طلال سفيان/ لا ميديا - 

كتب اسمه على جدارية اليمن هامة وطنية كبيرة، وعلماً شامخاً من أعلام الكفاح الوطني، ورمزاً من رموز حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار، ومناضلاً فذاً وقائداً جسوراً وهب حياته في سبيل الوطن والثورة والجمهورية والدفاع عن الوحدة... لروح هذا الفارس النبيل والمفكر اليساري العظيم الرحمة والنور الأبدي.

محطات وطنية
ولد علي صالح عُباد (مقبل) في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية الدرجاج بمحافظة أبين. وفي ريعان شبابه التحق بحركة القوميين العرب في الخمسينيات. 
يعد عُباد أحد مؤسسي الجبهة القومية ومن أبرز الفدائيين والمناضلين الوطنيين الذين قادوا حملة التحرر من الاستبداد والاستعمار البريطاني في جنوب الوطن، وكان له دور ريادي في ثورة 14 أكتوبر 1963.
استمر عُباد في كفاحه المسلح منذ ثورة 1963 في مناهضة الاستعمار البريطاني وأدواته من السلاطين حتى الـ30 من نوفمبر 1967 الذي شهد خروج آخر جندي بريطاني من عدن.
في العام 1978 أسهم عُباد بتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني، واضعاً اللبنات الأولى للنظام الوطني، إيماناً منه برسالته في العمل مع الجماهير وقيادة نضالها من أجل التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية.
كما كان الرفيق "مقبل" أحد أهم ثلاثة رجال أسهموا في تأسيس جمهورية أكتوبر وفرض سلطتها، حيث شغل موقع الأمين المساعد للحزب رفقة عبدالفتاح إسماعيل، وكان الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) القائد الذي اشتغل حثيثًا لبناء دولة النظام على حساب السلطنات والقبائل والسلطات الموازية.
وفي عهد دولة الوحدة، وفي أول انتخابات برلمانية عام 1993، فاز "مقبل" بعضوية مجلس النواب، ثم بعضوية هيئة رئاسة المجلس. وكان في مواجهة دائمة مع كتلتي المؤتمر والإصلاح اللتين شكلتا ثنائياً ضد أي مشاريع أو قوانين تهدف لإنهاء الفساد والاستبداد وسيطرة القوى التقليدية المهيمنة على جهاز السلطة.
وفي مرحلة ما بعد حرب 94، وتحديداً في المؤتمر الخامس للحزب، كان "مقبل" هو المؤسس الحقيقي للحزب الاشتراكي الجديد، نافخاً الروح في الحزب الاشتراكي اليمني بعد فرار الكثير من قياداته التاريخية وتبعات حرب 94، وتصدى في ذلك الوقت لأكثر الحملات ضراوةً وتوحشاً ضد الحزب، وبالأخص من الأجهزة الأمنية، وبعض قيادات التجمع اليمني للإصلاح ومنابره الإعلامية.
ظل عُباد أميناً عاماً للحزب الاشتراكي حتى عام 2005.

مواقف ثابتة
خلال فترة التأميم التي شهده جنوب الوطن، كان الرجل من عائلة ميسورة، وتولّى بنفسه التأميم فيها لصالح التغيير الثوري، وعاش بعدها إنساناً متحرّراً من كل الأطماع الشخصية، وبالفعل كان أنموذجاً فريداً مبهراً.
وفي فترة الصراع الذي دار بين الرفاق، وفي منعطفات كثيرة، سجل عُباد مواقف رائعة، كحماية العديد من رفاقه وآخرين في حُمَّى التصفيات.
ففي منتصف السبعينيات على سبيل المثال تعرض المناضل والمفكر اليساري العظيم عمر الجاوي للاعتقال, وعندما علم "مقبل" تحرك إلى مكتب المسؤول الأمني، ولم يخرج إلا رفقة الجاوي.
وبعد استشهاد "سالمين" عام 78 جرت اعتقالات للقيادات القريبة منه، وطالت التصفية العديد منهم، وكان نصيب «مقبل» الاعتقال.
خرج من الزنزانة قبيل كارثة 13 يناير 86 مع آخرين من رفاق سالمين، كالفقيد الكبير عبد الله صالح البار، وسالم باجميل، وحسن باعوم، وغيرهم.
ظل "مقبل" محتفظاً بكبريائه، لم تنل منه الزنزانة والتنكيل والتهميش الذي تعرض له من قبل حركة ثورية وحزب سياسي أسهم بنصيب وافر في بنائه منذ اللبنات الأولى. وكان مقبل الذراع اليمنى للزعيم الوطني سالم ربيع علي. خرج من دولة حزبٍ ساهم في وصوله إلى السلطة، ليجد نفسه في الزنزانة.
في الشمال، احتفظ الرجل بتاريخه الوطني، ومواقفه اليسارية، ولم ينخرط في اللعبة التي كان يجيدها بمهارة علي عبد الله صالح، لإيقاع الآخرين في شباكها.
خلال الفترة الانتقالية 90 -94 جرى اغتيال أكثر من 150 من كوادر الاشتراكي. وضمن سياق حملة التصفيات تعرض "مقبل" لأكثر من محاولة اغتيال، أبرزها في أبين بواسطة طارق الفضلي، أحد قيادات القاعدة، ونسيب قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر.
وفي مرحلة الانتخابات الرئاسية عام 99 تقدم الفارس الوحدوي علي صالح عُباد بترشيح نفسه للرئاسة، لكن البرلمان رفض تزكيته، بأوامر مباشرة من علي عبدالله صالح وعبدالمجيد الزنداني.
ومع اندلاع الحرب الأولى في صعدة عام 2004, وقف عُباد بكل قوة ضد هذه الحرب الظالمة ونظم اعتصاماً في جامع الشوكاني. وحين أغلقت السلطات الجامع، فتح "مقبل" مقر الحزب الاشتراكي للمعتصمين ضد هذه الحرب.
وتواصلاً للسلسلة الطويلة من مواقفه المشرفة، أعلن "مقبل" رفضه المطلق للعدوان الأمريكي السعودي على وطنه اليمن منذ لحظاته الأولى، كما رفض المساومة بمواقفه الوطنية مقابل العلاج في الخارج، وأصر على البقاء في الوطن، حيث رفض الفقيد الانتقال للعلاج في الخارج عبر أي مدينة أخرى يسيطر عليها الاحتلال.