علي نعمان المقطري / لا ميديا -

تتركز أولويات العدوان السعودي الأمريكي الراهنة في مجموعة من الغايات والأهداف والمساعي أبرزها:
1ـ حماية الحدود الجنوبية للسعودية، وإيقاف تقدم الجيش اليمني على الجبهات الشمالية وردعه عن مواصلة هجماته الصاروخية والجوية على المناطق الاستراتيجية في العمق العدواني السعودي الحيوي، ومحاولات احتواء تقدمه عبر الالتفافات الجانبية على مراكزه الحيوية بشن الهجومات الكبيرة لاختراق مؤخراته وجوانبه، وإقامة منطقة آمنة حدودية بعمق مناسب تفصل بين مناطق الطرفين، تكون أرضية لتسوية عار جديدة في تصوره. 
2 - ترسيخ احتلال المناطق الجنوبية الشرقية المحتلة المشبعة بالنفط والثروات التي تحتلها الآن ومن قبل، وتثمير ما تم تحقيقه واحتلاله من أراضٍ وبحار وجزر، ومحاولة الوصول إلى تسوية مؤقتة سياسية تفاوضية تملأ بها فراغ المرحلة القادمة التي تحتاجها لإعادة تنظيم قوى مرتزقتها والحصول على مصادر مرتزقة جديدة تعوضها عما استنزف وما دمر وما هلك وحطم من قواتها البشرية في معارك الأعوام السابقة.
 
 الاستعداد للمناورات السياسية 
هذ هو الهدف المركزي راهناً. والسعودية لا تريد استمرار المعارك على هذه الجبهة المواتية لتقدم الجيش اليمني وتعاون الحاضنة الشعبية اليمنية الواقعة تحت الاحتلال، واعتبارها مناطق محتلة يتوجب تحريرها من الاحتلال السعودي، حيث يهدف الجيش اليمني أن يضعها في مقدمة القضايا الصراعية الساخنة بين اليمن والسعودية في أي معركة قانونية سياسية لا بد أن تصل إليها الحرب في نهاية المطاف، باعتبارها وحدة أساسية تقع في قلب الأسباب الحقيقية للعدوان على اليمن، وكل تسوية قادمة تفرض لا بد أن تلامس الأسباب الحقيقية، ومنها المناطق المحتلة في عسير، نجران، جيزان، شرورة، الوديعة، البقع...  وهي ورقة قوية جدا في حال سقوطها كاملة بأيدي الجيش اليمني، فلا بد أن تُجبر العدو على الرضوخ إلى الحق كارهاً وصاغراً.
تأتي هذه التطورات بعد أن احترقت ورقة الحديدة، الساحل الغربي، من أيدي العدو السعودي الإماراتي الأمريكي، ودحره من قبل قواتنا خلال المعارك الطويلة في الأعوام الثلاثة الماضية. وقد ظل رهان العدوان قائماً على الساحل الغربي والحديدة طوال الثلاثة الأعوام الماضية التي انصرمت بالمزيد من الهزائم والنكسات.
وبناء على ذلك فالجيش اليمني يمسك الآن بالمبادرة الميدانية السياسية والعسكرية معا، وتتضاعف قدراته التسليحية البشرية والعددية والتقنية أكثر فأكثر يوماً عن يوم، ومعها تتضاعف مصاعب العدوان وتضيق فرصه في إيجاد مخارج آمنة من الغرق في رمال اليمن الذهبية وشعابه الجرداء.

أوراق تحترق تباعاً
كانت السعودية تناور سياسياً واستراتيجياً على أساس احتفاظها بالساحل الغربي واجتياح الحديدة وجعلها ورقة رابحة في أي تفاوضات سياسية محتمة، وباستخدام الحديدة والساحل الغربي والتهامي، بهدف وضعه في معادلة تفاوضية مع احتلال الجنوبين جنوب الشمال المحتل، سلفاً 34م وجنوب اليمن المحتل الآن 15م، وهما الاحتلال للجنوب اليمني الحالي في عدن والقديم في عسير ونجران وجيزان وحواليها.
استراتيجية التقابل والتبادل الجغراسياسي معادلات الساحل التهامي يقابل الجنوب والحديدة ميدي حرض تقابل تعز مأرب. 
كانت قد وضعت أمام أعين ابن سلمان/ ترامب لتكون استراتيجية تفاوضية دفاعية، في وجه تقدم الجيش اليمني على مسارح الشمال والجنوب.. لكن الشعب اليمني وقيادته رفضوا هذا الإذلال المهين وقرروا خوض الكفاح والصراع الضاري المميت، وفرضت استراتيجيات ثورية طويلة المدى. صراع وطني قومي إسلامي تحرري شامل عزيز مجيد، مهما تكن أثمانه، حدوده الدنيا العزة والكرامة والسيادة والاستقلال والحرية للأمة وللشعب اليمني العربي العظيم.

العدو يجتر أساليب الماضي البغيض
كانت العقلية السعودية الأمريكية الكلاسيكية الجامدة تتصور أن اليمنيين يمكن أن يقعوا حتماً وأن يكرروا الأخطاء نفسها، ويقعوا في الورطة القديمة نفسها في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، حين غدر بهم بعض أبناء قومهم وأهلهم وبعض إخوتهم طمعاً وضلالاً حتى أدخلوا واستدرجوا إلى حرب غادرة خاسرة سلفاً لتحرير نجران وعسير وجيزان، ضمن خطة مسبقة رسمها المحتل البريطاني لتحقيق أهدافه ونفذها عبر الوكيل المحلي ابن سعود والوهابية لمنع اليمن من الاستقلال والتوحد. كانت تريد إبقاء اليمن ممزقاً ومفتتاً متشرذماً ضعيفاً محترباً مع نفسه يسهل أكله والتهام أقسامه قسماً قسماً، والسيطرة على ما فيه من ثروات هائلة، واستغلال موقعه الجغراستراتيجي وسواحله وبحاره وجزره وموانئه وتكريسه مستعمرة بريطانية واسعة وسوقاً استهلاكية لسلع الإنجليز ومتاعهم ومصدراً للمواد الأولية الرخيصة الثمن وموقعاً للتحكم بطرق التجارة العالمية... وتهيئة المنطقة كلها لقيام كيان "إسرائيل" اللقيطة وإبقائها مجالاً للاستغلال والتصريف، ومنع أو السيطرة على رد الفعل الإسلامي العربي، بالسيطرة على أصل العرب وقاعدة الإسلام والأنصار والإيمان ومنبت الحضارة الإنسانية وشيعة محمد وناصريه.
فاتجهت السعودية البريطانية إلى احتلال الساحل الغربي والحديدة، واستكملت احتلال بقية مناطق الجنوب التي كانت قد توهمت الأقلمة والاستقلال العشائري والحكم الذاتي والانعزال الطائفي المذهبي البغيض الذي بثته الوهابية الإخوانية بين أوساط المسلمين العوام. واستكملت بريطانيا احتلال محميات الجنوب. كل هذا كان مدفوعا بدراسات علمية استكشافية للأراضي والصحارى والسواحل والجزر اليمنية التي أكدت وجود كميات هائلة من النفط والغاز والمعادن الثمينة فيها، ووضعت حكومة الإمام يحيى بين فكي كماشة استعمارية دولية أمريكية- بريطانية- سعودية، وفرضوا الحصار حول اليمن براً وبحراً وجواً والحظر التام للاتصال بالعالم الخارجي.
وحشدوا قدرات عسكرية هائلة، لم تكن المنطقة قد رأتها من قبل، حيث تضمنت أحدث طرازات الطائرات والدبابات والمدرعات والبوارج لا يعرف ابن سعود لها اسماً، ولم يكن سوى رمز للاحتلال ووكيل له، وقد تعرضت القوات اليمنية للتدمير وخطر الإفناء في السواحل والصحارى المكشوفة، فلم يكن الجندي اليمني الخفيف التسليح لديه بنادق ألمانية قديمة.
كانت الحديدة قد تعرضت لقصف البوارج البحرية البريطانية فوق رؤوس سكانها وحاميتها الصغيرة التي أجبرت على الانسحاب إلى خارج المدينة.. وكان الاختراق البريطاني السعودي قد بلغ ذروته حين تمكن من تجنيد الأمير عبدالله الوزير وأخيه الأمير علي الوزير وجماعتهما من الإخوان والوهابية، وكانا يخدمان سراً السياسة البريطانية السعودية وعد بتمليكهما على اليمن بعد مساعدتهما في التخلص من حكومتها الشرعية الوطنية المستقلة، ومدهما بالأموال لإنجاز الانقلاب الفبرايري، مقابل أن يمكنا السعودية وبريطانيا العظمى من عسير ونجران وجنوب اليمن. وصور هؤلاء في أعين الإمام قوة العدو بأن من الاستحالة حربها وأن الضرورة تفرض عليه المساومة والتنازل. 
وكان الخائنان ممثلي الإمام في المباحثات السياسية حول الهدنة ووقف القتال والتوصل إلى اتفاقيات ومعاهدات.
وتؤكد المؤرخات التاريخية دور "الوزيرين" في خيانة الوطن اليمني والمساعدة في تسليم أراضيه إلى العدو وارتباط خيانتهما بالطموح المغرور إلى الملك على اليمن، وبدعم حركة الإخوان الوهابية في مصر والجزيرة العربية. 
 
 معادلات وتقابلات استراتيجية 
كانت المعادلة التي فرضها المحتلون علينا هي منحهم عسير ونجران وجيزان لمدة عشرين عاماً، والتخلي عن الجنوب والتوقف عن المطالبة به لأربعين عاماً قادمة يظل تحت السيطرة البريطانية، مقابل الانسحاب من الحديدة ووقف الحرب ورفع الحصار.
وكانت القوات السعودية كلها تحت القيادة البريطانية الأمريكية مباشرة من الجو والبحر وفي البر، وهو ما يؤكد أن السعودي مجرد مقاول حرب بالوكالة عن الأمريكي والبريطاني لا أكثر، كما هو اليوم.
وكان الإخوان/ الوهابية/ السلفيون/ المجاهدون زورا، تحت قيادة المستر الكولونيل جون فيلبي والمستر بيرسي كوكس، هم أدوات الحرب الاستعمارية البريطانية الأمريكية الصهيونية - كما هم اليوم. ولم تكن السعودية آنذاك دولة مستقلة. فكما هي اليوم كانت ومازالت كياناً استعمارياً بالوكالة للبريطاني والأمريكي الصهيوني. فالحرب العدوانية على اليمن التي ظلت تشن طوال قرنين كاملين، هي حرب إمبريالية استعمارية، البريطاني الأمريكي الصهيوني هم وراءها كأصحاب المشروع ومدرائه وأهله، وليسوا مجرد حلفاء متخادمين، بل هم السادة المالكون المسيرون الآمرون الناهون الحامون المغيرون المبدلون للملوك والأمراء وكل مسؤول في المملكة.