حاوره: طلال العامري / لا ميديا -

نجم امتاز بقوته وبأهدافه النارية وحسم المواجهات في اللحظات القاتلة.
مقاتل من زمن الفرسان، عصر الكتيبة الحمراء... ومحاور شجاع قادم من زمن البطولات والإيثار والحب العبق لمعشوقته، كرة الجحملية الناثرة ذكرياتها الجميلة على مرمى ربوع اليمن.

 كيف كانت انطلاقتك الكروية كابتن جميل؟
بدأت أمارس لعبة كرة القدم من الحارة ثم في المدرسة وفي عام 1979 انضممت لنادي أهلي تعز ولعبت معه في صفوف الفريقين الثالث والثاني، ولعبت حينها عدداً من المباريات وبالذات أمام فريق المجد القادم من صنعاء، وفي عام 1980 تم تصعيدي للفريق الأول الذي كان يدربه المرحوم عبدالله عتيق.

رغم نجوميتك اللامعة إلَّا أنك كنت بعيداً عن المنتخبات الوطنية.. لماذا؟
تم استدعائي في منتصف الثمانينيات للمنتخب، لكن لم ألتحق بمعسكر المنتخب، وذلك بسبب ظروف وحساسيات جعلتني لا أهتم باللعب مع المنتخبات حينها.

مشهد سلبي يتكرر
 ما هي الظروف والحساسيات التي منعتك من هذا الأمر؟
المجاملات والمحسوبية التي كانت تجري في مسألة اختيار اللاعبين للعب مع المنتخبات. ودعني اضرب لك مثالاً في هذا الجانب: عام 1986 تم استدعاء لاعب وحدة صنعاء صلاح السيد لقائمة المنتخب، وفي آخر يوم -يوم السفر- تم استبعاده من المنتخب وضم لاعب أهلي صنعاء محمد اليريمي الذي عاد قبل سفر المنتخب بيوم من العاصمة المصرية القاهرة، وهذا أمر مستفز أن تستبعد لاعباً خاض معسكراً تدريبياً طويلاً وتضم لاعباً لم يتدرب مع المنتخب، وذلك بسبب أن الاتحاد ينتمي للون ناديه. هذا الأمر يتكرر بمشهده السلبي منذ الثمانينيات وحتى اليوم، وخير مثال ما حصل مع الخبير الألماني سبتلر عام 2002 الذي جهز وأعد منتخباً يمنياً للناشئين وبعدها تم استبعاده بطريقة غريبة وإعطاء المنتخب للمدرب أمين السنيني الذي حصد مجهود ونجاح سبتلر بكل بساطة مع منتخب الأمل.

تدرُّج بطولي
 حدثنا عن بطولة العام 1986 التي أحرزها فريق أهلي تعز!
في العام 1984 أحرزنا المركز الثالث، وفي 1985 أحرزنا المركز الثاني، وفي 1986 توجنا ببطولة الدوري العام، وهذا تدرج بطولي، حتى اليوم مازال الكثير يتذكرون ويتحدثون عن أهلي تعز، والسبب بطولة 1986 وما سبقها من تحقيق مراكز متقدمة في الدوريات.

غادرت الملعب قبل المباراة
 ما هي عوامل هذا المجد الأهلاوي؟
كان أهلي تعز فريقاً متكاملاً ويشكل رعباً للفرق الأخرى، نتيجة لأدائه القوي الذي لا يستهان به في ذلك الوقت. كان الفريق الأول يضم أكثر من 50 لاعباً، وكان المدرب يحتار في اختيار التشكيلة. ففي إحدى المباريات كنت أساسياً في تشكيلة المدرب عبدالله عتيق وفجأة لم أجد اسمي في القائمة قبل المباراة بلحظات، فأخذت نفسي وغادرت الملعب وتوجهت إلى البيت، وبعد المباراة اتصل بي المدرب عتيق وقال لي: لماذا غادرت الملعب؟ فقلت له: لم أجد اسمي في التشكيلة، فقال لي: يا مجنون أنت رأس حربة ولاعب رئيسي في الفريق.

هبطنا للدرجة الثانية بعد زيارة الإمارات والسعودية
 ما سبب هبوطكم في موسم 1987؟
بعد إحرازنا بطولة الدوري ذهبنا إلى الإمارات لإجراء مباريات ودية، ثم ذهبنا إلى السعودية للمشاركة في البطولة العربية لأبطال الدوري، وهناك حدثت مشاكل بين اللاعبين، وعند عودتنا اهتم اللاعبون بمشاكلهم ولم يهتموا باللعب، والكثير منهم ترك اللعب نهائياً في ذلك الموسم، وهو ما أدى لهبوط الفريق. وأي ناد سيتدمر وليس فقط سيهبط إذا كانت مشاكله من أبنائه.

فريق كل اليمن
 هل كان الأهلي التعزي حكراً على أبناء منطقة الجحملية؟
بالعكس، كان الأهلي فريق تعز واليمن كلها.. عبدالملك ثابت أتى من عدن وشجع في البداية الطليعة ولعب للأهلي. مطهر ثابت من الكامب وفريق كرة السلة من حوض الأشراف وفريق الطائرة من الشماسي وجمهور الأهلي في كل بقعة باليمن وخارجه.

جيل السبعينيات الأفضل
 ما هو الفرق بين جيلكم والجيل الحالي؟
جيل اليوم رغم الإمكانيات المتوفرة لهم وصرف الرواتب إلَّا أن اللاعب لا يعتمد طويلاً في اللعب. أنا لعبت منذ 1980 في الفريق الأول لنادي أهلي تعز ولم أترك اللعب إلا نتيجة الإصابة القوية عام 1990. كنا نلعب بدون أن نتلقى رواتب من النادي، بل العكس كنا ندفع للنادي الاشتراكات الأسبوعية والشهرية. وللحق كان جيل السبعينيات أفضل منا. نحن في الثمانينيات تطورنا عنهم نسبياً، بينما كان لاعب السبعينيات يلعب بالحذاء الرياضي ثم يودعه بالنادي ليلعب به لاعب آخر. أخي الأستاذ محمد حبيش لعب في السبعينيات مع الأهلي، وكذلك شقيقي علي حبيش الذي عاصرنا أيضاً في الثمانينيات. كان أهلي تعز يمتلك نجوماً عظماء مثل عبدالله العسولي وعلي جمال وجميل الحمامي وعبدالعزيز القاضي وجميل قاسم وعلي أحمد سعيد والنهمي وغيرهم من الكوكبة العظيمة الذين لا يسعنا هنا أن نذكرهم، لأننا سنحتاج مساحة كبيرة من صحيفتكم للحديث عنهم.

ضرورة الدعم
 هل واجهت مسألة الفارق بين الأجيال عندما كنت ضمن إدارة الأهلي منذ سنوات؟
نعم، عندما كنت في الإدارة سيرت أموراً كثيرة كانت معقدة. كان اللاعبون لديهم عقود بمبالغ كبيرة، هذا غير الرواتب الشهرية، وكانت أمور النادي المادية ضعيفة جداً لولا مساعدة رجل الأعمال عبدالرؤوف مرشد لنا عندما جاء لرئاسة النادي. بالنسبة لي لم أكن أفكر بالإدارة حتى جاء عبدالرؤوف مرشد. كرة القدم اليوم تحتاج الداعم، وحققنا في تلك الفترة صعود الفريق من الدرجة الثانية إلى الأولى بفضل الله أولاً وبفضل عبدالرؤوف مرشد رئيس النادي وبقية الإدارة مثل علي ناجي الرعوي نائب رئيس النادي وعبدالعزيز طه والمرحوم عبدالملك ثابت.
في فترة تواجدي بإدارة النادي كنت ألاحظ مدى الهوة القائمة. ودخلنا بخلافات مع اللاعبين بسبب الرواتب التي كانت تصل ما بين 100 و150 ألف ريال للاعب، وخزنة النادي لا تكفي ولا موارد النادي الاستثمارية تفي، فقد كان إيجار المحل الواحد بمبلغ 50 ألف ريال.
وفي المباراة أمام فريق المجد الذي كان ينافسنا على الفوز بالدوري عام 1986 سجلت هدفين وصنعت هدفاً للمرحوم مطهر ثابت، حتى أن فريق المجد بعد هذه المباراة نزل لتشجيع فريق شعب إب في مواجهتنا له في آخر مباراة في الدوري بملعب الشهداء، حيث كان المجد يريد هزيمتنا ولا غير حتى يحرز هو اللقب، لكن وبحمد الله فزنا على الشعب بهدفين نظيفين وتوجنا باللقب.

هدف على الطائر
 ما هو أفضل هدف سجلته في مسيرتك الكروية؟
هدفي في مرمى شعب إب في الموسم الذي حققها فيه البطولة، حيث أرسل لي الحارس محمد ناجي الكرة الى منتصف الملعب وقد استغللت الرياح حينها وسط تحذير وصراخ مدرب شعب إب أحمد علي قاسم للاعبيه من خطورة هذه اللعبة. سددت الكرة نحو الشباك على الطائر وأحرزت الهدف، وفي هذه المباراة حدثت مشاكل بعد إحراز الحاج الصباحي هدف شعب إب في مرمانا، وكان مدافع فريقنا محمد طه يركض خلفه ويصيح يا... هدفته بيدك مش برأسك. قبل أن أحضر إلى صحيفتكم التقيت بالحاج الصباحي في شارع التحرير، وتحدثنا عن هدفه فكان يضحك وقال لي كيف أنه خدع الجميع بالهدف الرأسي وأنه سجله باليد من أمام القائم.

موقف طريفة
 أكثر موقف أضحكك؟
كان بحصول كابتن الفريق عبدالعزيز القاضي للكرت الأصفر الأول والأخير في مسيرته الكروية بعد أن نادى أحمد عبده الغنمة بـ"يا غنمة" وظن الحكم حينها أنها شتيمة لزميلنا الغنمة وأشهر للقاضي الكرت الأصفر الثاني، وذلك أمام فريق المجد عام 1986. وموقف آخر في نفس الموسم عندما طلب المدرب عتيق من زميلنا علي المحويتي أن يسخن وأول ما نزل إلى الملعب أطلق الحكم صافرة النهاية.

 وموقف طريف؟
قبل لقائنا مع الوحدة الصنعاني بيوم، اتصل بي مهاجم الوحدة عبدالناصر عباس وطلب مني أن نتغيب نحن الاثنان عن المباراة، فقلت له: طيب موافق ومنتظرك بكرة تجي تتغدى عندي ونخزن. وأول ما نزلت للمباراة وجدته داخل الملعب مع فريقه يستعد للمباراة، وفي تلك المباراة سجلت هدف التعادل من خارج منتصف الملعب.

رفضت عروضاً من أجل تعز
 هل تلقيت عروضاً للعب خارج مدينتك؟
نعم، تلقيت الكثير من العروض من أندية إب وصنعاء. لكن كيف لي أن أغادر أهلي تعز وأنا أمامي الطليعة والصقر ونجوم كبار تمتلئ بها المدينة وأخوض أمامهم مباريات قوية؟!

شوقي هائل حارب الأهلي
 اشتهر الأهلي في زمانكم بديربي الحالمة امام الطليعة.. هل كان هذا الديربي الوحيد في المدينة؟
طبعاً كان الديربي الوحيد في تعز، وقد يكون الأقوى على مستوى الديربيات في فرق المدينة الواحدة على مستوى الجمهورية في السبعينيات والثمانينيات، نتيجة تميز الفريقين بقائمة طويلة من اللاعبين الكبار. لم يكن الصقر حينها قوياً. كان يصعد سنة ويهبط السنة اللي بعدها، حتى أتى شوقي هائل لرئاسة الصقر رغم أنه كان قبلها طلعاوياً، وبدأ بشراء لاعبي الأهلي وإغرائهم بالأموال، ومن لحظتها فقدت المدينة نكهة الديربي بسبب هبوط الأهلي والطليعة المستمر، غير الحرب والضرب من تحت الحزام الذي تلقاه النادي الأهلي، حتى أن شوقي هائل صرح ذات مرة بأنه يكره اللون الأحمر، ويقصد أهلي تعز.

مصنع نجوم
 كيف تقيم إنتاج أهلي تعز للنجوم والأبطال؟
أهلي تعز مثل نموذجية إنتاج النجوم الكرويين. من يصدق مثلاً أن الأهلي في فترات هبوطه وصعوده مازال ذلك النادي وحتى اليوم الصانع للنجوم ورافد الأندية الأخرى بهم، ومن بينها الصقر، وكذلك لكل مستويات المنتخبات الوطنية من براعم وناشئين وشباب وكبار، بالإضافة إلى الجماهيرية الرهيبة؟! كان من المفروض أن يكون للأهلي مدرسة كذلك في بقية الألعاب الرياضية الأخرى كـ كرة السلة والطائرة والشطرنج وألعاب القوى والكاراتيه والتايكواندو والجودو، التي خرج منها نجوم وأبطال تجاوزوا حدود الوطن.

 كلمة أخيرة كابتن؟
أشكر كل من مازال يتذكر جميل حبيش، وكل الجمهور الذي مازال يتذكر بطولة 1986، بطولة أهلي تعز التي لن تتزحزح من الذاكرة الكروية اليمنية رغم محاولة البعض محوها. كما أشكر صحيفة «لا» على هذا اللقاء ونبشها لذاكرة النجوم القدامى الذين قدموا للوطن الكثير والكثير.