حسين الموسوي - العالم -

 تتعرض مقرات فصائل الحشد الشعبي في العراق لهجمات لاسيما بالطائرات المسيرة. وإن كان مصدر هذه الهجمات معروفاً، إلا أن التطور المتمثل باعتراف الولايات المتحدة بتنفيذ الاعتداء الأخير على اللواء 45 في القائم، يفتح باب التساؤل والتحليل واسعا.
بداية وللعودة قليلا للوراء حين كانت جماعة داعش الإرهابية مازالت تسيطر على مناطق واسعة في الموصل وغيرها من المناطق العراقية، حينها نشرت صحف أمريكية تقريرا نقلت فيه عن طيارين في سلاح الجو الأمريكي قولهم إن الأوامر العليا التي كانت تأتيهم من قياداتهم منعتهم من استهداف مواقع الإرهابيين رغم أنها كانت في مرمى نيرانهم.
هذه الوقائع تكشف أن المقاربة الأمريكية للإرهاب في العراق والمنطقة ليست كما تعلن واشنطن. وهو ما يتكشف مع تركيز الإدارة الأمريكية على وصف قوات الحشد الشعبي أو بعض فصائله بالجماعات الإرهابية رغم علم الجميع أن الحشد وفصائله حجر الأساس في عملية القضاء على داعش.
وإذا كان التفريق بين الجهات المتهمة باستهداف الحشد في الأشهر الأخيرة غير ممكن (كون الكيان الإسرائيلي لا يختلف عن الإدارة الأمريكية)، إلا أن دخول واشنطن على خط الاستهداف مباشرة واعترافها بضرب مقر الحشد، يوجد أبعادا جديدة للقضية.
أولاً: منذ بداية الاحتجاجات في العراق والمطالب المحقة للشعب العراقي، كانت مساعي إظهارها على أنها مصوبة ضد الحشد وفصائله ومن خلفهم إيران. حتى إن بعض الأصوات المعروفة الانتماء والولاء اتهمت الحشد بأنه جماعة إرهابية، متناسية التضحيات التي قدمها في مواجهة داعش الذي كان يهدد العراق بمختلف أطيافه. والضربة التي استهدفت الحشد تأتي بعد فشل واشنطن في تمرير المشروع المشبوه والمعروف من خلال الاحتجاجات رغم التمويل والرعاية والدعم الكبير للمجموعات التي روجت ضد الحشد وإيران (ومنها حرق القنصلية الإيرانية أكثر من مرة).
ثانيا: ما خلف التبرير الأمريكي بأن الاعتداء كان ردا على استهداف قواعد أمريكية في العراق (اتهمت واشنطن كتائب حزب الله به)، هناك خلفيات أبعد من ذلك تشمل المواجهة مع إيران. حيث إن أي استهداف لأي فصيل في الحشد الشعبي تعتبره واشنطن استهدافا لإيران. وهذه معادلة صحيحة على اعتبار أن إيران كانت حاضرة من خلال الدعم المقدم للحشد في مواجهة داعش. دعم لعب دورا أساسيا في إفشال المشروع الأمريكي الإسرائيلي العربي الذي كانت الجماعات الإرهابية موكلة بتنفيذه على امتداد المنطقة.
كما أن المنطقة التي وقع فيها الاعتداء والقريبة من الحدود السورية تكشف عن نوايا الإدارة الأمريكية من ورائه، لاسيما حرصها على منع اكتمال الخط المناهض لها والمحبط لمشاريعها، والممتد من العراق إلى سوريا وصولا إلى لبنان ومنه جنوبا إلى فلسطين. وحجم الاعتداء والاعتراف الأمريكي المباشر به يدلان على إن الإدارة الأمريكية تعرف أن اكتمال هذا الخط وحجم القوة التي سيوجدها يعني فشل مشروعها.
ثالثا: تسعى الإدارة الأمريكية من خلال استهداف الحشد إلى ادخاله في البازار السياسي العراقي، وإظهاره بأنه عقبة أمام أي مستقبل أفضل للعراقيين. وهي استراتيجية تعتمدها واشنطن في مواجهة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين. لكن ما يغيب عن بال الأمريكيين، رغم تحقيقهم بعض المكاسب في هذا المجال، هو أن قوة الحشد (كما باقي حركات المقاومة في المنطقة) تنبع من الاحتضان الشعبي العراقي له، والإيمان لدى كل عراقي بأن الحشد أساس في هزيمة الإرهاب. وبالتالي فإن استهدافه يعتبر استهدافا للسواد الأعظم من العراقيين.
إذن، اللعب بات على المكشوف -كما يقال- من قبل الولايات المتحدة. واعتراف واشنطن أعقب اعترافا إسرائيليا على لسان قائد جيش الاحتلال أفيف كوخافي الذي قال إن جيش الاحتلال تحرك وتصرف في المناسبات التي وجد أن خطرا يتهدده من العراق، بحسب تعبيره. وهو اعتراف إسرائيلي للمرة الأولى بتنفيذ ضرب داخل العراق.
ومع الاعتراف الأمريكي والإسرائيلي في التورط باستهداف الحشد، تدخل القضية مرحلة جديدة مع الاعتقاد الراسخ بأن الحشد سيرد، وأن الضربات ستتوالى، لكن من الجانبين هذه المرة، وليس فقط من قبل واشنطن أو كيان الاحتلال الإسرائيلي. والغلبة بطبيعة الحال ستكون لصاحب الحق هنا، وهو معروف للقاصي والداني.