ترجمة خاصة عن وسائل إعلام متعددة - زينب صلاح الدين / #لا_ميديا -

كيف بدت صورة السعودية خلال العام 2019 المنصرم، في الإعلام الغربي، على عدة أصعدة بارزة وفارقة في سجلها وتاريخها؛ابتداءً من جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وانتهاءً باستراتيجية أو رؤية ابن سلمان للعام 2030.  

مقتل خاشقجي
منذ اليوم الأول لجريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول التركية، سقطت صورة السعودية سقوطاً مدوياً أمام المجتمع الدولي، وبشكل مبالغ للغاية، حيث إن هذا المجتمع الدولي لم يعر اهتماماً للجرائم الفظيعة اليومية التي ترتكب بحق الشعب اليمني، والتي باتت بالنسبة للمواطن اليمني مشهداً روتينياً فرض عليه من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، ولم يهتم المجتمع الدولي والإعلام الغربي هذه الجرائم بكل هذا الزخم والتضخيم كما تناول مقتل خاشقجي، فقد صار اسم هذا الأخير يتكرر في وسائل الإعلام الغربي كما يتكرر ذكر الأحداث العالمية الشهيرة: «الحرب العالمية أو هجمات الـ11 من سبتمبر... إلخ»، ولا يكاد يخلو مقال واحد يتحدث في شأن الشرق الأوسط، وبالأخص السعودية، من اسم هذا الصحفي المغدور به في قنصلية بلده في إسطنبول. لكن تكراره في الإعلام الغربي لا يعدو على الأغلب مجرد ورقة للضغط على السعودية وابتزازها أكثر منه تعاطفاً وتضامناً مع الجريمة المهينة للإنسانية تلك. كما أن ولي العهد استطاع نوعاً ما تهدئة الانتقادات على مقتل خاشقجي، إلا أنه لاتزال معارضته قائمة ومشتعلة في واشنطن، ولن يسمح له بزيارة الولايات المتحدة من قبل الكونغرس الأمريكي في السنوات القادمة، بسبب تلك الجريمة. بالإضافة إلى انتقاد الإعلام الغربي لمحاكمة قتلة خاشقجي، معبراً أنها لم تكن عادلة، وأنها سرت في الظلام؛ فقد برأت شخصيتين لعبتا دوراً في جريمة اغتيال خاشقجي، وهما القحطاني والعسيري، وبالتالي لايزال الملف مفتوحاً، ولن يكف أصدقاء جمال خاشقجي عن المطالبة بالمحاسبة الحقيقية والمقنعة لقتلته.

الحرب على اليمن
على وقع الحرب الفاشلة بكل المقاييس التي تشنها السعودية على اليمن، تتوالى الانتقادات الحادة لهذه الحرب في خطابات الإعلام الغربي، وما من كلمة ثناء واحدة سوى أنها غير مجدية وعبثية منذ البداية، فلا يوجد طرف منتصر فيها، ولم تكن من الأساس هي الحل في اليمن، وبدت السعودية أمام العالم دولة متهورة وغير دقيقة في حساباتها بقائدها المتهور والطائش الذي يقحمها في مأزق لم يعد باستطاعتها الخروج منه بماء وجهها كله. لم تحقق الحملات العسكرية على اليمن أياً من النتائج المرغوبة والأهداف التي وضعها التحالف بقيادة السعودية صوب عينيه، فلم يدحر الانقلاب الحوثي من الشمال ليعيد هادي إلى السلطة، ولم يصل حتى إلى صنعاء بعد 5 أعوام من حملات القصف المكثفة على مناطق الشمال وزحوفات مئات الآلاف من قوات التحالف الفاشلة. ووصفت هذه الحرب بأنها حرب استنزافية للسعودية تماماً كحال أمريكا في الفيتنام، واستمرار السعودية وغيرها فيها يعني خسران وإهدار المزيد والمزيد من الطاقات والإمكانات والقوة البشرية. كما قيل إن هذه الحرب قد تسببت في أسوأ أزمة إنسانية، وأسوأ انتشار لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث، ولم ينجم عنها سوى آلاف الضحايا، وغالبيتهم من المدنيين، ودمار البنية التحتية، وتهديد حياة اليمنيين على المدى الطويل بسبب استخدام التحالف للقنابل المحرمة التي تتحول في ما بعد إلى ألغام. ومع هذه العواقب الكارثية ظهرت السعودية مملكة سفَّاح ومرتكب جرائم حرب.

حماية أمريكا لم تعد مضمونة
بوسعنا أن نقول إنه بعد الهجوم على «أرامكو»، في 14 سبتمبر، والرد الأمريكي البارد إزاءه، قد جعل السعودية تشك في حماية أمريكا لها، وجعلها تتحول بشكل مفاجئ وبسرعة من وضعية مواجهة خصمها إلى التفاوض معه بشكل مباشر وغير مباشر وسراً وعلناً. فبعد الهجوم المباغت على منشأتي نفطها الذي لا يخصها هي فبحسب، بل دول العالم من بينها أمريكا، أدركت أن عليها أن تكون أكثر تسامحاً ولطفاً، خصوصاً وأنها في حال قررت أن تكابر وتستمر في المواجهة ستجد نفسها وحيدة دون حماية ورعاية من أمريكا. فلقد بدأت تقترب حقيقة تغير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من الواقع، ولم تعد حمايتها لحلفائها مضمونة دائماً. ولقد صُدمت السعودية بهذا الموقف الأمريكي المتخاذل معها على الرغم من إنفاقها عشرات مليارات الدولارات على الأسلحة الأمريكية (أكثر من 170 مليار دولار منذ عام 1973). لكن على الضفة الأخرى لايزال ترامب داعماً لحربها في اليمن وبقوة، حيث إن ترامب استخدم الفيتو ضد مسودات قرارات الكونغرس التي تتضمن مساءلة السعودية على جرائمها المرتكبة في اليمن، وعدم بيع الأسلحة لها، وإنهاء الدعم الأمريكي، وهو يدافع عن ولي العهد ويبرئه من جريمة اغتيال خاشقجي، ويتغاضى عن كل الحقائق وأصابع الاتهام التي تشير إليه، كما وتجمعه علاقة قوية بصهره ومستشاره كوشنر؛ فإذا تم عزل هذين الاثنين سيفقد ابن سلمان جزءاً كبيراً من تزكية سلطته وهيمنته في الداخل والخارج.

ضربات «أرامكو» والهزائم العسكرية
أسهب الإعلام الغربي في الحديث عن هجوم 14 سبتمبر وتداعياته على السوق العالمية آنذاك، من تقلب في أسعار النفط وتقلص نصف إنتاج السعودية من النفط الخام بشكل مؤقت، كلحظة فارقة في تاريخ الخليج، وكتحول في سياسة أو سلوك المملكة تجاه خصومها الحوثيين، فما قبل الهجوم ليس كما بعده. حيث أشار الإعلام الغربي إلى أن هذه الضربات المزدوجة لصواريخ كروز والدرون على أهم منشآت النفط في المملكة، أجبرت السعودية على اللجوء إلى التفاوض كحل ينجيها من ضربات مماثلة تقوض معها سمعة المملكة، بعد خيبة أمل كبيرة في رد ترامب الذي جعلها تتفاءل للحظة، وسرعان ما تلاشى ذلك بعدوله عن الرد، معللاً أن الضربات لم تكن ضد أمريكا. وكشفت ضربات «أرامكو» تلك عن مدى ضعف وهشاشة البنية التحتية للصناعة النفطية السعودية، وكذلك ضعف الدفاعات (صواريخ باتريوت) فخر الصناعة الأمريكية.

أما عن الهزائم العسكرية الأخرى للسعودية، فلم يذكر أبداً أن السعودية قد حققت نصراً ما في مكان ما في اليمن، سوى أنها خسرت المدرعات والآليات الفخمة، كما تطرقت الصحف الغربية إلى أسباب لجوء المملكة لتأجير مرتزقة وجيوش من السودان ومن باكستان ومن كولومبيا وأمريكا ومن كل أنحاء العالم، الذي كان وراءه ضعف جيشها وعدم كفاءته، وعدم قدرته على الاستفادة من العتاد الضخم والفخم الذي بحوزته، والذي يصلهم من أكبر الدول المصنعة للأسلحة مثل كندا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا. وأشارت بعض الصحف إلى أن ترقية أفراد جيشها وتقليدهم الرتب العليا مبني أساساً على مدى صلتهم وقربهم من العائلة الملكية الحاكم ولم يكن على أساس الخبرة والكفاءة والأهلية للمنصب. وكانت مقاطع فيديو الإعلام الحربي للحوثي، التي يتشهد بها الإعلام الغربي، تأتي لتعزز فكرة كم أن الجيش السعودي عديم الفائدة على ساحة القتال لولا مساعدة القوات اليمنية التابعة للتحالف وكذلك المرتزقة الأجانب. 

نكسة استراتيجية 2030
السعودية الآن مرشحة أكثر لأن تكون دولة الرجل الواحد منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز 1953، وأصبحت أكثر عدوانية، بحسب الإعلام الغربي، لاسيما بعد صعود محمد بن سلمان إلى السلطة بتخويل من والده الملك سلمان كقوة قيادية في 2015، والذي أغرق بلده في حرب مدمرة في اليمن، وفرض حصاراً على قطر، وتعهد بمواجهة إيران على امتداد المنطقة، ويراه النقاد الغربيون قوة عنيدة مزعزعة للاستقرار في الإقليم، بعكس ما يحاول أن يروج لنفسه كمصلح طموح يسعى إلى تحديث السعودية وتنويع اقتصادها المعتمد على النفط بالدرجة الأولى. وبدأ ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، يعزز سلطته بقوة وبعنفوان من خلال تعييناته لجيل جديد من الأمراء، وتقليدهم مناصب كبيرة هامة، كان أبرزهم شقيقاه الأميران خالد وعبدالعزيز بن سلمان، وذلك كي يضمن حكماً متماسكاً يستمر 50 عاماً، كحكم جده المؤسس عبدالعزيز بن سعود من 1902 حتى عام 1953، وبالتالي يمضي برؤيته الطموحة نحو الواقع الملموس. حتى إن حملات الفساد التي نفذها على عدد من الأمراء ورجال الأعمال، في 2017، قيل إنها كانت مدبرة لتمويل رؤية ابن سلمان للعام 2030، حيث إنه جمع من هذه الحملة مبلغ 106 مليارات دولار. 
ووفق الإعلام الغربي، فإن السعودية لاتزال بعيدة جداً عن تحقيق وإنجاز الإصلاحات الجذرية بحسب الرؤية 2030، فلازالت مشكلة البطالة قائمة بشكل كبير، ولايزال من الصعوبة الاستغناء عن النفط نظراً لعائداته الضخمة التي تنعش اقتصاد البلد، وما سواه من القطاعات الأخرى لا يصل إلى مستوى المقارنة به حتى كالسياحة، بما أن عائدات النفط تشكل 70٪ من عائدات الدولة. كما أن محاولات ابن سلمان إظهار السعودية بالمظهر الحديث كسماحه للمرأة بقيادة السيارة وغيرها، وكذلك استضافة السعودية لعدد من الأحداث الرياضية، ودعوة كثير من فناني وممثلي وموسيقيي العالم، لا يكفي كي يمحو رصيدها الأسود في حقوق الإنسان وانتهاكها للقانون الدولي، حيث إن مجموعة حقوق الإنسان قد أثرت على بعض الفنانين حتى ألغوا فعالياتهم في المملكة. كما أن هذه التغييرات يقال إنها سريعة جداً بحيث لا تعطي فرصة للمجتمع السعودي المحافظ كي يتكيف معها أو يتقبلها. والمشكلة الأكبر من ذلك هي أن ميزانية هذه الرؤية نفسها تشكل تحدياً كبيراً للمملكة.

فشل اكتتاب «أرامكو»
بعد عدة تأجيلات له على مدى سنوات, لم يأتِ الطرح العام الأولي لشركة أرامكو بما كان ينتظره محمد بن سلمان من تقييم يصل إلى تريليوني دولار، ولم يستقطب الكثير من المستثمرين الأجانب، كما أن ابن سلمان لم يبع سوى أقل من 2٪ منها، على خلاف ما أراده، وهو أن يبيع 5٪ من أسهم الشركة، وبالتالي يتم إدراجها عالمياً.

صفقة القرن
كانت السعودية هي المبادرة الأولى بجهودها من بين البلدان العربية لتمرير صفقة القرن، وكان التعويل الأكبر عليها من ناحية مادية في المقام الأول، فقد ذكر ترامب أو كوشنر أن مؤتمر البحرين كان لمناقشة الجانب المادي، وهو المرحلة الأولى من الصفقة، إلا أنه لم يتم حتى الآن البت في المرحلة الثانية، ولاتزال جهود السعودية وبقية البلدان العربية المشاركة في الصفقة تتجرع الفشل.