شهر عسل للحكومة و 11 شهرحنظل للمستأجرين

مارش الحسام / لا ميديا -
على مدى عقود ظلت كثير من القرارات الحكومية حبيسة الأدراج (غير مفعلة)، ويحسب لحكومة «الإنقاذ» أنها أطلقت سراح العديد منها، وفعَّلت عدداً من القوانين والقرارات الخاملة، ولكن فقط تلك التي تدر على الخزينة ملايين الريالات، أما القرارات منزوعة الدسم فمازالت بلا فعالية، وبدلا من تفعيلها تمت إضافة قرارات جديدة إليها، وطبعا مع وقف التنفيذ، كقرار تثبيت الإيجارات الصادر من حكومة «الإنقاذ»، والذي يرفض ملاك البيوت تطبيقه والالتزام به.

حبر على ورق
استنكر عدد من المواطنين في العاصمة صنعاء عدم التزام ملاك العقارات بقرار عدم رفع إيجارات الشقق السكنية مراعاةً لظروف ساكنيها الناتجة عن استمرار العدوان والحصار، واعتبروا القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية، مهدي المشاط، والآخر الذي أصدرته السلطات المحلية في أمانة العاصمة «مجرد حبر على ورق»، كون أصحاب العقارات يرفضون تطبيقه، بل إن العديد منهم لا يكترثون لتلك التوجيهات.

تسلط وعجرفة
يتعرض المواطنون المستأجرون يوما بعد آخر، لجملة من المضايقات والابتزازات التي تصل حد التهديد بالطرد من مساكنهم بالقوة من قبل ملاك العقارات الذين انتابتهم حالة هستيرية في رفع أسعار الإيجارات التي تصل إلى الضعف في ظل تجاهل وتغافل الجهات المعنية عما يحصل من امتهان للمواطنين.

القرار شجع على رفع الإيجارات
يقول أحد المستأجرين إن القرار الذي أصدرته السلطات بتثبيت الإيجارات، شجع المؤجرين على رفع الأسعار، وأن صاحب البيت المستأجر منه رفع عليه الإيجار الشهري إلى 40 ألف ريال بدلا من 25 ألفاً، ما لم فعليه إخلاء المنزل خلال شهر.
ويضيف: «الزيادة فاقمت من معاناتي، فالقرار لا يعمل به مالكو العقارات، ولا الجهات الأمنية والقضائية التي يصل إليها الكثير من قضايا الخلافات التي تنشب بين المستأجر والمؤجر، في الأخير يفرضون على المستأجر إما دفع الإيجار أو مغادرة المنزل».

حكم القوي على الضعيف
مستأجر آخر يفيد بأنه اضطر إلى دفع 20 ألف ريال زيادة على إيجار الشقة التي يسكنها، ليصبح الإيجار الشهري 50 ألف ريال بعد أن كان في السابق 30 ألفاً، طبعاً هذا الأمر أتى بعد صدور قرار بتثبيت أسعار الإيجارات، بحسب ما قاله.
ويضيف: «حين أخبرت المؤجر أن هناك قراراً بعدم رفع الإيجارات، قال لي: واحنا ما عد نرفعش الإيجار عليك، احنا نشتيك تخرج من الشقة، لأن ابني عاطل عن العمل ومستأجر شقة بـ50 ألف ريال وأنت كنت تدفع 30 ألفاً، وحنا نوفي فوقها 20 ألفاً ونسدد إيجار الشقة اللي ابني مستأجر لها، هذا إذا تشتي القانون بانخرجك وأنت مدسوع وبانجيب الولد يسكن بدلك».
ويتابع: «اضطررت بعدها لاستعطاف المؤجر حتى يتخلى عن فكرة إخراجي، ورضخت لحكم القوي على الضعيف، حتى لو ذهبنا إلى المحكمة فالمؤجر لديه أكثر من حيلة، وسيحاول بكل قوته إخراجي من الشقة، كما أن القاضي سيقف إلى جانبه، وحتى لو خرجت من الشقة وحاولت البحث عن شقة جديدة، فإن إيجارها سيكون باهظا، أي من 70 إلى 80 ألفاً».

نازحو الحديدة يدفعون الثمن
محمد خفيف، أحد النازحين من محافظة الحديدة في صنعاء، يشير إلى أنه أعاد أسرته من صنعاء إلى مدينة الحديدة بسبب الزيادة التي طرأت على أسعار الإيجارات في العاصمة، مؤكداً أنه ليس الوحيد الذي أقدم على هذا الأمر، بل إن عدداً من نازحين الحديدة اضطُرّوا إلى العودة إلى منازلهم والقرى لذات السبب.
ويضيف: «كنت أعمل موظفا في إحدى الشركات بمدينة الحديدة، وبسبب الأحداث التي شهدتها المحافظة نقلت الشركة مقر عملها إلى صنعاء، فانتقلت معها مصطحبا عائلتي، واستأجرت شقة بمبلغ 70 ألف ريال، وقبل شهر طلب مني صاحب البيت أن أدفع 90 ألف ريال شهرياً كإيجار للشقة، ولأني غير قادر على دفع هذا المبلغ قمت بالخروج من الشقة وترحيل عائلتي إلى مدينة الحديدة، واستأجرت دكانا قرب مقر عملي لأقيم فيه».
ويستطرد بالقول: «من المؤسف أن يتهمنا البعض بأننا نازحي الحديدة السبب وراء ارتفاع أسعار الإيجارات، متناسين أننا ضحية، وتعرضنا للاستغلال، ومضطرون لدفع هذا المبلغ أو ذاك، ولكن الزيادة الأخيرة فوق الإيجارات أجبرت عدداً من النازحين ممن لديهم أعمال في صنعاء، على ترحيل أسرهم إلى قراهم بعد أن تخلوا عن الشقق وانتقلوا للسكن في عُزب شبابية في حواري صنعاء».

11 * 1
يعتقد أحد المواطنين أن الحكومة مستفيدة من عدم تفعيل قرار الإيجارات، لأنه -وبحسب رأيه- سيحرمها من الملايين نهاية كل عام.
ويضيف: «المؤجر يدفع في كل عام للدولة إيجار شهر عن كل عقار من عقاراته، فمن إجمالي 12 شهرا يدفعها المستأجر يقبض المؤجر إيجار 11 شهرا، والدولة تقبض إيجار شهر، وكلما ارتفع إيجار العقار على كاهل المستأجر، فإن الدولة مستفيدة».

العصمة بيد المؤجر
يكشف المحامي علي الرهيدي أن ملاك البيوت لجأوا إلى حيلة جديدة لرفع أسعار الإيجارات بعد أن صدرت توجيهات بعدم رفعها، وتتمثل هذه الحيلة، بأن المؤجرين، وبذريعة الاحتياج للمنزل، يقومون بابتزاز المستأجرين، مطالبين إياهم بالخروج من مساكنهم، وذلك لإرغامهم على دفع مبالغ إضافية فوق الإيجارات.
ويضيف الرهيدي: «بصفتي محامياً، فإن أغلب القضايا التي نستقبلها حاليا حول مشاكل الإيجارات، ليست دعوى زيادة الإيجار ولا شكوى من المستأجر، والمشتكي غالبا هو المؤجر، وبدعوى إخلاء المسكن للانتفاع به كتزويج ولده مثلا، وإذا عرض المستأجر عليه زيادة الإيجار يقبل ويسحب الدعوى».
ويوضح أن قانون الإيجارات وكل ما سبقه ولحقه من قرارات تحرم المستأجر من أبسط حقوقه، وتضع العصمة بيد المؤجر، خصوصا وأن هناك فقرة في القانون تنص على: «إذا احتاج المؤجر أو مالك العين المؤجرة للانتفاع بالعين المؤجرة لشخصه، فمن حقه إلغاء العقد في أية فترة من الفترات».
ويستطرد: من المؤسف أن يتم تطبيق هذه الفقرة من القانون، والتي تخول للمؤجر طرد هذا المستأجر أو ذاك بشكل مزاجي، ودون تطبيق الفقرات الأخرى التي تصب جزئيا لصالح المستأجر.

عقد إذعان وليس إيجار
ويقول الرهيدي: «هناك فقرات في القانون لا يعمل بها في ما يخص إخراج المستأجر أو إخلاء المسكن، وكذا في حالة وجود أكثر من مستأجر في العمارة، لأن القانون الذي لا يعمل به وضع ضوابط حسب الأولويات وحسب الظروف الطارئة للشخص المستأجر، وليس حسب مزاجية المؤجر، فمثلاً الأولوية تكون لإخراج المستأجر القادر على استئجار شقة جديدة، وليس الشخص الذي لديه ارتباطات أو لديه أولاد يدرسون في المدرسة القريبة من محل إقامتهم، وهناك كثير من الاعتبارات والأولويات المتعلقة بإخراج المستأجر، ولكن للأسف هذه الفقرات في القانون، والتي في صالح المستأجر، لا تطبق».
ويردف قائلا: «كل شخص يحور القانون بالاتجاه الذي ينتفع منه، لكن في المحصلة النهائية قانون الإيجارات بشكل عام يفيد المؤجر وليس المستأجر، حتى عقد الإيجار هو بالأساس يسمى عقد إذعان وليس عقد إيجار، لأن كل فقرة فيه تقول بأن على المستأجر كذا وكذا، ولا توجد فقرة واحدة لصالحه أو حتى تقول بأن من حقه أن ينشف ثيابه في سطح المنزل».

ليس من اختصاصنا
الرائد نضال الكشري، نائب مدير قسم شرطة جمال جميل، يؤكد أن المستأجرين يدفعون فاتورة جشع وطمع ملاك العقارات، منوهاً إلى أن مشكلة رفع الإيجارات وطرد المستأجرين ظاهرة يعاني منها كثير من المواطنين، بمن فيهم العاملون في أقسام الشرطة من ضباط وجنود وأفراد، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من عامة الشعب اليمني، مطالبا السلك القضائي بالتعامل بجدية مع قرارات الرئيس المشاط الخاصة بمنع رفع الإيجارات، خصوصاً وأن أغلب القضايا المدنية التي يستقبلها قسم شرطة جمال جميل حاليا هي تلك التي بين المؤجر والمستأجر، حسب قوله.
وعن كيفية تعامل قسم الشرطة حيال هذه القضايا، يوضح الكشري أن هناك تعميماً لأقسام الشرطة بعدم التدخل في قضايا الإيجارات، كون الفصل فيها ليس من اختصاصنا، «نستقبل يوميا من 4 إلى 5 قضايا تتعلق بمشكلة الإيجارات، ونحن هنا نقوم بدور الوسيط المصلح بين الطرفين، ونقترح لهم الحلول قبل إرسالهم إلى النيابة، ونجحنا في حل بعض هذه القضايا بشكل ودي، لكن أغلبها يتم إرسالها إلى النيابة».

الوسيط المصلح
وحول ما يشاع عن انحياز أقسام الشرطة إلى ملاك العقارات ضد المستأجرين، بمن فيهم المهددون بالطرد من مساكنهم، يقول الكشري: «كثير من ملاك العقارات يأتون إلينا بشكوى، ولديهم أكثر من حجة، بعضها قد تكون صحيحة، لكن أغلبها كيدية لإخراج المستأجر، فهذا يريد الشقة لتزويج ولده، وآخر يريدها لأحد أقربائه أو ليسكن فيها، وهي في الغالب أعذار كاذبة، الهدف الحقيقي منها ابتزاز المستأجر على دفع مبالغ زيادة فوق الإيجار، أو إجباره على الخروج ومن ثم تأجيرها على آخر بسعر خيالي، ونحن ليس لدينا صلاحيات بالتحري عن صدقه أو كذبه، وليس لدينا صلاحيات بتطبيق القانون عليه، نقوم بتحويل القضية إلى القضاء، وهو المخول بتطبيق القانون».
وعن الدور المجتمعي لقسم شرطة جمال جميل حيال هذه المشكلة التي يعاني منها شريحة كبيرة في المجتمع، يؤكد أن القسم يقوم بدور اجتماعي كبير في ما يتعلق بمشاكل الإيجارات، وبحدود صلاحياته، ويقول: «نقترح حلولاً على الطرفين، وننصحهم بالقبول بها بدلا من الدخول في متاهات المحاكم، ونقوم بدور النصح والتوعية والحث على البر والإحسان والتعاون، كما نقوم بتوعية ملاك العقارات بضرورة تقدير ظروف المرحلة الحالية والتعاون مع المستأجر قدر الاستطاعة».
ويستغرب الكشري من تجاهل القضاء لقرار الرئيس المشاط، مناشداً الحكومة تفعيل قرار الإيجارات على الواقع بدلاً عن الاكتفاء بإصداره على الورق.