علي نعمان المقطري / لا ميديا

 خلال أيام 1-9 سبتمبر الفائت، حشد العدو 3 ألوية عمالقة، 
واتجه بهم شمال شرق مطار الحديدة، ليطوق المطار، ويسيطر على مفرق الطريق الرابطة
بين الحديدة وصنعاء تعز وإب وذمار عبر منطقة الزعفرانة.
وقد وصلت القوى العدوانية إلى الزعفرانة على بعد 10 أميال من مفرق الكيلو 16، ودارت هناك معركة ضارية طوال 3 أيام دون توقف، كسر عندها العدوان، واضطر إلى التراجع إلى أطراف الزعفرانة، بعد أن تكبد 200 قتيل و300 جريح، وتم تدمير 30 آلية ومدرعة ودبابة وعربة، واعتبرت المواجهة هي الأعنف في معارك الساحل الغربي، فقد استدرج الجيش واللجان العدو إلى مناطق مميتة ليفجرها من بعد لتطيح بعشرات الآليات والعربات والمدرعات، في أكبر كارثة للعدو لم يشهد مثلها من قبل. 
وصباح الأربعاء 12 سبتمبر الفائت، شن العدو هجوماً كثيفاً على أطراف الكيلو 16، مسنوداً بالقصف الجوي على المنطقة، عبر مئات الغارات التي استهدفت أهالي المنطقة المدنيين العزل، انتقاماً منهم لاحتضانهم المقاومة الوطنية، واستطاع السيطرة عليها لمدة 3 ساعات من النهار، لكن سرعان ما انقضت قوات الجيش واللجان على العدو وطوقته من كل الجوانب، وشرعت في الالتحام المباشر معه، وكبدته خسائر جسيمة في عده وعتاده.

إدارة أمريكية إسرائيلية للمعركة
كشفت الولايات المتحدة مؤخراً عن موقفها بوضوح سافر لا شبهة فيه، فبعد أن كانت القيادة الأمريكية تقود المعارك من فوق بوارجها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، اضطرت إلى الانتقال إلى غرفة عمليات العدوان الميدانية في البريقة بعدن، ممثلة بقائد القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، وبهذا أصبح الأمريكي يدير العدوان مباشرة بعد أن شارفت حملته على الانهيار الكبير عشية مناورات جنيف الثالثة.
وقد رافق الحملة العسكرية للعدو عدة تحركات سياسية تمثل أبرزها في سفر هادي المفاجئ إلى الولايات المتحدة بذريعة تلقي العلاج، بينما الحقيقة هي تلقي علاج استراتيجي حربي أمريكي يحول دون حصول الكارثة الوشيكة التي يواجهها العدو في الساحل الغربي، وذلك بالإلحاح على الأمريكي بالتدخل المباشر لإدارة المعركة الساحلية وإقناع العديد من البرلمانيين الأمريكيين من الكونجرس والإدارة والرأي العام المتردد، وكان من نتائج هذه التحركات إفشال وصول الوفد الوطني إلى جنيف للمشاركة في المشاورات التي كانت مقررة ومحددة هناك. وأيضاً عقد مؤتمر القيادات العسكرية الخليجية وحلفائها بمشاركة المصريين والأردنيين والإسرائيليين والسودانيين، الذين سيتحملون العبء الأكبر في الميدان في توفير المرتزقة على الأرض من أجل تحقيق هدفهم في السيطرة على الحديدة. 
وجاءت حملة العدو على مفرق الكيلو 16 في هذا السياق التحضيري لعملية التدخل الاستعماري الدولي لإنقاذ العدوان من الانهيار الوشيك، تحت ذرائع وقف التمدد الإيراني وتأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر وإنقاذ السكان المدنيين من المجاعة وإعادة الشرعية.

احتلال الحديدة واسطة العقد الاستعماري 
يقامر العدو بفقدان جميع الجبهات الحربية المفتوحة مقابل تحقيق تقدم في جبهة الحديدة، في محاولة لتعويض خسائره في الساحل، حيث يجمع ويسحب الكثير من قواته من هذه الجبهات إلى الساحل الغربي، لعله يحقق إنجازاً سريعاً يفرض به شروطاً تفاوضية جديدة لصالحه في جنيف المؤجلة والمنتظرة، ولذلك تهاوت العديد من المواقع على جبهات عديدة في كل اتجاه، وهو ما يشير إلى طبيعة التفكير الاستراتيجي الراهن للعدو ومراهناته الحالية، حيث يخلط السياسي بالعسكري في معركة واحدة.
ويمكن استخلاص بعض النتائج التي تنطوي عليها مناوراته وتكتيكاته الراهنة وأبعادها ومراميها، ومقاصده في السيطرة على الحديدة ومفرقها الرئيسي الكيلو 16، حيث يدرك العدو أهمية تجميع تفوق عددي وناري محلي خلال المواجهات، ولذلك لا يبالي أن تسقط بقيه المناطق إن حقق تقدماً في الساحل، ومعنى ذلك هو:
1. أن العدو يقاتل الآن في الجبهات الأخرى قتالاً تراجعياً لا قبل له في الصمود أو الهجوم المضاد للاحتفاظ بها أمام تقدم الجيش واللجان في جميع الجبهات الجبلية الداخلية، وهو إقرار منه بأنه قد خسر المعركة هناك ولا أمل له في تحقيق أي تقدم أو حتى الصمود.
2. قرار العدوان التراجع شمالاً ونقل المعركة إلى الساحل الغربي والجنوبي الهدف منه ضمان مشاركة القوات الأمريكية والأجنبية البحرية والجوية إلى جانب القوات الإقليمية المرتزقة عبر تدويل السيطرة على المنطقة الساحلية.
3. تأجيج الموقف الدولي لفرض تفاوض غير متكافئ ولتسوية مهينة تكرس الاحتلال وتقسيم اليمن وإلحاق أجزائه النفطية والاستراتيجية بدول العدوان وكياناتها.
4. انفلات الغضب الجنوبي الشعبي على خلفية هزائم مشروعات السيطرة على الساحل وقتل أبناء الجنوب بالآلاف، وخسارة معاركهم، يضاعف فاتورة الخسائر العدوانية، ولذلك يهدف إلى احتواء هذا الانفلات عبر إغراق الطاقات العسكرية الجنوبية في المزيد من المعارك العدوانية، وتحقيق أي هدف ولو وهمي لقمع الحراك الشعبي وحرف طاقاته نحو مشاريع تخدم العدوان.
5. إن العدوان الآن يريد أن يجعل من الساحل والحديدة ساحة للنزال والمبارزة الكبرى، حيث يتوهم أن بإمكانه استدراج قوات الجيش واللجان إلى الساحل مكشوفة أمام تفوقه الجوي والبحري، فيصطادها واحداً واحداً، معتقداً نفاد خيارات الوطن ومقاومته، غير مدرك أن من يقرر أساليب المقاومة الوطنية نحن وليس هو، وأن اليمنيين سيثبتون أن عصر الهيمنة الاستعمارية قد ولى، وأن الشعوب قادرة على هزم الغزاة لأن الأرض لا يسودها إلا أبناؤها الأحرار، وقيادة الوطن الثورية ما تزال غنية بخبراتها وثقتها بالشعب وثقة الشعب بها، وقادرة على إغراق العدو في الأوحال والمستنقعات ونسفه وسحقه بالتقسيط والجملة.

خيارات فتاكة
تمتلك قوات الجيش واللجان عدداً من الخيارات الفتاكة، منها:
1. تكثيف حملة الضربات الصاروخية الموجهة ضد الآليات والعربات والمدرعات عن بعد، ودون الحاجة إلى الكثافة البشرية تحت تهديد الطيران، فاصطياد الدبابات والآليات وعدم السماح لها بحرية الحركة والهروب أو التقدم هي المهمة الرئيسية للجيش واللجان.
2. توزيع كميات كبيرة من القنابل محلية الصنع المضادة للعربات والمدرعات والمفخخات على نطاق واسع وجماهيري، وتشكيل انساق مقاومة شعبية جماهيرية احتياطية على جميع المحاور والنقاط المستهدفة.
3. تصفية نفوذ العدوان وعملائه في الداخل وجعل عيونه عمياء عبر محاصرة الشعب لهم في كل مكان ومنطقة.
4. إعداد مسبق لجميع المحاور المحتمل استهدافها بكمائن مضادة مزدوجة ضد الدروع والأفراد والعملاء بأعداد فعالة لا تسمح للعدو بالتراجع سليماً بعد كل محاولة منه للتقدم.
5. هبة شعبية جماهيرية قتالية نحو الساحل الغربي لتعزيز صمود الجيش واللجان الشعبية.
6. إعداد مدينة الحديدة والمدن الفرعية الأخرى لاحتمالات الإنزالات الجوية والبحرية المباغتة وأيضاً لأية خيانة داخلية محتملة من قبل بقايا عفاش والوهابيين وغيرهم.
7. التكيف مع شروط الحصار البحري والجوي والقصف لتقليل الخسائر البشرية بنشر أساليب الدفاع الشعبي ووسائل الصد والدفاع ضد الشظايا والقذائف النازلة عشوائياً على السكان ومنازلهم ومحلاتهم وتوفير الوسائل والمعلومات الضرورية للأمن الداخلي.
8. توفير المواد التموينية اللازمة للعيش للسكان الصامدين في المدينة المحاصرة، وإعداد الشعب للمقاومة السرية ضد العدوان ورفع المعنويات لديهم.


مفاجآت جديدة
تمتلك قوات الجيش واللجان الشعبية في جعبتها العديد من المفاجآت الجديدة في مواجهة العدو الغازي، منها:
1. شن هجمات كاسحة على النقاط الضعيفة للعدو على الساحل في حيس والخوخة والحيمة ويختل والجبلية والفازة والجاح والنخيلة، وإبقاؤها مشتعلة لإجبار العدو على التراجع والانخذال، وتثبيت قواته في منحصراتها.
2. تفعيل نشاط البحرية لقطع الطريق على بوارج العدو ومنعها من التقدم نحو الساحل مهما كلف ذلك من تضحيات.
3. قطع الطريق الرئيسي الساحلي البري والبحري في مربع حيس ـ الخوخة ـ الحيمة ـ الجبلية ـ الفازة. 
4. دك مقرات قيادات العدوان البحرية والبرية والجوية بحزمة من الصواريخ دون توقف.
5. مكاتب ميدانية لمكافحة التخريب والتجسس والعبث المالي والتمويني الاقتصادي.
6. إلزام الحكومة بتحمل مسؤولياتها.
7. تنظيم حملة تقشف واسعة لتوفير الموارد المالية اللازمة للمعركة.
8. قطع كل يد تخون الوطن وتستلم من العدوان وتبيع أمنه وقضيته، فالحزم ضروري ومطلوب الآن أكثر من أي وقت، وعبر الأساليب المقننة والشرعية المنظمة.

أهداف العدو لم تتحقق رغم مجازره المستمرة
استهدف العدو في بداية الاختراق الأخير احتلال مدن الساحل الرئيسية جنوب الحديدة، بدءاً من زبيد والجراحي، مروراً ببيت الفقيه والحسينية، وصولاً إلى الزعفرانة والكيلو 16 والمطار وميناء الحديدة، وتطويق المدينة من كل الاتجاهات، ثم اقتحامها من الخارج والداخل، بعد فترة من القصف الجوي والبحري المكثف لإجبار أغلب السكان على المغادرة والاستسلام تجنباً للوقوع في مستنقع صراع حرب مدن ضارية طويلة المدى تستنزف العدوان وتأتي عليه من الأساس.
 
اختيار المكان الحاسم للمعركة
يعد اختيار الموقع المناسب للمعركة من أهم العوامل التي تلعب دوراً كبيراً في تحقيق النصر، وسنورد هنا بعض الأمثلة التاريخية التي تؤكد أهمية اختيار المكان المناسب للمعركة لتحقيق الحسم:
اختار السوفييت في معارك الحرب العالمية المواجهة الحاسمة أمام أبواب موسكو العاصمة على بعد 30 كيلومتراً فقط منها، لماذا؟ وهل العدو هو الذي فرض عليهم هذا البعد وحده؟
بالطبع لا، إنما هو اختيار معلل للقيادة العسكرية العليا، حيث وفر ذلك الاختيار 3 عوامل هي الأهم في الحرب تضاعف من تأثير القوى الميدانية وتؤمنها من الحصار والالتفاف عليها وتربطها عن قرب باحتياطاتها البشرية والعسكرية وقواعدها وقياداتها، وبهذا يمكنها إعادة بناء جيوش جديدة بديلة بالسرعة المطلوبة إن دارت الدائرة عليها وخسرت المعركة، بينما تبعد العدو آلاف الأميال عن احتياطاته العسكرية وقواعده، ولا يستطيع الحصول على إمداداته إلا بعد مرور وقت ثمين جداً، فقد تم اختيار نقاط جبلية مرتفعة للتمركز فيها ومناطق غابية كثيفة الأحراش والمياه والمستنقعات والانكسارات والأودية لا تستطيع منها قوى العدو الالتفاف على الجيش الوطني لحصاره أو قطع خطوطه، وهذا يحرر الجيش الوطني من نشر قوات كثيرة لحراسة الطرقات والجنبات، ما يساعد على تركيز قوات الجيش الوطني لأن يهاجم بكل الجيش المحارب على نقاط العدو الضعيفة. ونلاحظ أن الروس اختاروا الموقع نفسه في معركتين منفصلتين وهو بالقرب من موسكو العاصمة، وعلى بعد أميال فقط منها، في الأولى كانوا يقاتلون الغزو الفرنسي، وفي الثانية كانوا يقاتلون الغزو الألماني، وهذا معناه استراتيجياً أن العدو صار على بعد آلاف الأميال من قواعد إمداده، وأصبح معرضاً للتطويق من الجنبات والمؤخرة، وأكثر عرضة لإنقاص قواته العددية نتيجة اضطراره إلى توزيع الكثير منها على جنبات الطرق لحراستها في مواجهة التطويقات المحتملة والقطع، ويزيد ذلك الاحتمال كلما تقدم نحو الداخل أكثر فأكثر.
2. اختيار الروس في بداية الحرب للمكان غير المناسب للمعركة الطويلة مع العدو كان سبب هزيمتهم التي كلفتهم 4 ملايين قتيل وأسير وجريح و10 آلاف دبابة وطائرة ومدفع، واحتلال أراض واسعة، وكادت تقضي عليهم بشكل كامل، وقبل أن يكمل العدو سيطرته تراجع من بقي من الجيش الروسي إلى الداخل عبر الغابات. 
3. اختار الفيتناميون المكان الملائم لمعركة ديان بيان فو شمال فيتنام ضد القوات الفرنسية الغازية في العام 53م، وكان ذلك من أهم أسباب نجاحهم ونصرهم.

اختيار المكان الملائم للمعركة الكبيرة المطلوبة
ليس مناسباً ولا ملائماً للجيوش الوطنية المقاومة أن تدخل في معارك طويلة المدى على أطراف السواحل والسهول المكشوفة وبأعداد كبيرة، تجنباً لتفوق الطيران المعادي، ومنعاً لاحتمال إنزال العدو لقواته خلفها أو على الطرق الاستراتيجية، لذلك فإنها تختار أماكن المواجهة الكبيرة على سفوح المرتفعات الصديقة بالقرب من الجبال والتباب والأحراش والمدن الكبرى التي تلائم شروطها وظروفها، ولا تلائم العدو الغريب الغازي. والتجارب الراسخة والعلم والتاريخ العسكريان والمنطق والضرورات تؤكد وتحض على ذلك كقاعدة إجبارية.
 وعلى المستوى الاستراتيجي والفكري التخطيطي، يحاول كل طرف أن يفرض المكان غير الملائم لخصمه بطريق مباشرة أو غير مباشرة حين تضيق الخيارات عليه، وإذا فرض المكان غير المناسب فلابد من قطع الاشتباك الجاري في الوقت الملائم، ولو أدى إلى التخلي عن أرض كانت تحت السيطرة مؤقتاً، فهدف الطرف المدافع هو الحفاظ على قواته أولاً، لذلك يتبع أسلوب الحركية الدائمة لإجبار العدو على نشر قواته على مساحات كبيرة متباعدة، وإطالة خطوط إمدادات العدو، حتى يفقد تركيز وزخم قواته، ويصبح مكشوفاً أمام القوات الوطنية المدافعة.