وهي الموارد المتفوقة في موازين حسابات القوى.

كيف نخترق استراتيجية العدوان ونحطم مفاصلها؟
يتم ذلك من خلال المعرفة العميقة بها والتخطيط الدقيق لمواجهتها، عبر تخطيط واسع الرؤية وبعيد المدى.

الاتجاهات الرئيسية الملحة الآن على مسارات المواجهة
 في الساحل الغربي وبقية الجبهات:
المجال السياسي الاستراتيجي والاجتماعي:
وعلى هذا المجال يتقرر مصير العدوان والاختراق، وبقاؤه مرتبط بمدى علاقاتنا وتأثيرنا على هذا المجال المجتمعي الشمولي الحاسم، الحاضن الأول لكل التحركات الجارية. فالعدو يقف عاجزاً مشلولاً مهما بلغ حجم قواته ونوعيته، إذا لم يخلق تفاهمات مجتمعية سابقة تولد مجالات لمصالح مشتركة بينه وبين النخب العليا والوسطى للمجتمع المحلي، التي تشكلت في علاقات المجتمع السياسية والتاريخية والثقافية قبل مرحلة الحرب المباشرة. فالعدو يستهدف دوماً السيطرة على المجتمع المحلي بالسياسة والتضليل والإغراء والترهيب أكثر مما يستخدم السلاح المباشر.
وهو يتحرك الآن على بساط الصالحية الوكيلية النخبوية المحلية التي بناها واستثمر فيها خلال السنوات السابقة من التبعية والاحتواء والهيمنة السياسية الثقافية والعقيدية الفاسدة –لكنها المؤثرة- والتصدي لهذا يتطلب أسلحة أكثر قدرة وتأثيراً من العدو.
لثلاثة قرون متوالية من الحرب الوطنية التحررية ضد الغزو والاحتلال والهيمنة؛ راهن اليمنيون على العامل المحصن للمقاومة اليمنية، وهو السياسي العقيدي الاجتماعي التكافلي، الذي عجز العدو عن اختراقه، رغم محاولاته استغلال الفوارق المذهبية والدينية والقبلية لإثارة الفتنه والنزاع لصالح بقائه واستمراره.
وتأتي البندقية كنتيجة لهذا العامل الاجتماعي السياسي الحامل للقضية، وليس بمعزل عنها.
وللأسف نعاني الآن نقصاً في استيعاب أهمية هذا العامل الاستراتيجي الأساسي، الذي يجب إعادة الاعتبار إليه أولاً.
وهذه ليست قضية المجاهدين البسطاء الميدانيين، بل قضية ومهام القيادات العامة للحرب والمواجهة الشاملة على مستوى وزارة الدفاع والمناطق والقيادة العامة، وهي الجهات المسؤولة عن هذه الاختراقات الاستراتيجية العليا التي لا تتصل بتقصيرات فنية ميدانية فقط، بل هي مرهونة بقرار ومخططات القيادة العليا للحرب والمعارك والمناطق.

الحرب التهامية الوطنية
إن جوهر حرب أبناء تهامة ضد العدوان هي حرب الكادحين ضد الأرستقراطية والاستبداد والفساد والعنصرية والعنجهية الفارغة لصالح ومحسن وأنظمتهم وقادتهم ونافذيهم المحليين والوكلاء.
في قلب هذا المستوى النفسي والروحي والعقلي -للتهاميين– ومعاناتهم التاريخية الاجتماعية، يتم تعبئة الناس للقضية الوطنية والدفاع عنها، وليس في ظل المصالحة مع الماضي العفن والعبء البشع الذي يفرض على الثورة تحمله ليسهل خياناتها في منعطفات قادمة، ويسهل تصفيتها واحتواؤها.

الأرض العامة للأمة بأيدي من الآن؟!
كيف سيدافع الإنسان عما ليس يملكه، وكيف سيحمي أرضاً ليست له؟ وتلك حياة القنانة والعمل بالسخرة في تهامة، فهناك مشائخ وملاك كبار للأرض، وأبناء تهامة يعملون فيها بطعام يومهم، بعد أن كانت في يوم من الأيام ملكاً لهم، جردوا منها في ظل سلطات البطش والتبعية.
وإزالة الإقطاعية والقنانة والعبودية في تهامة، هي وحدها الضامن للدفاع عن الوطن والاستقلال وتمكين التهامي من الدفاع عن أرضه الجديدة التي يمنحها الشعب إليه. فحياة العبودية والقهر هناك جردت الإنسان من الشعور بالوجود الوطني والانتماء، وأفرغته تاريخياً من الشعور بالارتباط بمحيطه وقضاياه، باعتبار افتراض أنهم سيتحركون وفقاً للانتماء والهوية والعقيدة.
وأحمق بشدة هذا الذي يتخيل أن التهامي سيدافع عن حكمك له في صنعاء أو تعز أو أي مكان، بينما هو عريان جائع مقهور.. الشعب لا يقاتل من أجل شعارات بدون مضمون على الأرض.
يجب تحقيق إصلاح اجتماعي زراعي عاجل في تهامة، بإعلان كل خائن من الملاك، ومصادرة ممتلكاته –المغتصبة بالأصل- وتمكين الشعب منها وتمليكه إياها وإدارتها والاستفادة منها، والخيانة تجرد أي إنسان من حقوقه السابقة، وبهذه التشريعات الثورية الحازمة أمكن الدفاع عن الثورات السابقة من قبل الفقراء والمستضعفين، أصحاب المصلحة الحقيقية والمباشرة في الانتصار والمقاومة، وليس المتخمون والنخب.
ومن الواضح جلياً، أن الخيارات الاجتماعية السياسية الثورية لا يمكن تجنبها أبداً في كل الثورات والحروب الوطنية التحررية، ولم يكن لها أن تنتصر دون هذه الإجراءات الحاسمة، وذلك ما حدث في الثورات الصينية والروسية والفيتنامية والفرنسية وغيرها، وهو ما يجب أن يحدث لدينا، وفعلياً الفقراء هم من يقاتلون ويضحون، وليس النخب وأهل الترف والجاه والمواقع والمناصب والأملاك.