الحديدة المعركة المصيرية.. ما الذي يخفيه العدو؟  (2-1)
قراءة في استراتيجية وتكتيكات العدوان

علي نعمان المقطري / لا ميديا

في سياق استراتيجية العدو للسيطرة على كامل الساحل الغربي تقوم خططه على أطوار متمرحلة متدرجة ميدانياً وتكتيكياً، ولكل مرحلة برنامجها الاستراتيجي الفرعي المناسب وظروفها، منطلقا من مدى قدرات قواته على إنجاز أهدافها.
فالعدو لا يقوى على شن معركة واحدة هجومية شاملة كبرى على كامل الساحل الغربي من شماله إلى جنوبه ووسطه وشرقه، فهو يلجأ لتوفير الموارد البشرية اللازمة لاتباع أسلوب الهجمات التدريجية المجزأة طويلة الأمد، ثم لا يسعه القيام برمي كل قواته الهجومية إلى الميدان، لأنه يعتمد على المعارك الرئيسية الجوية، ولأنه برياً يعتمد على المرتزقة الأجانب الذين لا يسعهم الموت والاستشهاد والتضحية في سبيل قضية باطلة، وهو لا يمدهم بالأسلحة الفتاكة إلا وهو يضمن لهم تغطية من الجو والبحر، وعندما تغيب هذه التغطية أو تتعثر أو تحيد يكونون جاهزين عندها للهروب والتراجع بأسرع ما تمكنهم إياه العربات والآليات الحديثة، ومن هنا فإن أهم أدواته القتالية هي مروحيات الأباتشي في الهجوم والعربات والآليات والمدرعات السريعة الحركة في التراجع. وبقدر ما تنطوي هذه العناصر على قوة فإنها في الوقت نفسه تنطوي على ضعف شديد، فما إن يحدث الالتحام مع القوات المهاجمة عن قرب حتى يزول خطر الطيران المعادي وتظهر معادلات جديدة على الأرض وتميل القوى وموازينها لصالح أبطال الجيش واللجان الذين يسيطرون على مساراتها ومحيطها. فالعدو يتسلل شمالا عبر محور واحد وبدون مجنبات، فهو يتسلل مكشوفا دون حماية على أجنحته غير الحماية الجوية التي يعول عليها دون جدوى، حيث تتبخر آثارها ما إن يصل أبطالنا إلى خطوط التماس مع العدو ويصبح الاشتباك وجهاً لوجه.

استهداف المناطق الصحراوية
 المفتوحة المكشوفة للتسلل
قضى العدو أكثر من عامين وهو يبحث عن المناطق الملائمة للتقرب من (كيلو 16) من شمال التحيتا والمجيليس إلى الدريهمي والزعفرانة والمطار، ومن غليفقة والنخيلة عبر الدريهمي والجاح شمالاً. وقد خسر محاولات سابقة خسر فيها المئات من القتلى حين حاولت قوات خاصة اجتياح المنطقة عبر إنزال بحري وجوي مباغت، وكانت قواته قد تكبدت نكسات خطيرة حينها. ويعتمد العدو على سرعة التنقل والحركة والمفاجأة في المناطق الواقعة بين مجال الجيش واللجان الشعبية والساحل الرملي الصحراوي عبر بروفات عديدة للتسلل والاختراق، فالبروفات الأولى هدفها عادة استطلاع المناطق على الأرض والتعرف عليها وتحديد نقاط الضعف والقوة فيها ونقاط الخطر لتجنبها في المرة القادمة وتحديد حجم القوات اللازمة للهجوم الناجح تالياً.

تكتيكات مكررة 
لمحاولات التسلل والاختراق
يهاجم العدو بدون أن يقيم له مجنبات ثابتة أو رؤوس جسور دائمة وحصينة لأنه لا يستقر في مكان أو موقع، فهو دائم التحرك، لأنه لا يصمد أمام الهجمات الوطنية المضادة ولا يتحمل أكلاف النكسات الكبيرة في حال الدفاع عن مواقعه وفي كل الجبهات، حيث يجد الجيش واللجان في حال هجوم مباغت قبل مجيء مروحيات الأباتشي وخارج إطارها ومجالها الحيوي، فسرعان ما يغادر مواقعه ويتراجع ويفر، فهو غير مستعد لخوض نزال حقيقي متكافئ، لأنه يسكنه الخوف والهلع والرعب من مواجهة الأسود اليمانية مباشرة ووجهاً لوجه ليلاً أو نهاراً إلا بمساندة الطيران.
وإذا تابعنا جميع المواجهات التي تمت خلال الأربع سنوات الماضية في مختلف الجبهات فإننا نلاحظ أن العدو لم يصمد أبداً أمام أي مواجهة تحدث، فهو إما ينكسر أو يتراجع أو يهرب ليعاود الهجوم التفافياً في محاور أخرى، معتمداً على الطيران الحربي الأجنبي، ومعنى هذا أن العدو ليس إلا وكيلاً للعدوان والهجوم الجوي الأمريكي الصهيوني الناتوي فحسب.

مناوشات النهار وعراك الليالي الدهماء
يطيب للعدو الجبان شن المناوشات نهاراً تحت ظل الطيران الحربي وحمايته، حيث يسجل تقدمه في المناطق المكشوفة. أما قوات الجيش واللجان قليلة التسليح فإنها قوية العزيمة والعقيدة، فهي تلتحف الغلس متغطية بالغيوم وغبار الفيافي ومهتدية بخيوط النجوم البعيدة في الساعات الأخيرة من الليل في السير إلى أهدافها على تراب الوطن، وما يتمدد فيه العدو نهاراً يفقده ليلاً وأكثر منه، ومعه الغنائم والأسلحة والعربات والآليات الأحدث في العالم، ومعها الوثائق والأسرار والمراسلات والتقارير التي تكشف حقيقة معاناته وانهياراته.

خطة التطويق العدواني للحديدة
تدور اهتمامات العدو في التحرك نحو الحديدة ومشارفها على اختراق المناطق المؤدية إلى (كيلو 16) والمطار والمنظر والكثيب والصليف وكمران شمالاً، وباجل شرقاً. وهو يقسم أهدافه المباشرة إلى مجموعتين أساسيتين (أ، ب)، وكل مجموعة لها برنامجها الزمني بارتباطها بالأخرى.
المجموعة (أ) تضم الأهداف في شرق وجنوب الحديدة، أي المطار والمنظر و(كيلو 16) والمطاحن والمراوعة والقطيع وباجل، وهو يؤمل أن يتوسع من (كيلو 16) إلى باجل ومنها إلى الضحي والكثيب والصليف وكمران من الشمال والجنوب والشرق والغرب بحراً.
المجموعة (ب) تضم الأهداف في شمال الحديدة مثل الصليف والكثيب وكمران وغيرها من النقاط الحيوية ويعول على القوات البحرية المرابطة في الساحل الغربي أمام الميناء ومناطق الاستهداف في الصليف وكمران والكثيب ويراهن على الاستخدام المكثف للإنزالات البحرية والجوية للقوات بعد أن يكون قد قطع شوطاً في السيطرة على المحاور الجنوبية الشرقية للحديدة.
من مخططات العدو الهجمة البحرية الخاطفة في شمال الحديدة، حيث يراهن على عدد من العوامل، منها أن شمال المدينة صالح للإنزالات البحرية في تصوره، وهي أن المنطقة الساحلية الصحراوية تتسع كلما ذهبنا شمالا، يساعد على ذلك قلة تركز السكان فيها وانكشاف التحركات من الجو وانشغال الجيش واللجان في شمال الحديدة وجنوبها وجنوبها الشرقي، والهدوء الصوري الظاهري على المنطقة، فهي في نظر العدو أنسب المناطق للإنزالات البحرية والجوية السريعة لإحكام الحصار على المدينة من جميع جهاتها بعد أن يكون العدو قد عزلها من الجنوب والشرق.
كما يراهن العدو على قرب موانئ العدوان من شمال الحديدة، وخاصة على موانئ جيزان وسواكن ودهلك ومصوع وعصب وبقية الجزر اليمنية المحتلة التي تنتشر بكثافة على طول شمال الساحل اليمني الغربي. وتأتي الحملة الطويلة ضد منطقة ميدي لاحتلالها في السياق ذاته، حيث يريد العدو تأمين منطقة جبلية داخلية بعمق ثلاثين ميلاً تجنب سفنه وبوارجه الحربية التعرض للصواريخ القصيرة المدى المنصوبة على المرتفعات المشرفة على الساحل الغربي، وأيضاً خطر الطيران المسير الذي تتضاعف قدراته، وهذا سر مهاجمته مناطق جبلية في مجازة ومندبة وحرض والجبلية وحيران والـ(ام بي سي) وغيرها.
إن هدف العدوان الأكبر من احتلال ميدي هو تأمين احتلال بقية الساحل وخلق منطقة إنزالات آمنة شمال الحديدة بعد أن فشلت محاولاته جنوب الساحل الأقصى نتيجة لسيطرة الجيش واللجان على مرتفعات العمري وكهبوب وشرق المخا وحيس وزبيد والجراحي وبيت الفقيه و(كيلو 16) وباجل لقربها من الجبال المطلة على الساحل مباشرة.
وفي اجتماعات القيادات العليا للعدوان الأخيرة مع الأمريكيين والإسرائيليين في عدن والرياض وأبوظبي قد دارت مثل هذه المشروعات وصارت أكثر إلحاحاً بعد أن هاجم الطيران المسير أبوظبي والرياض، وأيضاً جيزان لأول مرة في هجوم بزوارق مفخخة هاجمت الميناء مباشرة بوصفه مركز القوة البحرية للعدوان.
لقد فشلت محاولات العدو في الإنزال جنوب وشمال الحديدة نتيجة قرب المناطق المستهدفة من الجبلية التي يتمركز فيها الجيش واللجان الشعبية، وحول العدو ناظريه نحو المحيط الشمالي الغربي للحديدة الأقرب إلى البحر وباجل والضحي والكثيب والصليف والميناء، حيث تقع في دائرة أوسع من الصحاري والسهول المفتوحة التي يمكن عندها إقامة قواعد حصار ورؤوس جسور تعتمد فعاليتها ونتيجتها إلى ما تنجزه قواته المتسللة جنوب الحديدة وشرقها ومطارها وغربها أولاً، وهذه نقطة ضعف للعدو وقوة لقوات الجيش واللجان إذا استغلتها وبالسرعة المطلوبة، لأن مشروع العدو مرهون بما يحققه جنوب شرق الحديدة، أي باجل و(كيلو 16) والمطار أولاً.
وحسب التسلسل الاستراتيجي الموضوعي فإن العدو الآن مرهون مباشرة بمعارك المطار و(كيلو 16)، أي أن يستقر أولاً هناك ثم ينتقل إلى فتح المعركة شمالاً وشرقاً مجدداً بحراً وجواً نحو باجل والكثيب، وهي منطقة مناسبة لتنفيذ الهجوم الرئيسي على المدينة، مع مواصلة القصف الجوي والبحري على المدينة وترويع سكانها لدفع أكبر عدد منهم لمغادرتها.