ترجمـة:  محمد زبيبة / لا ميديا-

بروس ريدل
يشكل استيلاء الانفصاليين الجنوبيين على عدن هزيمة كبيرة للحملة السعودية الهادفة لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي ‏إلى السلطة، فقد فقدت حكومة هادي  عاصمتها وأكبر الموانئ الجنوبية، وتحطمت قبضتها الضعيفة المتمسكة بالشرعية. 
إن هزيمة ‏السعوديين تمثل أيضا نافذة على تاريخ المملكة المعقد مع الانفصاليين الجنوبيين وحركة الاستقلال في عدن.

كانت عدن في القرن التاسع عشر مستعمرة بريطانية مهمة تقع على الطريق البحري الرئيسي من إنجلترا إلى الهند، وكانت تعتبر حتى عام 1947 جوهرة تاج الإمبراطورية البريطانية. وكانت عدن، في وقت عنفوانها، واحداً من أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم. وفي عام 1968، ‏تم حرفياً طرد البريطانيين من قبل حركة قومية عربية يقودها ماركسيون مدعومون من الاتحاد السوفييتي، وأصبحت جمهورية ‏اليمن الديمقراطية الشعبية الدولة الشيوعية الوحيدة في العالم العربي، وشملت هذه الدولة‏ مدينة عدن وسلطنات جنوب اليمن السابقة ‏التي حكمها البريطانيون بشكل غير مباشر كمحميات.‏
وكانت جمهورية اليمن الديمقراطية، بالنسبة للسعوديين، تمثل أسوأ كابوس، فهي دولة شيوعية جنوب المملكة متحالفة مع الاتحاد السوفييتي، لذا، وطوال عقدين من الزمن، دعم السعوديون جميع المؤامرات ضد الجنوبيين، بغض النظر عن مدى جنون منفذيها. 
في عام 1989، كانت نشوة انتصار المجاهدين في أفغانستان على الروس لا تزال تسيطر على أسامة بن لادن، الذي اقترح على القيادة السعودية أن ‏يقود هو الجهاد لتحرير الجنوب من الشيوعية. إلَّا أن الأمير تركي بن فيصل، رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك، رفض ذلك بأدب، بمبرر أن الجنوب كان ينهار من تلقاء نفسه.
وفي عام 1990، اندمج الجنوب مع جارته في الشمال تحت قيادة الرئيس علي عبد الله صالح، مكونين اليمن الموحد. لقد كانت الوحدة ضرورية، فقد كان النظام الشيوعي في الجنوب يعاني من الإفلاس تزامناً مع انهيار حليفه السوفييتي، لكنها مثلت جرعة سم للعديد من الجنوبيين. وفي وقت لاحق من العام 1990 انحاز علي عبدالله صالح ‏إلى العراق في أزمة الكويت وقام السعوديون لمعاقبته بطرد مليون عامل يمني.
بعد تحرير الكويت، بدأ السعوديون بالبحث عن حلفاء يسقطون بهم صالح، فالتفتوا إلى الجنوبيين. لقد خطط السعوديون للتمرُّد بقيادة ‏الانفصاليين الجنوبيين، بمن في ذلـك الشيوعيون السابقون، للإطاحة بصالح في عام 1994، حيث قامت الرياض سراً بتمويل الانتفاضة ‏وشراء أسلحة للمتمردين من السوق السوداء لأوروبا الشرقية، وقاد المتآمرين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع آنذاك، وابنه، سفير ‏المملكة في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان.
لكنها كانت مؤامرة فاشلة. فعلى الرغم من تمكن المتمردين من السيطرة على عدن لفترة وجيزة، شن صالح هجوماً مضاداً قوياً اكتسح به الجنوب، فتم إجهاض الخطط السعودية في غضون أسابيع، وتم سحق التمرد، ولم شمل اليمن في عهد صالح. لقد أهين الأمير سلطان وتخلَّى السعوديون عن الانفصاليين.
عندما وصل الربيع العربي إلى اليمن في عام 2011، انضم الانفصاليون إلى حملة الإطاحة بصالح، وكذلك فعلت الرياض، عدا أن مرشحها المفضل كان هادي، وهو من الجنوبيين الذين خدموا في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان قد تدرب ‏لسنوات في الاتحاد السوفييتي، وكان أحد الداعمين للمؤامرة الانقلابية الفاشلة عام 1986 ضد نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية وفر إلى ‏الشمال. وفي عام 1994، بقي مخلصاً لصالح، وكوفئ لهذا بتعيينه وزيراً للدفاع ثم نائباً لرئيس الجمهورية. ولهذا فقد رآه السعوديون بديلاً آمنا ‏لصالح.
لكنه كان كارثة على السعوديين، فقد طرد الحوثيون حكومته من صنعاء في أوائل عام 2015، مما استدعى التدخل السعودي والحرب ‏التي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم. والآن فقد هادي السيطرة على عدن، وأشعل الانفصاليون حرباً أهلية أخرى. وكعادتها تستمر السعودية في دعم الفاشلين.
لقد وجد الانفصاليون راعياً جديداً لهم: دولة الإمارات، التي عززت قوتها خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا يعني أن التحالف، الذي يقاتل «المتمردين الحوثيين» من الشيعة الزيدية، يقسم ولاءه بين أعداء رئيسيين. إن فشل التنسيق وإدارة التحالف يدل ‏على عدم الكفاءة الكاملة للحملة العسكرية بقيادة السعودية.
على الرغم من خبرتهم الطويلة في التعامل مع اليمن منذ تأسيس الدولة السعودية في أربعينيات القرن التاسع عشر، ‏إلا أن لدى السعودية تاريخاً طويلاً من الاكتواء في اليمن، فتعقيدات المجتمع والسياسة اليمنية أحبطت السعوديين في أكثر الأحيان، وعلى الأرجح أن المزيد من الإحباط سيصيبها في المستقبل.
صحيفة «بروكينجز»