تركت واشنطن مجالاً في الشرق الأوسط سمحت به لحلفائها أن يفعلوا ما يشاؤون بغض النظر عن عدد الجثث المرتفع
أمريكا ليست متفرجاً بريئاً على ما يجري في اليمن

ترجمة خاصة لـ(لا ميديا): محمد إبراهيم زبيبة

ستيفن كوك
صحيفة: فورين بوليسي        
ترجمة خاصة لـ(لا ميديا): محمد إبراهيم زبيبة
كانت اليمن, حتى تفجير المدمرة الأمريكية كول، في أكتوبر 2000، بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة, كانت تعتبر مجرد مكان لمضغ القات واختطافات السياح الزائفة، وذكريات دافئة عن فصل دراسي صيفي يدرس اللغة العربية في صنعاء أو عدن. هذا النوع من القصص الطريفة والمبهجة التي يروّج لها المسؤولون الأمريكيون والطلاب في كثير من الأحيان، حول وقتهم، يريدون به طمس السياسة التي لا يمكن اختراقها، والمعقدة والخطرة في البلاد. وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يشبه حكم البلاد بالرقص على رؤوس الثعابين (كان يعرف بأنه الثعبان الرئيسي). اغتيل صالح في ديسمبر 2017، بعد أن قام بتجاوز حلفائه، الذين كانوا أعداء له في السابق.
على الرغم من حقيقة أن صالح كان شخصية تافهة تماماً، اعتبرته إدارات جورج دبليو بوش وأوباما شريكاً مهماً في ما وصفوه (بالحرب العالمية على الإرهاب). ولكن حتى مع معايير سوء حكم صالح، يعتبر الوضع في اليمن اليوم مروعاً. ووفقاً للمنظمات الدولية، فإن الحرب التي عصفت بالبلاد منذ عام 2014 قتلت وجرحت حوالي 15000 شخص، ونزح حوالي 3 ملايين شخص داخليًا، وأصبح أكثر من 190.000 يمني لاجئين في دول مجاورة مثل جيبوتي والصومال (بحسب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين). ويوجد حالياً 8.4 مليون يمني معرضون لخطر المجاعة. وكما هو الحال في العديد من الصراعات، فإن الأكثر تضرراً هم الأطفال، ويقدر أن 130 منهم يموتون يومياً بسبب سوء التغذية والأمراض، وخاصة الكوليرا.
تجد الولايات المتحدة نفسها في خضم هذه المأساة، لكنها ليست بالمتفرج البريء. فلطالما كانت اليمن هدفاً لضربات الطائرات بدون طيار على مدى الـ16 عاماً الماضية. لقد قتلت تلك العمليات عددًا معقولًا من الإرهابيين، ولكن هناك في نفس الوقت الكثير من الأخطاء التي أدت إلى إبادة العائلات، وشوهت الناس في حفلات الزفاف، وفجرت الناس في سيارات النقل الذين صادف وجودهم في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ.
لقد أعرب المسؤولون الأمريكيون بشكل عام عن أسفهم، وانتقلوا إلى الهدف التالي. ومع ذلك، فمنذ مارس 2015، عندما دخلت المملكة العربية السعودية الصراع، أصبحت واشنطن طرفاً في مرحلة جديدة من الحرب التي أدت إلى انهيار البلاد. وقد أصبح دور الولايات المتحدة في دعم السعوديين وشركائهم الإماراتيين, بالنظر إلى حجم المعاناة الإنسانية في اليمن، موضع جدل عميق.
تم إسقاط تشريع الحزبين الخاص بوقف مبيعات الأسلحة للسعوديين، في يونيو 2017، ومرة أخرى في ربيع عام 2018، وقام وزير الخارجية الأمريكي في الآونة الأخيرة بتجاوز موظفيه، ووقع تنازلاً مثيراً للأمن القومي، يشهد به على جهود المملكة العربية السعودية لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين. ولا يزال اليمنيون, في هذه الأثناء، يموتون بسبب القتال والجوع والمرض. فكيف وصلنا إلى هنا؟
ابتداءً من عام 2004، سعت الحكومة اليمنية (إلى جانب السعوديين) إلى تدمير ميليشيا زيدية (طائفة داخل الفرع الشيعي للإسلام) في الجزء الشمالي من البلاد، والتي تجمعت حول الزعيم الكاريزمي السياسي والديني في وقت ما, الزعيم حسين الحوثي، والذي أكدت رسالته على تمكين الزيدية وتدمير الحكومات الفاسدة والاستبدادية.
ترجمة خاصة لـ(لا ميديا): محمد إبراهيم زبيبة
كان الحوثي أيضاً ممن قال إن هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن في 2001، كانت مؤامرة أمريكية وصهيونية لتبرير غزو أراضي المسلمين. وقام بأخذ العقيدة الثورية الإيرانية، وقام بتوسيعها، مما جعلها صرخة المليشيا التابعة له: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام). لقد قتل الحوثي على يد القوات اليمنية عام 2004. ولكن جيشه الذي أخذ اسمه عاش.
سقط نظام صالح في نهاية المطاف نتيجة الاحتجاجات الشعبية المطولة التي امتدت من ربيع عام 2011 إلى أن سلم السلطة لنائبه، عبد ربه منصور هادي، الذي تولى منصبه في انتخابات لا يوجد منافسون فيها، 2012. لم يدم حكم هادي طويلاً.
بعد مرور أكثر من عامين، تدفق الحوثيون إلى صنعاء، وسيطروا على الشوارع لفترة من الزمن، لكنهم سمحوا للحكومة بالعمل. وبعد حوالي 5 أشهر، أجبروا هادي والحكومة على الفرار، وبدأوا في اكتساب أراضٍ إضافية. قام السعوديون بعدها بالتدخل في هذه الحرب الأهلية. نظرياً، حجتهم للتدخل قوية. فهادي قاد حكومة معترفاً بها دولياً. أما الزيديون، الذين كان قد تقاتل معهم السعوديون مراراً ولفترة طويلة (على الرغم من دعم الرياض لهم خلال الحرب الأهلية في اليمن من عام 1962 إلى عام 1967)، فقد تعهدوا بالإطاحة ببيت آل سعود، وبدأوا يتلقون المساعدة من حزب الله.
خشي السعوديون من (حزب الله) اليمني، ومن حبكة إيرانية لزعزعة استقرار شبه الجزيرة العربية. ازدادت شهية الرياض للحرب بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء، وأقاموا صلات مع طهران، ازدادت شهيتها أكثر مما تستطيع تحمله، مما عجل بتدمير اليمن. لكن من ناحية، أصبحت أسوأ مخاوف السعوديين حقيقة. فهم الآن عالقون، لا يمكنهم الانتصار أو الانسحاب. ورداً على حملتهم الجوية الوحشية، يقوم الحوثيون - بمساعدة حزب الله وإيران- بإطلاق الصواريخ بانتظام على المدن السعودية.
ليست الحرب بين الحوثيين والسعوديين المعركة الوحيدة في اليمن. إن الإماراتيين - الذين استفادوا من القتال إلى جانب الولايات المتحدة في أفغانستان وفي عمليات مكافحة الإرهاب الأخرى - يمتلكون جيشًا أكثر فعالية من السعوديين، لكنهم لا يستطيعون إدخال العديد من الطائرات والمروحيات والجنود والضباط كما تفعل السعودية. يشاطر الإماراتيون خوف المملكة العربية السعودية من التدخل الإيراني، وقد عملوا مع ما يشار إليهم في التقارير الإعلامية باسم (قوات الحكومة اليمنية)، من أجل هزيمة الحوثيين، لكنهم ركزوا أيضًا على محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP). وفي واحدة من تلك التحريفات الصادمة التي تميل إلى الظهور في ساحات معارك معقدة يتصارع فيها لاعبون لديهم مجموعة متنوعة من الأهداف السياسية، فإن الإماراتيين والأمريكيين والحوثيين يتشاركون تنظيم القاعدة كعدو لهم، ولكن ولأن هناك علاقة بين الحوثيين وحزب الله، فإن تزوير تحالف ضد القاعدة في اليمن يبدو شيئاً لا نقاش فيه.
من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لأي من الأطراف الفاعلة في هذا الكابوس المرعب أن يحقق أهدافه، لكن الميزة الحالية تكمن لدى محور الحوثي-حزب الله-إيران. يتبنى الحوثيون مزيجاً غريباً من تمكين وتطلعات زيدية تذكرنا بالقاعدة، أو الدولة الإسلامية، أو الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
وغني عن القول إن الإطاحة بالحكومة السعودية وإقامة دولة على أساس القرآن هو أبعد مما يمكن للحوثيين تحقيقه، رغم أنهم يستطيعون إجبار السعوديين على إنفاق المزيد من المال على صراع يقدر أنه قد كلفهم ما بين 100 و200 مليار دولار حتى الآن، كذلك ودب الرعب في قلوب السعوديين نتيجة الهجمات الصاروخية التي قد تثير معارضة للملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وتسهم أكثر في كارثة العلاقات العامة العالمية التي شهدتها الرياض من خلال إطالة أمد النزاع.
كل هذا يرقى الى فوز الحوثيين وأصدقائهم، حزب الله وإيران. يريد السعوديون (والإماراتيون) دفع الإيرانيين من شبه الجزيرة العربية، وإعادة تأسيس الحكومة المعترف بها دولياً في صنعاء. إلا أن اليمن محطمة. فلا توجد حكومة مركزية إلا بالاسم، وبالرغم من أن هادي معترف به دوليًا، إلا أنه لا يتمتع بشعبية لدى اليمنيين.
لا يريد الإماراتيون للسعوديين أن يخسروا، ويريدون أيضاً توجيه ضربة إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مما يعني التزامًا مفتوحًا لليمن. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهي تريد تدمير القاعدة، ولكن في الغالب تريد أن تنتهي الحرب، لأنه كلما طال أمدها، ازداد الأمر سوءاً بالنسبة للمملكة العربية السعودية. فعلى الرغم من أن مصنعي الأسلحة الأمريكيين يستفيدون من الصراع، إلا أن عدم الاستقرار في شبه الجزيرة العربية النابع من خسارة سعودية في اليمن، سيكون انتكاسة استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة، خاصة وأن إدارة ترامب تشير إلى وجود خط أكثر صرامة على إيران. إن قرار وزير الخارجية مايك بومبيو مؤخراً بالسماح للولايات المتحدة بمواصلة بيع الأسلحة وتقديم الدعم اللوجيستي للرياض، من المرجح أن يقوم على حساب أن زيادة الضغط العسكري على الحوثيين سوف يهزمهم أو يجبرهم على الاستسلام. المشكلة هي أن الحوثيين سيفوزون ببساطة بقتال السعوديين حتى النهاية.
يقدم التاريخ الحديث لليمن تصحيحًا آخر حول عواقب سلطة الشعب التي أطاحت بالزعماء في جميع أنحاء المنطقة عامي 2011 و2012، بما في ذلك صالح. هذا لا يعني أن المطالب بالحكومة الأفضل مثل الانتفاضة التي هزت اليمن في 2011، كانت سيئة، ولكن عن كيف يمكن أن تفشل، وكيف أن الهوية والثقافة السياسية هي عوامل لا تقدر بثمن، تعقد ديناميكية التحولات بعد الانتفاضة. الخلافات حول ما هي اليمن؟ وماذا يعني أن تكون يمنياً؟ ومن الذي يحق له طرح هذه الأسئلة؟ هي خلافات تم لعبها في ساحة سياسية كل الثعابين فيها سامة. إن هذه الديناميكيات تتشابه في دول أخرى لما بعد الانتفاضة، مع عواقب مختلفة، ولكن مأساوية في كثير من الأحيان.
الأهم من ذلك كله، ينبغي أن يُؤكد على صانعي السياسة والمحللين أن النظام القديم بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، يموت. لم يعد حلفاء الولايات المتحدة يُعلمون واشنطن قبل أن يتخذوا إجراءات في المنطقة. لقد قام السعوديون بالحرب في اليمن دون أي اعتبار يذكر لوجهات نظر الولايات المتحدة، بينما طالبوا في نفس الوقت بالدعم اللوجيستي للبنتاغون وتدفق الذخائر دون انقطاع. وسواء كانوا على صواب أو خطأ، لم يثق المسؤولون في الرياض بالولايات المتحدة بأنها ستقدر شعورهم بالتهديد أو أنها ستدعمهم.
فالأمريكيون، في خنادق حرب ثقافية، مشغولون بحرق جزماتهم من ماركة نايك (حركة احتجاج اشتعلت ضد الشركة)، والتهكم بخصوص دونالد ترامب على (تويتر)، دون أن يبدوا أية رغبة تذكر للحروب الحقيقية التي تدور رحاها في الشرق الأوسط، مما يجعل المنطقة في مأزق. للأسف، سيتم قتل الكثير من الناس في هذا المأزق.
(*) 27 سبتمبر 2018