ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

دافيد ويرينغ @
إن الدعم القادم من المملكة المتحدة قد عزز أسوأ كارثة إنسانية في العالم. هذه الحرب هي حربنا. 
استعرض تقرير"حرب بريطانيا الخفية" للقناة الرابعة، مساء الأحد، عمق مشاركة المملكة المتحدة في حملات القصف على اليمن التي تشنها السعودية. وأكدت شهادات عدد من الذين تم إجراء مقابلات معهم، ما كنت أنا وبعض المراقبين نقوله لبعض الوقت: إن واشنطن ولندن كان بإمكانهما أن تسحبا القابس (بمعنى سحب الدعم بحسب الاصطلاح الإنجليزي) من على حملات السعودية في أية مرحلة من السنوات الماضية. 
وفي ظل صفقة أسلحة موقع عليها من قبل الحكومة العمالية الجديدة، زودت بريطانيا السعودية بأسطول من الطائرات العسكرية التي من طراز تايفون، إضافة إلى الدعم المستمر بالذخائر والمواد والتدريب، وكذلك الدعم التقني الضروري لتستمر هذه المقاتلات في العمل. ما يخلق درجة عالية من الاعتماد السعودي على الدعم البريطاني المستمر. 
أخبر تقني بريطاني سابق كان قد أقام في السعودية حتى وقت قريب، قناة 4 بأنه إذا تم سحب هذا الدعم عندها لن يكون هناك أية مقاتلة تحلق في السماء "في اليمن في مدة تتراوح بين 7 إلى 14 يوماً. وأعلن ضابط سعودي سابق في القوات الجوية بشكل قاطع أن أبناء بلده لا يستطيعون إبقاء مقاتلة تايفون في الجو دون وجود البريطانيين، وأنه رغم أن المقاتلات التي تزود بها الولايات المتحدة السعودية تلعب دوراً أساسياً؛ إلا أن التايفون البريطانية مهمة جداً جداً لدرجة أنه بدون التايفون سيتم إيقاف الحرب". 
دعونا نستذكر حجم المذبحة التي ساعدت بريطانيا في جعلها ممكنة: 60.000 يمني يقُدر وبشكل متحفظ أنهم قد قتلوا منذ عام 2016، غالبيتهم بسبب قصف التحالف السعودي الإماراتي. كما أن الأزمة الإنسانية التي من صنع البشر وسببها في المقام الأول الحصار الذي فرضه التحالف، قد أدت إلى أن نحو 85.000 من الأطفال الرضع يموتون من الجوع أو الأمراض التي يمكن الوقاية منها. وتحذر الأمم المتحدة من أن حياة 14 مليون يمني مهددة بما سيصبح أسوأ مجاعة في العالم خلال 100 عام بحسب تقديرها. 
تزعم حكومة المملكة المتحدة أنها ليست طرفاً في الحرب، وهذه مغالطة صارخة. فبريطانيا مساعد كبير في حملات القصف السعودية التي تمتاز بـ"هجمات ممنهجة وواسعة الانتشار" على الأهداف المدنية -بحسب قول محققي الأمم المتحدة- وسلسلة من الأعمال الوحشية بما فيها نماذج من جرائم الحرب المحتملة. قد لا تكون بريطانيا مقاتلاً رسمياً في الحرب (مع أنه يوجد الآن تقارير حول قوات خاصة تابعة للمملكة المتحدة تعمل على الأرض)، بيد أنها مشارك ومساعد لا يستغنى عنه. وإذا كان الدعم البريطاني يجعل من العنف السعودي ممكناً، إذن فهذا العنف هو عنف بريطاني أيضاً، جاعلاً بذلك المملكة المتحدة ملومة بشكل كبير على الخسائر البشرية. 
بالإضافة إلى أن هذا العنف يأتي من العنف الناشئ داخل ممالك الخليج. تعد "ذا جارديان" تقريراً حصرياً هذا الأسبوع عن التحقيقات السعودية الداخلية المسربة في تعذيب السجناء السياسيين، مما يبرهن مرة أخرى على أن الحديث عن "إصلاح" في ظل ولي العهد محمد بن سلمان، هو مجرد دعاية تغطي وتعتم فحسب على تكثيف حاد للقمع. وعلى ضوء هذه الإفشاءات أو التسريبات الأخيرة، إنه لمن المغري لنا أن نتحدث حول الممارسات البربرية لمملكة "القرون الوسطى"، ولعل ذلك يشكل تناقضاً مع "القيم الغربية". لكن السعودية هي نتاج حداثتنا في جزء صغير، وهي دولة عمرها أقل من 100 عام، تأسست في شكلها الحالي بناءً على دعم حساس من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. 
وخلال القرن العشرين وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، وفي فترة العقود الحاسمة من تشكيل هذه الدول كممالك خليجية حكمها راسخ، زودت واشنطن ولندن الأنظمة الخليجية بضمانات للأمن والأسلحة والتدريب لقوات الأمن التابعة لها. وهذا الأمر مكن السعوديين وزملاءهم من العائلات المالكة من سجن وتعذيب الخارجين عليها، وسحق كل المجابهين لهم وقمع أية احتمالية تغيير سياسي كما حدث مؤخراً في البحرين، العام 2011. ولطالما كان هذا العنف أمراً أساسياً للقوة الغربية في العالم. والممالك الخليجية لعبت ببساطة دور المقاولين الفرعيين التابعين لنا. 
في اليمن، ساعدت بريطانيا في خلق أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وهذه مسألة حقيقية لا جدل فيها ومسألة إلحاح شديد. ولقد مضى وقت طويل على هذا البلد ليواكب مسؤولياته، والطبيعة الحقيقية لدوره في العالم. 

* مختص في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة
ذا جارديان 3 أبريل 2019