بشرى الغيلي/ لا ميديا

يغادرون الحياة بصمت. لا أحد يعبأ لرحيلهم. تفتك بهم الأمراض وينتظرون الأجل ليلقي نظرته الأخيرة على أجسادهم التي أنهكها المرض والحصار. أولئك هم مرضى اليمن، وفي مقدمتهم المتضررون من إغلاق مطار صنعاء الدولي للعامِ الرابع على التوالي. وحين ظهرت بارقة أملٍ، من خلال توقيع اتفاقية من قبل حكومة الوفاق مع الأمم المتحدة بمد جسر جوي لنقل الحالات الحرجة وعلاجها في الخارج بواقع رحلتين في الشهر لمدة ستة أشهر، فوجئ المرضى المستعدون للسفر بمنع تحالف العدوان وصول الطائرات المخصصة للحالات المرضية إلى مطار صنعاء الدولي بحسب الاتفاق الموقع مع الأمم المتحدة، مما فاقم المعاناة. صحيفة (لا) رصدت حالات وفاة، والتقت مرضى ناشدوا العالم سرعة معالجة وضعهم الحرج...  

كذبوا علينا بالجسرِ الجوي
نظراته البريئة تحمل رسائل وجع كبيرة عن حالته الصحية المتدهورة. جسمه الغض ذو الـ(11) ربيعاً ينتظر لحظة فرجٍ مما يعانيه ويخفف آلامه المبرّحة. كانت آخر الآمال الاتفاق الذي وقعته خارجية (الإنقاذ) مع منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، لإقامة جسر جوي طبي لنقل المرضى. يقول حاشد سيلان عن طفله (خليل) إنه مصاب بفشلٍ كلوي، وحصل على منحة علاجية إلى تركيا لزراعة كلى وحالب ومثانة، واشترطوا التذاكر والمصاريف. (جهزت كل شيء حسب المعاملات المتبعة، كتأشير الجوازات، والموافقة من تركيا، وتكاليف السفر كلها؛ ولكنهم كذابين، كذبوا علينا بمشروع الجسر الجوي، وراحت معظم التكاليف ملاحقة بعد مواعيدهم بأن يسمحوا لنا بالسفر، ولا فائدة، والآن تبقى للمنحة 25 يوماً فقط أخشى أن تضيع وتسوء حالة طفلي. وهنا عبر صحيفة (لا) أناشد العالم كله أن يتقوا الله فينا ويسمحوا لنا بالخروج للعلاج، وأن يرحموا من في الأرض...).

غادروا الحياة في انتظار السفر
ليس هناك ما هو أقسى من أن يموت عزيز عليك وتقف أنت مكتوف اليدين، عاجزاً عن فعل شيء، وحكومتك تحاصرها 17 دولة، براً وبحراً وجواً، وتبحث عن بارقة أملٍ في نهايةِ النفق، ثم تتبخر فرحتك وتذهب هباء منثورا... صحيفة (لا) رصدت حالات مرضى غادروا الحياة نتيجة منع إقامة جسر جوي طبي لتسفيرهم وعلاجهم بالخارج، رغم توقيع اتفاقية رسمية مع الأمم المتحدة. ماجد جعوان غادر الحياة وهو ينتظر السفر. حالته الخطرة تعذر علاجها في الداخل نتيجة شحة الإمكانات والحصار. كان بحاجة للعلاج بالإشعاع لوقف انتشار السرطان، وكان انتشار المرض أسرع من الجسر الجوي، فغادر الحياة ليرتاح من آلامه المبرحة.
يحيى داعر قائد لم تسعفه حالته بالصمود في انتظار الجسر الجوي الذي تم الاتفاق عليه لحظة فرح تبخرت سريعاً، وانتهت بمفارقته للحياة، مخلفا وراءه طفلين ووالدتهما. كان أهله قد قرروا تسفيره براً إلى مطار سيئون، ولسوء الخدمة، والمعاناة والمشقة في السفر، عادوا به جثة هامدة إلى صنعاء.

فقد حبيبتيه بقصف الطيران
أن تفقد عينيك معناه أن تفقد جزءاً من روحك، وتمارس حياة شبه ميتة. تلك هي حالة بسام الصبيحي، الذي أصيب بشظية فوق الحاجب أفقدته بصره. كان من ضمن الذين سيسافرون عبر الجسر الطبي الجوي. يقول بسام: (جهزت أوراقي ومعاملتي لأكون ضمن من سيتم علاجهم بالخارج وعبر الجسر الجوي الطبي، ولكن للأسف أبلغونا أنه تم تعليق سفرنا، بعد أن منع التحالف إقامة الجسر الطبي، وما زلنا ننتظر الفرج من الله).

أي حين يفتحوا المطار يا ابني؟!
يقول المثل: (الذي يده في الماءِ غير الذي يده في النار). تلك هي حالة شوعية طلحي، من محافظة حجة. تعاني من مرضِ السرطان وتحتاج إلى الإشعاع. يقول أحد المختصين بوزارةِ الصحة: (تسألنا شوعية يومياً: قد فتحوا المطار والا عاده يا ابني؟! فهي كبقيةِ من ينتظرون لحظة الفرج).

حالات حرجة!
يقول: د. محمد العمري ـ رئيس اللجنة الطبية العليا، إن أكثر من 300 ألف حالة مرضية مقيدة لدى إدارة المنح العلاجية بوزارة الصحة العامة والسكان بحاجة إلى العلاج في الخارج، بسبب تدني الوضع الصحي والحصار من قبل العدوان السعودي الأمريكي على الشعب اليمني، والاستهداف المباشر للقطاع الصحي. ويضيف أن معظم الحالات المرضية سرطانات الغدد والدم والتي بحاجة إلى علاج بالإشعاع في الخارج لتفادي تطور المرض، ولكن هناك حالات انتشر فيها المرض وفارقت الحياة لعدم تمكنهم من السفر، معظمها حالات نساء وأطفال، وهناك حالات تشوهات قلب خلقية لأطفال أعمارهم بين السنة والثلاث سنوات يعيشون على الأكسجين الصناعي ومعرضين للوفاة إذا لم يتم نقلهم للخارج.  وأضاف أن كل الحالات المرضية المقيدة لدى إدارة المنح العلاجية بوزارة الصحة حالات حرجة ينتظرها نفس المصير في حالة عدم تمكنها من السفر للخارج للعلاج وبشكل عاجل وفي خلال أيام عبر رحلات الجسر الجوي التي تم التنسيق لها من قبل الأمم المتحدة بالرغم من أنها لا تلبي أدنى الاحتياجات الإنسانية الضرورية للمرضى الذين هم بحاجة ماسة للسفر.
وختم د. العمري: (نناشد الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية الوقوف ضد هذا الصلف والتعنت الذي تمارسه دول تحالف العدوان بقيادة السعودية، وضرورة إصدار قرار دولي يلزم التحالف بفتح مطار صنعاء الدولي أمام كافة الرحلات ولكافة شرائح المجتمع، ونتطلع ألا تقف الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية عاجزة أمام هذا التحالف الذي يسعى إلى إماتة المريض اليمني).

إجراءات تعسفية
من جانب آخر يقول د. يوسف الحاضري الناطق الرسمي بإسم وزارة الصحة في تصريح خاص لصحيفة (لا): (هناك بعض الحالات تغامر بالسفر براً إلى سيئون، أو إلى عدن، لكي يتمكنوا من السفر للخارج، يتوفى منهم الكثير في الطريق نتيجة الإرهاق وطول المسافة والإجراءات التعسفية في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف ومرتزقته... تخيلوا أن مريضا لا يستطيع أن يجلس ساعة يضطر للجلوس من 10 إلى 22 ساعة في باص النقل الجماعي!). وعن إمكانات الصحة المتاحة وتوفيرها للمرضى يضيف: (يتم في الداخل توفير ما أمكن توفيره من رعاية لتهدئة الألم والتخفيف عنه، ولكن الأغلب يتوفون). وأضاف: (يتحركون بأنفسهم دون تنسيق مع الوزارة، ولكن بعد أن يحصلوا على التقرير الطبي من عندنا والذي تم اعتماده كفيزا (تأشيرة) دخول إلى مصر والأردن بعد أن أغلقا أراضيهما أمام الشعب اليمني).
ويختم الحاضري: (هناك الكثير من المرضى لا يمتلكون أموالاً حتى لعرض أنفسهم على أطباء أو حتى يحصلوا على تقارير طبية، بسبب انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار المرتبطة بالدولار نتيجة الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها دول العدوان ممثلة بأمريكا والسعودية وتحالفهما، وغالباً ما يمكث أهل المريض يشاهدون مريضهم أمامهم يعاني ولا يوجد بأيديهم أي حيلة إلا تلك الدموع وتلك التنهدات، فيشاهدون لحظاته الأخيرة أمام أعينهم حتى تصبح وفاته أحب الأخبار إليهم).