جوزيا ثاير -
ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / #لا_ميديا -

وصل عدد القتلى في اليمن إلى 102000 شخص، وفقاً للبيانات التي نشرها موقع (acled) لرصد النزاعات المسلحة في أكتوبر 2019. ومنذ بداية الحرب عام 2015، استمرت حكومة الولايات المتحدة في الحديث عن مسألة واحدة: الحوثيون وكلاء لإيران في اليمن. لقد أثار المسؤولون الحكوميون وممثلو وسائل الإعلام الرئيسية هذه القضية مرارا وتكرارا، دون تقديم أي دليل لدعم ادعائهم ذاك.

إن الادعاءات المتكررة بأن الحوثيين وكلاء لإيران تسمح للحكومة الأمريكية بمحاولة تبرير ما يحدث يوميا في اليمن. إذ إن كل ما على الولايات المتحدة فعله عندما يتعين على مسؤول حكومي الإجابة عن أي سؤال حول الحرب في اليمن هو أن يذكر إيران. وبغض النظر عن مدى المشاركة المرفوضة لأمريكا في الحرب على اليمن، فإن تبرير الفظائع في اليمن لن يتراجع أبداً: إنه خطأ إيران.
راحت وسائل الإعلام الرئيسية تردد كببغاء ادعاء الحكومة بأن إيران تدعم الحوثيين، وذلك من خلال وصفها للحوثيين على الدوام في المقالات والبرامج الإخبارية الرئيسية بـ»الحوثيين المدعومين من إيران». ومع استمرار الحرب وارتفاع عدد القتلى، تخدر المجتمع الدولي أمام العدوان على اليمن. وزعمت الأمم المتحدة أن عدد القتلى في اليمن لم يزد عن 10000 طيلة ثلاث سنوات.
وعندما تتعمد هيئات دولية مثل الأمم المتحدة أن تقدم للرأي العام معلومات مضللة تتعلق بالحرب، فإن ذلك بمثابة إظهار لاستراتيجية ظلت منذ فيتنام بمثابة تكتيك للمجمع الصناعي العسكري. من مصلحة المجتمع الدولي فرض رقابة على الحرب في اليمن. فلقد ساهمت كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة في هذه الحرب وجنت أرباحا من وراء ذلك، وكذلك فعلت ألمانيا والنرويج اللتان توقفتا لاحقا عقب موجة الغضب الشعبي عن بيع الأسلحة للسعودية. هذه الدول استفادت من الفظائع المرتكبة في اليمن، متذرعة بأن الحوثيين ممثلون لإيران، وزاعمة بأنها إنما تتصدى للعدوان الإيراني.
ليس فقط لا يوجد أي دليل مباشر على أن الحوثيين ممثلون لإيران، بل وهناك الكثير من الأدلة أيضا على أنهم ليسوا كذلك. فالحوثيون لا ينتمون إلى مذهب بعينه، على الرغم من أن غالبيتهم ملتفون حول المذهب الزيدي. أما إيران فشيدت قومية ثيوقراطية قائمة على الإمامية الإثناعشرية المتشددة. كما أن الحوثيين يؤمنون بالعدالة الاجتماعية ومعاداة الإمبريالية والقومية والفيدرالية؛ بينما إيران لا تؤمن بتلك الأمور، وليست وجهة أو منارة للعدالة الاجتماعية. وفي الشرق الأوسط الإيديولوجية هي كل شيء.
إن اليمن في غالبيته من السنة. حيث إن 75٪ من المواطنين اليمنيين يعتبرون أنفسهم سنة، فيما 25٪ من السكان هم شيعة. كان الحوثيون منذ عام 1994 يمثلون تلك الأقلية في اليمن، وظلوا حتى عام 2004 حركة سياسية غير مسلحة. ظل الحكم باسم المذهب الزيدي سائدا على اليمن من عام 960 إلى 1962، وهذا ليس خطأ مطبعيا. فتلك الإيديولوجية تكاد تكون منتشرة في اليمن وتم تكريسها لأكثر من ألف عام. وبالتالي فإن ترويج رواية وزارة الخارجية وصناع الرأي في وسائل الإعلام بأن الحوثيين عبارة عن جماعة متمردة ظهرت في عام 2014، بسبب ما زعم أنها أموال وأسلحة مقدمة من إيران، إنما هو صحافة جاهلة ودبلوماسية قصيرة النظر.
لماذا يزعمون كذبا بأن الحوثيين هم مجرد وكيل لإيران ويستخدمون ذلك ذريعة لبيع الأسلحة إلى السعودية، فيما هي في السنوات الخمس الماضية ممعنة في تدمير اليمن؟ ذلك لأن فكرة أن الحوثيين وكلاء لإيران تتناسب مع الرواية العامة والمتكررة بأن إيران هي محور الشر ويجب محاربتها على كافة الأصعدة. فعلى الرغم من أن هناك جماعات نشطة في اليمن لـ«داعش» و«القاعدة»، إلا أن تلك الجماعات يتم ذكرها فقط بشكل عابر، فيما الحوثيون المدعومون من إيران يظلون هم الموضوع الرئيسي المتعلق بالحرب على اليمن.
معلومات مضللة وأنواع مختلفة من الدعاية يتم استخدامها لإرباك وتضليل الرأي العام، خصوصا عندما يخجل ناشرو الدعاية من أفعالهم. ووفقا لأحدث البيانات من اليمن، نحو 102000 شخص في اليمن بسبب العدوان المباشر، ناهيك عمن قضوا بسوء التغذية. وفي 2019 وحده، قُتل حوالي 20 ألف شخص، وهو أكثر الأعوام دموية في اليمن منذ بداية الحرب. لقد استهدفت السعودية منذ تدخلها في عام 2015 أكثر من 8000 مدني. ولم تقم بارتكاب جرائم الحرب هذه سرا، بل علنا. وبدلاً من الوقوف في وجه السعودية لارتكابها تلك الفظائع في اليمن، اجتمعت القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتزويد السعودية بوسائل القضاء على اليمن.
والآن ها هي الولايات المتحدة تعترف بأن الحوثيين ليسوا ممثلين لإيران. حيث أوضح براين كوك، مبعوث الولايات المتحدة الخاص بشؤون إيران أن «إيران لا تتحدث عن الحوثيين، ولا تضع في الاعتبار مصالح الشعب اليمني القصوى». أما دينيس ناتالي، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الصراع ودعم الاستقرار، فقالت: «ليس كل الحوثيين يؤيدون إيران».
كانت إيران قد حذرت الحوثيين في البداية بعدم السيطرة على صنعاء ووقف محاولة الانقلاب. كيت كيسر، المحررة السياسية لـ»Win Without War»، تحدثت لصحيفة ناشونال إنترست الأمريكية بالقول: «لقد حان الوقت لكي تستيقظ إدارة ترامب وتدرك أن الحوثيين ليسوا إيرانيين -وهو أمر كان يعيه على الدوام كل من لديه معرفة باليمن. كما أن التحول السياسي المفاجئ لوزارة الخارجية فيما يتعلق بالحوثيين يقوض تماما منطق الحكومة في تبرير التحريض على جرائم الحرب وعلى أكبر أزمة إنسانية في العالم يشهدها اليمن».
لم يكن يوجد أي علاقة مباشرة بين إيران والحوثيين في اليمن. وفكرة أن إيران تدعم الحوثيين يتم الزعم بها على الدوام، ولكنها لم تثبت أبدا. وبالتالي عندما يصدر ممثلو الحكومة المعنيون بياناً مثل «إيران تسلح الحوثيين»، فإن السؤال المتبادر يجب أن يكون: كيف تقوم إيران بتسليح الحوثيين؟ إلا أنه، بدلاً من طلب دليل من المسؤول الحكومي لتدعيم بيانه، يتم ببساطة قبول البيان كحقيقة. ينبغي على الصحافة أن تكون رقابة على سلطة الحكومة، وليس تغذية مدافعها الدعائية.


 25 يناير 2020 
موقع: مناهضة الحرب
(*) جوزيا ثاير باحث في (Pursuance project). أسس في عام 2014 موقع (WEDA) للوقوف في وجه الروايات الإعلامية السائدة. كما أنه ناشط مناهض للحرب ومؤسس هاشتاغ (#OpYemen). نشرت هذه المقالة في الأصل على (Antiwar.com Original).