مايكل هيرش
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية 

يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمحة عما ستبدو عليه أربع سنوات أخرى بعد "تبرئة كاملة" من مجلس الشيوخ، وذلك بالانتقام الصارم من أولئك الذين يراهم أعداءه السياسيين.
ربما يكمن السر في الطريقة التي وقفوا فيها ليحيوه مثل رفاق ستالين (كل أولئك الجمهوريين أعضاء الكونغرس الذين يملكهم ترامب الآن) في الوقت الذي كان يقدم فيه الكذبة الواضحة تلو الأخرى خلال خطاب حالة الاتحاد يوم الثلاثاء. ربما كان الأمر أن العاشقين له والمدافعين عنه فعلوا الشيء ذاته خلال خطاب النصر الذي استمر 63 دقيقة في البيت الأبيض، بعد ما سماه "البراءة الكاملة" من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي.
مع اقتراب نهاية أسبوع عاصف في واشنطن، فإن من الواضح أن ترامب لم يتعلم أي درس من محنة المحاكمة، كما كان يشير ناقدوه القليلون من الحزب الجمهوري. إلا أنه يبقى محاطا في مخيلته بالأعداء السياسيين الذين وصفهم يوم الخميس بـ"كريهين" و"مرضى" و"شريرين جدا".
لكن، ماذا عن التهم الموجهة إليه، بأنه أساء استخدام السلطة بصفته رئيسا من أجل مصالحه السياسية الشخصية، التي اعتقد السيناتور ميت رومني أنها خطيرة لدرجة كافية لأن يكون السيناتور الوحيد في التاريخ الذي يصوت لعزل رئيس من حزبه؟! إلا أن ترامب قال على التلفزيون الوطني إن "ذلك كله كان هراء". وبحلول اليوم التالي، يوم الجمعة، بدأ الرئيس بالانتقام الصارم من أولئك الأعداء المتخيلين.
والأسوأ الذي حصل لخصومه الديمقراطيين، هو أن الرياح تحولت لصالح ترامب مع انطلاق حملة الانتخابات لعام 2020 رسميا هذا الأسبوع. وحتى عندما منح مجلس الشيوخ ترامب صكا أبيض ليفعل ما يشاء، بتبرئته التامة من التهم يوم الأربعاء، فإنه وصل إلى أعلى مستوى من التأييد (49% بحسب استطلاع "غالوب") وفي الوقت ذاته أثبت الديمقراطيون قلة كفاءة في ولاية أيوا، حيث تأخر العد وكانت فيه أخطاء، ومع تراجع أهم مرشحيهم، نائب الرئيس السابق جو بايدن بشكل سريع.
كما قال ترامب في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض، مجربا عبارة أصبحت لازمة في خطاب الجمهوريين لانتخابات 2020: "لم يستطع الديمقراطيون فرز بعض الأصوات البسيطة. ومع ذلك يريدون أن يسيطروا على خدماتكم الصحية".
في الواقع، يبدو أن الفشل الديمقراطي في مؤتمر أيوا الانتخابي رمز للفوضى التي تعم الحزب، الذي لم يستقر على شخص مفضل، مع أنه لم تبق سوى تسعة أشهر قبل الانتخابات، ومع فرز معظم الأصوات بعد أربعة أيام من الحيرة، كانت النتيجة متساوية بين القديم والجديد، بين المفرط في التقدمية بيرني ساندرز عن فيرمونت، والبالغ من العمر 78 عاما، والمعتدل من إنديانا، بيت باتيغيغ، البالغ من العمر 38 عاما، الذي يبدو أنه في حالة تعادل افتراضي للموقع الأول، حيث يأتي بايدن متأخرا جدا، لكن فرص كل منهما صغيرة لا تتعدى ربع الأصوات.
وتتوقع استطلاعات الرأي والمحللون والخبراء المزيد من المشكلات لبايدن، المرشح السابق خلال الانتخابات الأولية في نيو هامبشير، التي قد تعني له مشكلات أكبر حتى في الولايات التي كان يتوقع أن يفوز فيها بشكل جيد، مثل ساوث كارولاينا.
يعتقد كثير من شخصيات المؤسسة الحزبية أنه لا يمكن لساندرز، الذي ينفر من آرائه الليبرالية المتطرفة الكثير من الناخبين من التيار الرئيسي، ولا بوتيغيغ، الذي يواجه طرقا صعبة في الانتخابات لأنه جديد ولا خبرة لديه ومتزوج من رجل آخر، يمكنهما هزيمة ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني، فيما تعد المرشحة المتقدمة الأخرى في أيوا، من ولاية ماساتشوستس، السيناتورة إليزابيث وارين، تقدمية جدا في آرائها، لتكسب أصوات المعتدلين والمستقلين. وأعلن ترامب بحماسة يوم الخميس قائلا: "سنفوز بالكثير من المقاعد".
لذلك، بدأ العديد من النقاد يتساءلون: كيف سيبدو ترامب لمدة أربع سنوات أخرى؟! وكانت هناك بعض المؤشرات إلى ذلك خلال هذا الأسبوع، فسيلاحق خصومه السياسيين باستمتاع ودون قيود، وسيلومهم على كل تقصير يحصل، وينسب الفضل لنفسه لكل تطور إيجابي، وحتى خلال خطاب حالة الاتحاد كان مغرورا جدا، ويتحدث كأن أمريكا لم تحظ أبدا بلحظة جيدة واحدة قبل أن يظهر على الساحة، فترامب وحده هو الذي أعاد الأمة من شفير الهاوية، وهو المؤلف الوحيد لما سماه "عودة أمريكا العظيمة"، على الرغم من أن الاقتصاديين يقولون بأن الاقتصاد الأمريكي في وسط انتعاش بدأه الرئيس السابق باراك أوباما.
وقال مايكل دا أنتونيو، لـ"فورين بوليسي": "من المخيف تصور ما سيفعله ترامب دون قيود. ففي دورته الثانية قد يستخدم وزارة العدل سلاحا ضد منتقديه ومعارضيه، وربما يبحث عن طرق لخرق الدستور! ربما يرفض التخلي عن كرسي الرئاسة بسبب (طارئ) ما".
تقول كاتبة سيرة عائلة ترامب، غويندا بلير، إن الرئيس يعيش اليوم فلسفته التي سجلها في كتابه الأول "فن الصفقات"، الذي نشر عام 1987، وهذه الفلسفة هي: "خذ ما يمكنك أن تستطيع أخذه". وكانت تلك أول نسخة كاملة من: "تفاخر بها، لا تفعلها فقط"، تجاوز القيود العادية والأخلاقيات، فهؤلاء الذين يقيدون أنفسهم بها خاسرون، لم يحد أبدا عن تلك الخطة، والناس يحبونه لذلك. 
يقول مدير محاكمته في الكونغرس إنه غير مؤهل للحكم لأنه يقدم مصلحته السياسية الشخصية على مصلحة الأمة، فيما قال المدافعون عن ترامب إن هذا التصرف مقبول، و"فازوا".
وقالت بلير إن الأهم هو قيام ترامب خلال رئاسته بـ"استغلال شعور المظلومية". وأضافت: "إن أصبح بيرني ساندرز، الذي قضى مساره المهني يشعر بالمظلومية بسبب إهمال التيار الرئيسي، مرشح الحزب الديمقراطي، فإن انتخابات 2020 ستصبح حول سياسة المظلوميات، وقد لا يكون الناخب قادرا على التوفيق بين المظلوميات المختلفة". 
إن ذلك الاحتمال بدوره يثير السؤال: عما إذا كان من الممكن، بعد 4 سنوات محتملة إضافية، مواجهة انقسامات سياسية يصعب تخطيها (فحتى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فقدت برود الأعصاب المعهود وقامت بتمزيق خطاب ترامب على التلفزيون الوطني) وهل سيستطيع الأمريكيون "إبقاء" جمهوريتهم في النهاية؟ وهو سؤال طرحه العديد من قادة مجلس النواب الديمقراطيين خلال محاكمة ترامب، مستحضرين تعليق بنيامين فرانكلين المشهور (فعندما سأله شخص خارج قاعة الاستقلال عن الحكومة التي أقامها المؤتمر القاري، يقال إن فرانكلين أجاب: "جمهورية، إن كان بإمكانكم الحفاظ عليها").
ما الذي سيحصل للتجربة الأمريكية التي أصبح عمرها 244 عاما؟! وهل بإمكان القوة العالمية الكبرى أن تستمر لفترة طويلة في وقت يتم فيه تمزيقها داخليا؟! اختر أي نموذج تاريخي تشاء: سقوط روما، أو غياب الشمس عن الإمبراطورية البريطانية، أو غسق الآلهة، أو ربما المزيد من الانحلال والانقسام والانجراف وتآكل المؤسسات، التي كان يعتقد الأمريكيون أنها مقدسة، وعالم يلوح بيديه باشمئزاز.

*كبير المراسلين ونائب مدير الأخبار في مجلة "فورين بوليسي".
7 فبراير/ شباط 2020
"عربي 21"