الـ"4g" متعثر من عام 2009 لأن اليمن يسير بقانون اتصالات ما قبل الهاتف النقال ... خدمة الإنترنت الأشهر في اليمن بلا قانون
- تم النشر بواسطة غازي المفلحي/ لا ميديا

غازي المفلحي/ لا ميديا -
إن الإنترنت اليوم حاجة لا غنى عنها بالنسبة لليمنيين، كغيرهم من بقية شعوب العالم، ومن بين وسائل الحصول على هذه الخدمة في اليمن تقف شبكات الـ"واي فاي" المنتشرة في الأحياء والشوارع، ويملكها مواطنون، على رأس مقدمي الخدمة، وبالرغم من الفائدة الكبيرة التي تقدمها، والسهولة التي أحدثتها في الحصول على الإنترنت للهواتف النقالة، وإنقاذها للمستخدمين من خدمة الـ"3G" الباهظة الكلفة التي تقدمها شركات الاتصالات، ووضوح كونها سوقاً مربحاً على مستوى الاستثمار الفردي أو الحكومي المؤسسي، إلا أنه يلاحظ أن هناك غائباً كبيراً عن سوق الاستثمار التقني هذا، وهو القطاع الحكومي ممثلاً بالشركة اليمنية للاتصالات الدولية (تيليمن)، فهي لا تنافس أو تضع بديلاً في تقديم هذه الخدمة بنسخ متطورة؛ وبشكل أفضل، يواكب تطور العالم في تقنية الإنترنت، ويفتح للشركة أبواب الفائدة الوطنية، التي يستحدثها التطور التكنولوجي، ويربح منه كل من عرف مكامن القيمة والربح الجديدة.
خسارة مستحقة للحكومة
تنتشر اليوم في العاصمة صنعاء مئات شبكات الـ"واي فاي" كاستثمارات صغيرة مربحة ورائجة أنشأها مواطنون تفطنوا إلى سوق الخدمة الجديد السهل الذي سمحت به التقنيات التكنولوجية، والذي كان يحتاجه الناس، وقد بدأ انتشارها الكبير من عام 2013. ويمكن لأي شخص أن يستفيد من خدماتها بشراء الكروت الخاصة بها والتي تحمل بيانات وكلمات مرور تسمح بالدخول إلى تلك الشبكات واستخدام الإنترنت عبرها لمدة زمنية معينة أو لمساحة تحميلية محددة بحسب طلب الزبون لنوع الكرت وقيمته، وتدشين هذه التجارة ليس بالأمر الصعب، فكل ما يتطلبه الأمر هو طلب خط أو أكثر من المؤسسة العامة للاتصالات نوع (ذهبي سعة 4 جيجا، قيمته 29 ألفاً و800 ريال، أو خط سعة 8 جيجا لمن يريد سرعة وسعة أكبر) لعدة مرات في الشهر بحسب الاستخدام، وشراء هوائيات البث الصغيرة، الأنتينات (أجهزة مودم بقوة تغطية كبيرة) سعر الجيد منها 80 دولاراً (تم منع وتضييق بيعها حالياً لأسباب سيناقشها التقرير)، وجهاز خاص بالإدخال والتوزيع (ميكرو تيك) تتم برمجته حسب ما يريد صاحب الشبكة، ومن ثم يبدأ في البث في الأحياء وبيع كروت الأذونات بالدخول لتلك الشبكة، وقد تصل أعلى تكلفة لمن يريد إطلاق شبكة "واي فاي" منظمة وقوية تغطي حياً أو عدة مربعات سكنية، وتدر أرباحاً كثيرة، تصل إلى 3 ملايين ريال يمني، بينما الصغيرة منها قد تقام بـ500 ألف ريال يمني.
وكمواطن بسيط فإن الأغلب مستفيد وممتن لهذه الشبكات التي سهلت وصول الإنترنت له بعملية واحدة، وهي الذهاب للبقالة وشراء كرت شبكة، والتي كذلك تقدم له مساحة التصفح والتحميل بسعة 150 ميجا بـ100 ريال، بينما تقدمه أرخص شركات الاتصالات الوطنية بـ750 ريالاً بنظام الـ"3G"، وإذا كان هناك شكوى منها فهي من محدودية الأداء، سرعة ومساحة تحميل واستخدام، وكذلك قصور في التواجد والانتشار، فكثيراً ما تجد أشخاصاً متناثرين في الأرصفة وعند زوايا المنازل ليلاً أو نهاراً لأجل استخدام هذه الشبكات التي لا تصل إشارتها بشكل كافٍ إلى منازلهم، أما عن وضعها القانوني وأمانها على بياناتهم وسلامتها الصحية والأمنية، ولماذا لا يحظون كمواطنين بهذه الخدمة بصورة أفضل تقدمها الشركة اليمنية للاتصالات (تيليمن)، تفيد المؤسسة الوطنية والمواطن، أو على الأقل أن تنظم هذه الخدمة وتضع لها معايير تزيد من كفاءتها وفائدتها للمستخدم، وكذلك لتنظيم العلاقات بين الشبكات نفسها لمنع المشاكل التي حصلت بين مالكيها في بعض الأحياء، ووصلت للقتل بسبب محاولة احتكار والسيطرة على المناطق، فهذه تساؤلات يضعها التقرير ويبحث عن إجابتها في حديث الصحيفة مع مسؤولين ومختصين في هذا المجال، وفي الشركة اليمنية للاتصالات.
الخدمة الأكثر شهرة بلا قانون
جميع شبكات الـ"واي فاي" الموجودة الآن في العاصمة وغيرها من المدن، غير مرخصة، ولا يوجد قانون ينظمها، وليس لديها سجل تجاري وبطائق ضريبية، ولكن يجري العمل حالياً بين المؤسسة وأمانة العاصمة على سن تشريعات ووضع قوانين تلزم هذه الشبكات بقطع تراخيص وتنظم عملها.
هذا هو وضع شبكات الـ"واي فاي" القانوني حالياً، حسب المؤسسة العامة للاتصالات، وحسب مسؤولين في المؤسسة، فإنه لم يتم إيقاف هذه الشبكات، ولن يتم حالياً حتى يتوافر البديل لها.
القانون الذي جرت عدة اجتماعات لبحثه سينظم عمل الشبكات ليكون لديها سجل تجاري وبطاقة ضريبية وبطاقة زكوية باعتبارها نشاطاً تجارياً، حتى يستفيد المواطن ومالك الشبكة والدولة من هذه المؤسسات بصورة قانونية وسليمة، فالمؤسسة العامة للاتصالات تمثل مصلحة وطن ككل وليس أشخاصاً أو جهات، وهدفها تقديم الخدمة قبل الربح، هذا ما صرح به لـ"لا" نائب مدير عام فرع الأمانة للشؤون الفنية في "تيليمن" المهندس عمار النصيري، والذي قال إن التحرك في هذا الاتجاه قد بدأ منذ وقت مبكر من ظهور الشبكات، إلا أن الظروف التي خلقها العدوان والحصار تعيق أي تحرك لأي عمل تنظيمي ومؤسسي حالياً، وأن أي تحرك يجب أن يكون مدعوماً بالبدائل الأفضل للمستخدمين.
وبالنسبة لغياب الشركة الوطنية عن الحضور في هذا المجال، قال المهندس النصيري إن المؤسسة العامة للاتصالات تمثل إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، ويجب أن تنزل إلى السوق بقوة في أية خدمة تقدمها للجمهور، أو فالانتظار أفضل، وأن خطط المؤسسة وقراراتها في عدة جوانب مرتبطة بمجلس النواب ومجلس الوزراء وتشريعاتهما، وكذلك قانون الاتصالات اليمني. والمؤسسة تنتظر تمكنها من إطلاق خدمة الـ"LT" ما تعرف أيضاً بالـ"4G"، وهي خدمة متطورة كان يفترض أنها قد دشنت في اليمن لولا بعض العوائق، أكبرها العدوان، وينقصها تجهيزات خاصة أيضاً. وأضاف النصيري أن المؤسسة محرومة حتى من استيراد الكابلات أو المقسمات، والعمل الآن إنما يجري بالموجود من السابق، ومحاولة الاستفادة منه إلى أقصى حد ممكن حتى تستمر المؤسسة في تقديم الخدمة للمواطنين رغم الحرب الشاملة ضد اليمن ومؤسساتها، والمؤسسة العامة للاتصالات إحدى أهم هذه المؤسسات.
فشل سبب فشلاً
إن البحث خلف غياب التنظيم لشبكات الـ"واي فاي"، يقودنا إلى جذور المشكلة الوطنية الكبيرة، وهي أن اليمن لم يتمكن من سن قانون جديد للاتصالات يواكب المتغيرات التكنولوجية والتجارية الحديثة، ومنذ العام 2009 والفشل قائم في تقديم مشروع قانون الاتصالات الجديد إلى مجلس النواب، وقد تم اتهام أطراف لم تسمّ حينها بعرقلة المشروع.. وكان ينتظر إقرار قانون الاتصالات الجديد من مجلس النواب، حتى يبدأ تنفيذ خدمة ونظام الـLT"" وتقديم خدمة إنترنت من أجيال اتصال متطورة وأكثر من مجرد خدمة الـ"wi fi"، بل خدمة الـ"4G" والـ"wi max"، وتكون حصرية على الشركة اليمنية للاتصالات (تيليمن)، لكنه لم يقر، فحصل خلاف بين الشركات المحلية على من يمتلك ويدير النظام، وهي الثغرة التي وجدت بسبب عدم وجود قانون اتصالات جديد يحدد من المخول بالامتلاك الحصري للخدمة.. ثم تجمدت الأمور منذ 2009 حتى دخول اليمن منظمة التجارة العالمية عام 2014، وكان منتظراً أن هذا الانضمام سيحرك الاقتصاد الراكد، وستنتشر الاستثمارات في كافة المجالات، ومنها الاتصالات، إلا أن العدوان جاء في العام التالي، وعزل اليمن عن العالم.
وفي ظل حالة اللاحركة في قطاع الاتصالات بشكل عام، والإنترنت بشكل خاص، ومع التزايد الملح على طلب الإنترنت، انتشرت شبكات الـ"واي فاي" كعمل فردي وجد أصحابه له رواجاً كبيراً في غياب أي دور آخر مؤسسي حكومي أو خاص في المجال التقني الجديد والسريع والسهل والمطلوب من المستخدمين.
وفي مطلع يناير من العام الحالي، طلب مجلس الوزراء من وزارة الاتصالات سرعة إنجاز عملية تحديث وتطوير مشروع الاتصالات المسحوب من مجلس النواب، وإعادته للحكومة لإقراره، ثم إعادته إلى البرلمان لمناقشة إقراره. وقيام الوزارة بالتنسيق مع الوزارات المعنية بمخاطبة الدول الأجنبية والعربية والمنظمات الدولية لممارسة ضغوطها على تحالف العدوان للسماح بدخول تجهيزات ومعدات الاتصالات وأنظمة المعلومات، واعتبار مواقع وتجهيزات الاتصالات وبناها التحتية مناطق محمية بموجب قوانين حقوق الإنسان.
مصير شبكات الـ"wi fi"
تحدثت "لا" مع المهندس في "تيليمن" حسن الصديق، الذي قال إن الشبكات تقدم للناس خدمة سهلة وسريعة، ولكن لا يوجد فرق بينها وبين الخدمة التي تقدمها الشركة، فهي توصل خط الهاتف مع الإنترنت إلى أي منزل خلال 24 ساعة، حسب الصديق، ويمكن لمن يتصل على الرقم 114 أن يطلب ويحصل على الإنترنت إلى المنزل، وبدون أن يبقى في الأرصفة يبحث عن تغطية، ويدفع كل يوم 100-200 ريال أو أكثر كقيمة الكروت التي تزيد في الشهر عن الاشتراك الذي سيدفعه لو أدخل لنفسه إنترنت منزلياً. كما أن لهذه الشبكات مخاطر تتعلق بالخصوصية، ومخاطر أمنية وصحية، فبيانات المستخدمين قد تكون معرضة للخطر والاختراق. كما أن لها آثاراً صحية، وكذلك مخاطر أمنية، كما تؤثر على إشارة الاتصال الهاتفي، وهناك أجهزة بث كبيرة خطيرة تستخدم للبث، وأصبحت ممنوعة تماماً وقانونياً.
وقال الصديق إن أجهزة البث (الأنتينات) كانت موجودة ودخلت قبل العدوان وتاجر بها نافذون في الدولة، لمعرفتهم أن تجارتها ستكون واعدة ورائجة، خاصة في ظل حالة الشلل في التقدم نحو خدمات أكثر تطوراً كالـ"4G" المتعثرة.
ويضيف: صحيح أن المؤسسة تضررت من هذه الشبكات مؤخراً، لكن إيرادها لم يتضرر بشكل عام، بل زاد، لأن الطلب على النت زاد كثيراً، والناس لا يعيشون بدون هذا التواصل القائم، ولأن هناك توسعاً عمرانياً وكثافة سكانية كبيرة خاصة في العاصمة، لكن الشركة خسرت هذا المجال الاستثماري أو ما كان بديلاً له، الذي كان سيساعد الشركة في الظرف الصعب الذي تمر به.
والقانون اليوم يخول الشركة منع هذه الشبكات وإيقاف الخدمة عنها، لكن هذا لن يحدث إلا إذا توافر البديل المناسب، والعمل يجري على حصر أصحاب الشبكات، وحصرهم سهل، لأن أصحاب الشبكات مزودون بالخط الذهبي (المفتوح)، وهو معروف أنه لا يطلب ويستخدم إلا لغرض تجاري، وإلزامهم بقوانين تنظيمية تجاه الشركة والمستخدمين، وتجاه بعضهم البعض، كتحديد مساحات تغطية كل شبكة وعدد مستخدميها، وبيع المساحة بالكيلومتر المربع لمنع التداخل، وحتى تصل الخدمة بشكل أفضل للمستخدم، كما تم تقييد ومنع استيراد وبيع أجهزة بث شبكات الـ"واي فاي".
من خلال تحرك الشركة اليمنية للاتصالات يظهر أن شبكات الـ"واي فاي" ستبقى حالياً مادام أنه ليس هناك بديل لها، وأن قدوم البديل قد يتأخر ومرهون بعوامل داخلية وخارجية معقدة، لكن سيكون هناك تنظيم لعمل هذه الشبكات وتقييدها والحد من التوسع والانتشار، وهو ما ترجمه منع بيع أجهزة البث الخاصة بها (الأنتينات)، ما دفع أصحاب الشبكات للعمل على تشكيل نقابات لحمايتهم، وهناك نقابتان لأصحاب شبكات الـ"واي فاي"، لكن الشركة لم تعترف بهما، ولم تقابلهما حتى الآن.
يقف المستخدمون مع أصحاب شبكات الـ"واي فاي"، والكثير ممن قابلتهم "لا" قالوا إن خدمة الشبكات وفرت عليهم كثيراً من المعاناة، وأن من غير المنطقي وقفها في ظل عدم وجود بديل أفضل وينافسها في السرعة والسهولة والتكلفة، وأن الخطوط المنزلية تقدم خط إنترنت بطيئاً للغاية في اشتراكاتها الصغيرة، وأن السريعة منها تحتاج اشتراكات بمبالغ كبيرة مقارنة بخدمة الشبكة.
بالقرب من هذا الموضوع، ولكن في اتجاه خطير للغاية، تكاد مؤامرة كبيرة على الشركة اليمنية للاتصالات أن تكتمل، فقد أصدرت حكومة المرتزقة في 13 يناير الماضي، أمراً بنقل "تيليمن" إلى عدن.
إلا أن ما يعيق إتمام النقل، حسب المهندس حسن الصديق، هو أن التجهيزات الفنية والمعلومات الخاصة التي بيد المؤسسة في الارتباطات الدولية، هي من صنعاء، وحتى الشركة التي تم إنشاؤها في عدن باسم "عدن نت"، أنشئت بعقد تحت اسم الشركة اليمنية للاتصالات صنعاء، وحسب المهندس الصديق، فإنه لا يزال لدى النظام السعودي مبلغ 300 مليون دولار قيمة تبادل الاتصالات، ويريد تسليمها للمرتزقة، والشركة التي يقوم بعمل تجهيزاتها في عدن.
لا يبدو بعيداً أن موهبة التحالف السعودي في شراء الدول بكل قوانينها وارتباطاتها، وإغراءاته لضعاف النفوس من اليمنيين، قد تمكنه من إتمام عملية النقل هذه، ليدخل العدوان اليمنيين إلى فصل جديد من المعاناة والعزلة.
المصدر غازي المفلحي/ لا ميديا