بيتر نواك
ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -

إن التغاضي عن قرار للبرلمان العراقي سحب جميع القوات الأجنبية هو مثال على حقيقة «القيم الغربية» الأكثر رواجاً.
إنها في الواقع واحدة من أساسيات «القيم الغربية» الأكثر رواجا، مفادها أن حكومات تتجاهل قرارات برلمان يجب اعتبارها غير ديمقراطية، ويجب دعوتها إلى احترام النظم، على الأقل حين تُعتبر، كما في فنزويلا، غير شعبية من الناحية السياسية. عندها يمكن لأي رئيس برلمان أن يتصرف حتى خارج بلاده كرئيس فنزويلا، رغم أنه ليس لديه ما يقوله في بلده.
لكن هناك أيضا حكومات تمارس ضدها الضغوط باسم القيم الغربية حرفياً لتجاهل قرارات برلمانها، خاصة عندما تقرر أن جميع القوات الأجنبية والعسكريين يجب أن يغادروا البلاد. هذا هو بالضبط ما قرره البرلمان العراقي بالأغلبية -وإن كان ذلك في غياب معظم النواب السنة والأكراد- في بداية يناير الماضي.
وحتى لا يبدو هذا القرار كتهليل عديم الجدوى، طُلب من الحكومة على وجه التحديد سحب طلبها بخصوص الدعم العسكري لحلف الناتو في الحرب على داعش، وبدء دعوى سحب القوات. بعد ذلك بوقت قصير، أعلن البوندسوير عن تغيير اعتيادي للجنود. كان الموقف ديناميكيا جداً، وقد يتغير باستمرار، وفق ما نُقل عن متحدث باسم البوندسوير في بداية يناير.

قرار برلماني يتم تجاهله
بعد شهر لم يعد هناك أي حديث عن انسحاب للبوندسوير وجيش الناتو، بل العكس، أقر الناتو، بحسب ما قرره وزراء الدفاع في 12 فبراير، «جزءا من أنشطة التدريب» للتحالف المناهض لداعش بقيادة الولايات المتحدة. هذا ما قاله المتحدث باسم البوندسوير عن الوضع الديناميكي الذي يمكن أن يتغير بسرعة. لكن ما لم يتغير هو قرار البرلمان العراقي سحب القوات الأجنبية من البلاد وعدم قبول الحكومة المساعدات العسكرية الأجنبية.
في الأسابيع الأربعة الماضية، مارس الناتو ضغطا هائلا على الحكومة العراقية للتغاضي عن القرار البرلماني (سحب القوات: الولايات المتحدة تهدد العراق مرة أخرى). ولأن الحكومة لم تكن راغبة في القيام بذلك بسرعة، فإن المطالب سرعان ما بدت كالأوامر. وقالوا على وجه التحديد إنهم مستعدون لعملية عسكرية أخرى في البلاد، لكنهم ينتظرون موافقة الحكومة. وبالتالي مسألة أنه تم حث الحكومة على تجاهل قرار برلمانها لم تكن غامضة.
لم يحاول حلف الناتو إقناع البرلمان بإعادة التفكير وسحب القرار. ثم بدا الأمر رسمياً حالة ديمقراطية.  كان الأحرى أن يُنظر إلى القرار البرلماني على أنه لفتة مزعجة تمنع أنشطة الناتو لفترة طويلة، ودُعيت الحكومة إلى حسمه في أسرع وقت ممكن.
فأن يتم انتهاج ذلك من قبل مؤسسات تتحدث باستمرار عن الديمقراطية وبناء الأمة أمر يؤدي إلى الإحباط والسخرية بين المواطنين العراقيين، الذين ما زالوا يتوقعون شيئا من القيم الغربية المزعومة. يمكن للعديد من المتنفذين الذين يستعدون لدورهم كديكتاتوريين في المستقبل إقناع أنفسهم بأن الدول الغربية وحلف الناتو سوف يسمحون لهم بالمضي في تجاهل الديمقراطية وقضايا الحريات طالما أنهم مفيدون لهؤلاء وينفذون سياسة بحسب رؤيتهم.
ذلك النهج كان على الدكتاتور العراقي صدام حسين، الذي كان كجبهة للغرب ضد إيران الإسلامية، أن يتبناه، إلى درجة أصبح معها شخصا غير متوقع. لقد خلق سقوطه، وقبل هذا وذاك سياسة الاحتلال التي أعقبت ذلك، فقط القاعدة للانتشار الهائل للنفوذ الإيراني في العراق من جهة، وداعش من ناحية أخرى.

ضربة ضد الحركة الاحتجاجية العراقية
نشأت في الأشهر الأخيرة حركة احتجاج في العراق، من الشباب الذين لم يختبروا سنوات الحكم الدكتاتورية لصدام. لقد تحركوا ضد النفوذ الإيراني المتنامي في البلاد وتشكلوا تحت راية الدفاع عن دولة عراقية علمانية. يمكن لهذه الحركة بالطبع أن تتحول في أي وقت إلى حكم استبدادي وطني جديد، كما يظهر من نموذج السيسي في مصر. إنما هناك أيضا احتمال أن تؤول تلك الحركة إلى التطرف وتضع على جدول أعمالها إحداث اضطرابات اجتماعية.
إن مقتل القائد الإيراني الإسلامي سليماني على أراض عراقية قد عرقل حركة الاحتجاج إلى حين، غير أنه لا يمكن لها أن تتوقف. أما قرار الناتو مواصلة العمل في العراق ضد إرادة البرلمان فيعد نكسة أخرى لهذه الحركة. إن لديها هدفا معلنا ألا وهو عدم الرغبة في أن تكون كرة لعب في الصراع الجيوسياسي بين إيران وخصومها. غير أن ذاك هو السبب في أن من الأهمية بمكان بالنسبة للناتو البقاء في البلاد حتى لو كان ذلك ضد إرادة البرلمان العراقي.


الموقع: (TELEPOLIS)
15 فبراير 2020