مارش الحسام / لا ميديا

تزايدت أعداد الكلاب الضالة في شوارع وأحياء العاصمة صنعاء بصورة كبيرة جدا، وملاحقتها للمارة بشراسة وخصوصاً في الساعات الأولى من الصباح، متسببة في كثير من حوادث «العقر»، وبالذات في صفوف الأطفال؛ مما نشر الرعب بين أهالي العاصمة، الذين طالبوا بوضع حد لتلك الظاهرة والقضاء عليها.
مشكلة الكلاب الضالة ليست حكرا على أمانة العاصمة فحسب؛ بل إن كثيراً من المحافظات تعاني من المشكلة ذاتها. إحصائيات وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ سجلت 50 حالة وفاة بمرض داء الكلب، وبتعرض نحو 10 آلاف شخص للعض، منذ مطلع العام 2019، وحلت أمانة العاصمة ومحافظتا إب وذمار على رأس المحافظات الأكثر تعرضا لهذا الداء، نتيجة انتشار الكلاب في المحافظات الثلاث.

الكلاب «ما خلتش لنا حالنا!»
تقول إحدى الموظفات التي تسكن في منطقة مذبح لصحيفة «لا» أنها تخرج من بيتها في تمام السادسة والنصف، إلى جوار مكتب النائب العام لملاقاة باص العمل الذي يقلها إلى مقر عملها، ورغم قرب مسكنها من المكان المحدد لانتظار الباص والمقدر بعشرات الأمتار التي يتم اجتيازها خلال أربع إلى خمس دقائق، ومع ذلك غالبا ما تصل متأخرة ويفوتها الباص في مرات عديدة ويتوجب عليها أن تدفع من جيبها 600 ريال تكاليف أجور المواصلات إلى مقر عملها. 
وتضيف قائلة: «أنا موظفة في مستشفى 26 سبتمبر في بني مطر وتكاليف المواصلات إلى هناك 600 ريال، والمعاش لن يكفي حق المواصلات، وأنا مضطرة أن أصحو باكرا لملاقاة باص العمل والكلاب ما خلتش لنا حالنا، في تلك الساعات تكون أعداد المارة محدودة جدا، وعشرات الكلاب تتجول بحرية وتهاجم العابرين، لدرجة أن بعض الرجال أصبحوا يقفون في بعض الأماكن القريبة من تجمعات القمامة التي تؤوي الكلاب الضالة، وبأيديهم الحجارة لحماية المارة».
وتابعت: «حين أشاهد هؤلاء المتطوعين أو أشخاصاً يسيرون في نفس طريقي أشعر بالأمان وأواصل طريقي بشكل طبيعي، أما حين يكون الشارع فارغاً والكلاب منتشرة أقوم بالمرور من طريق آخر اضطراريا وأسلك شارع الأربعين، ومسافة الأربع الدقائق تتحول إلى نصف ساعة أو ساعة إلا ربع؛ حيث أقوم بدورة كاملة حول المكان، وأحياناً لا أوافي باص العمل، وتستمر المشكلة حتى لو غيرت طريق مروري فأحيانا أصادف كثيرا من الكلاب في الطريق البديل شارع الأربعين، كونه شبه خال، لذا أنتظر حتى قدوم أحد المارة وأسير خلفه».
وأضاف: «لذا فكرت أن أصحو في الساعة السادسة صباحا، احتياطا وحتى لا أتأخر عن الباص إذا دعت الضرورة أن أسلك الطريق البديل، ووجدت أن هذه الفكرة مشكلة أكبر من المشكلة السابقة، ففي ذلك الوقت يكون هناك انعدام تام للمارة وخطر الكلاب يتضاعف حتى في الطريق البديل فليس هناك منقذ».

طريق المدرسة ليس آمنا
يقول أحد المواطنين إن طفلته ذات السبعة أعوام انقطعت العام الماضي عن الدارسة بعد أن طاردها أحد الكلاب وهي في طريقها إلى مدرسة القردعي، الواقعة في أحد حواري منطقة مذبح، وهو ما أثار فزعها بشكل كبير لدرجة أنها كانت تصحو من نومها مرعوبة ومذعورة بسبب ذلك المشهد.
وأضاف قائلا: «الطفلة حاليا ترفض فكرة الذهاب إلى المدرسة، حتى بعد أن أقنعتها بأنني سأرفقها ذهابا وإيابا للمدرسة، لذا قررت تسجيل أختها الصغيرة معها حتى تتشجع، وسأضطر هذه السنة لاصطحابهما بنفسي صباح كل يوم لأن الطريق إلى المدرسة ليس آمنا».

50 حالة وفاة وعشرة آلاف إصابة
صحيفة «لا» التقت بالمتحدث باسم وزارة الصحة والسكان في حكومة الإنقاذ، ورئيس المركز الوطني لمكافحة داء الكلب، الدكتور يوسف الحاضري، والذي أفاد أن «أكثر من 9498 شخصا تعرضوا للعض منذ يناير الماضي وحتى أغسطس الجاري، وتوفي منهم 50 شخصا، وتتصدر أمانة العاصمة صنعاء ومحافظتا إب وذمار حالات العض والوفاة بداء الكلب الذي انتشر بشكل لافت في الآونة الأخيرة بمختلف مناطق البلاد».
وأوضح الحاضري أن «الإحصائية شملت المراكز الصحية في المدن الرئيسية بالمحافظات فقط، ما يعني أن الرقم المعلن قد يتضاعف بنحو أربع مرات في حال شملت الإحصائية المناطق النائية، لعدة أسباب أهمها جهل سكان المنطقة الريفية بخطورة التعرض لعضات الكلاب، فضلا عن بعدهم من مرافق تقديم الخدمة الطبية».
وأرجع ناطق الصحة تزايد الإصابة بهذا الداء إلى الحالة الاقتصادية الناتجة عن الحصار الاقتصادي وإيقاف الرواتب ووعورة الطرق، ما يحول دون وصول المصابين إلى المرافق الصحية وطلبهم للخدمة الطبية، وعدم وجود سجل بيانات دقيق عن الحالات المصابة وأماكن تواجدها.
وفي سياق حديثة لصحيفة «لا» وفيما يخص الوضع الدوائي لهذا المرض من (لقاح، مصل، أنتي تيتانوس، كتس فحص رؤوس الكلاب)، أوضح الناطق أن الاحتياج التقديري للوزارة لعام 2019م يبلغ 50 ألف جرعة لقاح و12 ألف فيالة مصل و12 ألف أمبولة «أنتي تيتانس» و30 «كتس» صبغة لفحص رؤوس الكلاب، بينما لم يصل إلى مخازن الوزارة عام 2018م من قبل منظمة الصحة العالمية سوى ستة آلاف لقاح وخمسة آلاف مصل، وهذه لا تمثل سوى 12 في المائة من الاحتياج الفعلي، حيث نفدت هذه الكمية من الوزارة.
وأكد الحاضري أن هذه الأدوية لا تتوفر في السوق التجارية نتيجة ظروف نقلها الخاصة التي تحتاج لتبريد وسرعة في النقل، وهذا ما أعاقه إغلاق مطار صنعاء من قبل تحالف العدوان على اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام، مما سبب سقوط وفيات كثيرة نتيجة هذا المرض.

حملة توعية
يوكد مدير مركز مكافحة الكلاب بوزارة الصحة د. يوسف الحاضري، وفي سياق حديثة لصحيفة «لا»، أن القضاء على داء الكلب يتطلب حملة واسعة بمشاركة كافة القطاعات الحكومية والمنظمات والجهود الشعبية للتخلص من الكلاب المشتبه إصابتها بداء الكلب وبصورة مستمرة، مبينا أن أعراض داء الكلب تتمثل بصداع وحمى وتوعك والشعور بألم ووخز وحكة شديدة مكان العضة والإحساس بالخوف، والخوف من الماء والضوء وصعوبة في البلع وهذيان وتشنجات وشلل جزئي أو تدريجي في الجهاز التنفسي، مما يؤدي للوفاة بعد يومين إلى ستة أيام من التعرض للعض.
وأشار إلى أن الإسعافات الأولية تتمثل بغسل الجرح بالماء الجاري والصابون لمدة خمسة عشر دقيقة، ومعالجة الشخص المصاب بعضة الكلب بالإسعافات الأولية في أقرب مرفق صحي، وإعطاء اللقاح الواقي في أسرع وقت ممكن عقب التعرض لعضة الكلب المشتبه إصابته بداء الكلب.
وأكد الحاضري ضرورة تجنب خياطة الجروح الناتجة عن العضة وإعطاء المصاب جرعة من لقاح الكزاز التيتانس، مبينا أنه في حال تعرض أي شخص لعضة كلب يجب عدم قتل الكلب إذا كان مملوكاً، ومراقبته على الأقل عشرة أيام، وفي حال موت الكلب يجب التوجه لأقرب مركز مكافحة لاستكمال جرعات لقاح داء الكلب.

فرحة لم تكتمل
استغاثات الأهالي المتكررة في أمانة العاصمة، كانت قد لاقت آذاناً صاغية، وباركوا واستبشروا بالحملة التي دشنتها أمانة العاصمة قبل بضعة أشهر لمكافحة الكلاب الضالة والمسعورة في مختلف مديريات الأمانة، لكن فرحتهم لم تستمر؛ إذ توقفت الحملة بعد أشهر من تدشينها، وهو ما أدّى إلى ازدياد انتشار الكلاب السائبة في شوارعهم وأحيائهم والتي تجاوز عددها نحو الـ70 ألف كلب بحسب تقديرات وحدة مكافحة الكلاب بأمانة العاصمة.

عشرة آلاف كلب
تبرر وحدة مكافحة الكلاب بأمانة العاصمة توقف حملتها إلى انعدام سم الكلاب وإبر التخدير الخاصة بمكافحتها، إلى جانب شحة الإمكانات وعدم صرف مستحقات الفرق العاملة في الميدان والتي توقفت عن العمل باستثناء فرقة واحدة تعمل بشكل متقطع. 
وأكدت أنه منذ تدشين حملة المكافحة وحتى الآن تم القضاء على حوالي عشرة آلاف كلب تقريبا في العاصمة صنعاء، قبل أن تتوقف الحملة للأسباب السالفة الذكر، إضافة إلى ارتفاع أسعار سم الكلاب والإبر المخدرة من 700 دولار إلى 2600 دولار، وصعوبات أخرى تتعلق في طريقة استيرادها ودخولها عن طريق عدن.

حلول بديلة غير مجدية
يذكر أن وحدة المكافحة حاولت ابتكار حلول بديلة بالاستعانة بمتخصصين في جامعتي صنعاء وعمران، لابتكار سم خاص للكلاب، لكن النوعية التي تم تحضيرها لم تُجد نفعاً، حيث تعرضت الكلاب لحالات إسهال ولم ينفع معها ما تم تحضيره، بمعنى أنها لم تتخدر أو تموت ليسهل على الفرق العاملة حملها والتخلص منها.