أفنير كوهين ـ جيسون بلازاكيس
مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية

إن العلاقة الفاسدة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو قد تساعدهما على الفوز في الانتخابات، لكنها تعرض حياة مواطني البلدين للخطر.
خطة السلام التي طالما لوح بها ترامب للتسوية السلمية في الشرق الأوسط، وقدمها على أنها «صفقة القرن»، ورؤية واقعية لتحقيق سلام دائم بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، تعبر في الحقيقة عن واقع آخر؛ وهو أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في ظل ترامب أصبحت منتجا ثانويا للتحالف الذي يخدم الذات بين زعيمين شعبويين يعانيان من الضغوط والشك في بلديهما.
في اليوم الذي أعلن فيه ترامب عن خطته، أكمل الكونغرس إجراءات محاكمته في الفضيحة الأوكرانية، فيما وجهت محكمة «إسرائيلية» اتهامات إلى نتنياهو في ثلاث قضايا فساد وأصبح متهما في المحكمة، إلا أن التحالف بينهما أدى إلى ولادة موقف جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، الذي يمثل خروجا عن الموقف التقليدي والقائم على إجماع حزبي في التعامل مع الشرق الأوسط.
صناعة السياسة الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط أصبحت أسيرة لرغبات تحالف فاسد يقوم على الاحتياجات السياسية والشخصية لقائدين وليس على مبادئ الحزبين في أمريكا، التي تخدم المصالح والقيم الأمريكية، وبالتالي فإن الموقف الأمريكي القائم على أداء دور الوسيط الشريف بين أطراف الشرق الأوسط قد تلاشى.
بعيدا عن خطة ترامب التي تمثل رأيا واحدا، والميتة في مهدها، فإن سيطرة هذا التحالف تبدو على السياسة الخارجية الأمريكية من خلال العديد من القرارات المهمة في السياسة الإقليمية: قرار اغتيال الجنرال قاسم سليماني، والانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية الإيرانية، والاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ووقف الدعم الأمريكي عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والاعتراف بمرتفعات الجولان جزءا من «إسرائيل»، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية.
التحالف القائم بين نتنياهو وترامب هز الأسس التي قامت عليها السياسات الأمريكية، التي تتجاوز عقوداً، وتشكلت من خلال الإجماع وقصد منها التوسط في أطول نزاع في الشرق الأوسط. وفي الماضي أكدت الإدارات الجمهورية والديمقراطية أهمية تسوية النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، وتحديدا مسألة الوضع النهائي للضفة الغربية والقدس، من خلال التفاوض المباشر بين الطرفين، وكان دور الولايات المتحدة مقتصرا على خدمة الطرفين بصفتها وسيطا نزيها، وتسهيل وتحفيز المفاوضات، ولذلك تجنبت الولايات المتحدة تقديم خريطتها الخاصة بالسلام، ولهذا فإن خطة ترامب هي لعنة لهذا النهج.
بسبب الصفقة غير المتوازنة، كان رد فعل معظم الأطراف على السلام في الشرق الأوسط ساخراً.
نظرا لأن الصفقة التي قدمها ترامب لا حظ لها من النجاح، أو القبول من الفلسطينيين، فإن حيلة السلام هذه لا تتعلق بالتسوية السلمية الدائمة، لكن من أجل تعزيز سيطرة ترامب ونتنياهو على السلطة السياسية في عام 2020، فالخطة غير المتوازنة ليست الطريقة لبناء سلام في نزاع دموي مضى عليه أكثر من قرن، وكان واضحا غياب ممثلين عن مصر والأردن، وهما البلدان العربيان الوحيدان اللذان وقعا معاهدات سلام مع «إسرائيل».
كما أعاد تحالف ترامب نتنياهو صياغة السياسة الأمريكية تجاه إيران، ورغم فرض الولايات المتحدة و«إسرائيل» صمتا رسميا، إلا أن البصمة «الإسرائيلية» على اغتيال سليماني كانت واضحة منذ البداية، فالتركيز على التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم بدا كأنه نسخة طبق الأصل من الطريقة «الإسرائيلية» في إدارة الأمور التي قلدتها الولايات المتحدة، وهو ما قاد البعض إلى التساؤل حول الإلهام والدور السياسي الذي أدته «إسرائيل» في قتل سليماني.
إن التعاون الأمريكي ـ «الإسرائيلي» في قتل المسؤولين الإيرانيين ليس جديدا، وقد أشار الصحافي «الإسرائيلي» رونين بيرغمان في كتابه عام 2018 «انهض واقتل أولاً» إلى أن عمليات ملاحقة «إسرائيل» لعلماء الذرة الإيرانيين تم بالتعاون مع الولايات المتحدة، وفي الحقيقة فإن صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت أن نتنياهو كان الزعيم الأجنبي الوحيد الذي أبلغته إدارة ترامب بعملية الاغتيال، وقالت شبكة أنباء «إن بي سي» أن معلومات من «إسرائيل» ساهمت في تحديد مكان سليماني والتفاصيل المتعلقة بالمجموعة المسافرة معه.
أكثر من أي رئيس وزراء «إسرائيلي» آخر، كان نتنياهو مسكوناً بهاجس إيران، خاصة مع البرنامج النووي الإيراني. وكان نتنياهو يعتقد أن طهران عازمة وبقوة على اكتساب القنبلة النووية كأساس لحلمها في السيطرة على الشرق الأوسط، وكانت إيران النووية هي القضية التي تشكل هوسا له منذ عام 2009.
هذا الهوس هو مصدر معارضته للاتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما مع إيران عام 2015، فقد اعتقد نتنياهو أنها ضعيفة، ولن تمنع إيران من تطوير برنامجها النووي والحصول على أسلحة نووية بمجرد انتهاء صلاحية الاتفاقية. وكان نتنياهو على استعداد للمخاطرة بالعلاقات الأمريكية ـ «الإسرائيلية» من خلال مطالبته الكونغرس الأمريكي بصراحة التصويت ضد هذه الاتفاقية.
كانت جهود نتنياهو في عام 2015 عبثية وغير مناسبة، لكن شخصاً واحداً على الأقل أعجب بها وجذبت انتباهه: دونالد ترامب، الذي وصف الصفقة بأنها «كارثة»، وأدخل الموضوع في حملته الانتخابية، وعندما التقى نتنياهو مع ترامب في البيت الأبيض في أوائل عام 2017 كان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» يضغط على إدارة ترامب باتجاه إلغاء المعاهدة النووية. 
بالنسبة إلى نتنياهو، فإن ترامب البيت الأبيض هو الهدية التي تواصل العطاء خارج نطاق الإنجازات الدبلوماسية الأمريكية، ويتجلى تأثير نتنياهو على ترامب من خلال التعاون في مجال مكافحة الإرهاب الأمريكي ـ «الإسرائيلي».
وكثيرا ما وضعت الولايات المتحدة أفرادا ومنظمات كمنظمات إرهابية أجنبية بناء على طلب «إسرائيلي». ففي نيسان/ أبريل 2019 أعلنت الخارجية الأمريكية تصنيف فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC)، منظمة إرهابية، وضمته إلى قوائم الإرهاب، بناء على طلب «إسرائيلي».
إن تصنيف الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة إرهابية، قرار غير مسبوق وغير موفق، يعرض حياة المواطنين الأمريكيين للخطر. وبالتأكيد رفع هذا التصنيف من سقف المواجهة، ومنذ نيسان/ أبريل زاد الحرس الثوري عملياته ضد المصالح الأمريكية والدول المتحالفة معها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبعد مقتل قائدها سليماني، من المرجح أن تزداد هذه العمليات.
التحالف الفاسد يترك آثاره بما يتجاوز تأمين المصالح الشخصية والسياسية الحالية للزعيمين، إلى أنهما يمثلان إرثا مدمرا للولايات المتحدة وكذلك لـ«الإسرائيليين» والفلسطينيين على حد سواء. وبالنسبة لأمريكا فقد أفسد هذا التحالف ماركتها في الشرق الأوسط، ولأن الخطة غير منصفة فهي بمثابة تفويض واضح للمشروع الاستعماري والتمييز العنصري الذي يدعو إليه اليمين «الإسرائيلي» المتطرف، لكن بختم أمريكي.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن خطة ترامب ليست سوى ازدراء لرغباتهم وتطلعاتهم الوطنية، ولم تظهر أي إدارة أمريكية سابقة مثل هذا العداء الصريح للفلسطينيين، فالخطة هي مصادقة على رؤية اليمين المتطرف في «إسرائيل»، وبالنسبة لبقية «الإسرائيليين» فهي تدخل فج من ترامب في المعركة السياسية والأيديولوجية والثقافية على روح البلد الذي يواجه نقطة تحول في الانتخابات التي لم يتبق عليها سوى شهر واحد.
من خلال إخضاع السياسة الخارجية الأمريكية لمطالب اليمين المتطرف في «إسرائيل» فإن ترامب قضى على آمال التعايش «الإسرائيلي» الفلسطيني، وخطته رغم ذكرها دولة فلسطينية فهي تعد تخليا عن حل الدولتين، وستكون بدلا منها جيوب دائمة ذات حكم شبه ذاتي تحت السيطرة «الإسرائيلية»، وهو ما يعني تأبيد النزاع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني.
من المرجح أن إهانة الفلسطينيين ستؤدي إلى تقوية مواقف الحركات المتشددة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، والأخيرة على علاقة قوية مع إيران، التي زودتها بالأسلحة لعقود. ويمكن أن تستهدف هذه الصواريخ قريبا المدنيين «الإسرائيليين»، لأنه من غير المرجح أن الولايات المتحدة و«إسرائيل» قد واجهتا الانتقام النهائي لإيران لمقتل سليماني.
قد يؤدي أو لا يؤدي محور ترامب نتنياهو إلى نجاحات انتخابية، لكنه بالتأكيد يعرض حياة الأمريكيين و»الإسرائيليين» للخطر.


عربي 21 
4 فبراير/ شباط 2020