استطلاع: مالك الشعراني / لا ميديا -

يدلف العام الثاني على التوالي، ولازالت أزمة المياه مستمرة في محافظة إب العاصمة السياحية لليمن، أو كما يطلق عليها محبوها «اللواء الأخضر» لشدة اخضرارها وجمالها الآسر.
تعتبر محافظة إب من أغنى محافظات الوطن بالموارد المائية، وتمتلك مخزوناً استراتيجياً هائلاً من المياه الجوفية، وذلك لوقوعها في موقع جغرافي متميز يكثر فيه هطول الأمطار في فصول الربيع والصيف والخريف، رغم ذلك فإنها تشهد أزمة مياه تتفاقم يوماً بعد آخر، وهو ما يضع الكثير من علامات التعجب والاستفهام، لاسيما في ظل تكاثر مشاريع محطات المياه الاستثمارية الخاصة في الأحياء والشوارع الرئيسية، والحفر العشوائي للآبار وارتفاع أسعار الوايتات، مما أثقل كاهل المواطن.
صحيفة «لا»، سلطت الضوء على هذه المشكلة، واستطلعت آراء المواطنين ونقلت معاناتهم، وخرجت بالحصيلة التالية. 

عامان من المعاناة
معاناة المواطنين في مدينة إب جراء أزمة المياه لا تنتهي، المواطن رضوان حمود مصلح، من ساكني حي المنظر ـ مدينة إب، يشكو معاناته جراء انعدام الماء والمتواصلة منذ عامين، حيث يقول: «دخل العام الثاني على التوالي وأنا أعيش في معاناة مع الماء ولا يصل إلى منزلي إلا نادراً، ليس أنا فحسب، بل هناك الكثير من الجيران لا يحصلون عليه إلا بصعوبة وبكميات غير كافية، لماذا إب فقط تعاني من هذه الأزمة وهي غنية بالماء، والأمطار تهطل عليها بغزارة في فصل الصيف؟ لا ندري ما هي أسباب شح المياه وهذه الأزمة الخانقة!».
وهو ما يؤكده الدكتور الصيدلي معاذ الهتار، بقوله: على الرغم من أن محافظة إب تنعم بهطول الأمطار كثيراً، إلا أنها أصبحت أكثر محافظة معاناة من أزمة المياه.
غير أن المواطن «ق. ب»، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، نفى وجود أزمة مياه في إب، حيث يقول: «من قال لكم إن عندنا أزمة، وإن مياه إب على وشك النضوب؟ هناك مئات الآبار تُحفر في مناطق الذهوب والسحول والصلبة وغيرها، فكيف عندنا أزمة؟ هذا كلام للاستهلاك الإعلامي ولجلب مساعدات مالية فقط».

أزمة إدارة 
ويوضح «ق. ب»، أن المشكلة القائمة تتمثل في ما يحدث من استنزاف للموارد المائية بسبب سوء الإدارة! مضيفاً: «عداد المؤسسة الذي ركبته لمنزلي بعد وساطة، فصلوه قبل 5 سنوات، ومنذ ذلك اليوم وأنا أشتري وايتات». مطالباً مؤسسة المياه والصرف الصحي بالكف عن التلاعب بالمخزون الاستراتيجي وعصب الحياه (الماء).
من جهته، يحملّ المواطن محمد العواضي، من سكان وسط إب، مؤسسة المياه والصرف الصحي، المسؤولية عما آلت إليه مياه المحافظة، كونها مؤسسة إيرادية، وكان الأحرى بها صيانة الآبار القديمة والبحث عن آبار جديدة، وإيجاد حلول مناسبة للحاضر والمستقبل. ويوجه رسالة للقائمين على مؤسسة المياه بأن يعملوا على تلافي الأخطاء التي حدثت في الفترة الماضية وإصلاح ما يمكن إصلاحه.

زيادة سكانية
أما رضوان مصلح، فيرى أن سبب أزمة المياه يتمثل في زيادة عدد السكان والحاجة المتزايدة للماء، وهو نفس السبب الذي أورده الهتار، مضيفاً إليه أسباباً أخرى، مثل عدم وجود حواجز مائية لحفظ مياه الأمطار والاستفادة منها، إضافة إلى عدم ترشيد استخدام المياه من قبل المزارعين، خصوصاً في ري شجرة القات.

سوء تخطيط واستنزاف جائر
البروفيسور هادي محمد الصليحي، رئيس قسم الجغرافيا بجامعة إب، يورد عدداً من الأسباب التي يرى أنها أدت إلى تفاقم أزمة المياه التي تشهدها المحافظة، وهي: «سوء التخطيط وعدم توفر رؤية وطنية شاملة لتنمية الموارد المائية، خصوصاً على مستوى حوض إب والمحافظة، وكذا التخطيط العشوائي لمدينة إب وتوسعها فوق الحوض المائي، والقضاء على التربات التي من خلالها يتم حصاد مياه الأمطار وتغذية الخزان الجوفي، إضافة إلى تناقص معدل الأمطار في السنوات الأخيرة، من 1100 إلى 700 ملم، وكذلك الحفر العشوئي والاستنزاف المستمر للآبار بكميات تفوق المحدد، وزيادة عدد سكان مدينة إب، التي يقطنها حالياً أكثر من 600 ألف نسمة، بسبب الهجرة الكبيرة من القرى إلى المدينة ونزوح الآلاف من تعز والحديدة إليها».

أسعار جنونية
في ظل أزمة المياه التي تعانيها مدينة إب، ارتفعت أسعار وايتات الماء بشكل جنوني، إذ تصل أسعارها من 5 إلى 10 أضعاف فاتورة مؤسسة المياه، بحسب ما يقول المواطن محمد العواضي، الذي يرى أن هذه الأسعار أثقلت كاهل المواطن، لكنه يستدرك بالقول: «لا نلـــــــوم أصحاب الوايتات فلهم ظروفهم، ولكن اللوم يقع على عاتـق أصحـاب المحطـــــات الذين يتسابقون في جني الأرباح».
ويتفق معه في الرأي رضوان مصلح، الذي يرى أن أسعار الوايتات مبالغ فيها، وبالأخص عندما يزداد الطلب عليها، والسبب يعود إلى رفع أصحاب المضخات لسعر الوايت. متمنياً من المعنيين إيجاد حلول لهذه المشكلة التي تعتبر أكبر مشكلة يواجهها أبناء إب في الوقت الحاضر.

المطلوب إعادة النظر
ويعبر الهتار عن أسفه الشديد من استغلال أصحاب الوايتات لهذه الأزمة ورفع أسعارها بشكل جنوني، دون مراعاة لظروف المواطنين.
ويطالب وزارة الميـــاه والبيئة، بأن تعمل جاهدة على دراسة موضوع ارتفاع أسعــــار الوايتــــات وتحديدهــــا، والعمــــــل علـــى توفير المياه للسكان بأقل تكلفــــة، وإعــــادة تأهيل شبكة المياه والصرف الصحي، وأيضاً تفعيل دور الرقابة والمحاسبة على هذا القطاع الحيوي.
فيما يرى المواطن «ق. ب» أن الأسعار معقولة، «ولكن مقارنة بأسعارها في صنعاء وتعز، وفي محافظة غنية بالمياه مثل إب، فتعتبر غالية».
ويصل سعر صهريج الماء كبير الحجم في مواسم الأمطار 10 آلاف ريال, والصغير 6 آلاف ريال بينما يتجاوز الـ 1500 ألف ريال في موسم الشحة أواخر الشتاء.
البروفيسور الصليحي يطالب بإعادة النظر في تعرفة المؤسسة العامة للمياه وأسعار وايتات أصحاب محطات الاستثمار، «بحيث لا يكون هناك ضرر على المواطن ولا ضرار على أصحاب الوايتات ومحطات الاستثمار، إلا إذا كان هناك مستفيدون من وراء بقاء هذه الأسعار، فهذا شأن آخر».

الآبار نضبت
قمنا بزيارة إحدى محطات تعبئة الوايتات، وهناك دافع صاحب وسائق أحد الوايتات، ويدعى عبدالرقيب الخولاني، عن الأسعار، قائلاً: «نحن ملتزمون بالتسعيرة التي حددها مكتب مؤسسة المياه، وإذا كان هناك من ارتفاع للسعر، فذلك أمر منوط بمالك مشروع المحطة الذي يقــوم برفــــع السعر بسبب ارتفاع سعر مادة الديزل».
ويؤكد أن «هناك بالفعل أزمة مياه، ونظراً لقلة الماء في البئر فإنهم يطوبرون ولا يعبئون سوى وايت واحد في اليوم الواحد، لأن خزان الوايت يحتاج ساعات لتعبئته».
ويطالب الخولاني الجهات المعنية باستغلال مياه الأمطار وبناء الحواجز والسدود وحفر آبار خارج المدينة لتغذية عاصمة المحافظة إب.

الماء معركتنا القادمة!
وينتقد الصليحي، عدم اتخاذ تدابير ضرورية من شأنها حفظ المياه من النضوب، مثل: بناء سدود وخزانات لتجميع مياه الأمطار، وكذا تغييب واستبعاد دور ذوي الاختصاص وعدم استشارتهم عند التخطيط للموارد المائية والتخطيط الحضري للمدينة. مشيراً إلى أن الأخطاء مازالت مستمرة على مستوى حوضي السحول وميتم واللذين يتم استنزاف مواردهما المائية لري شجرة القات بنسبة 70% من المياه الجوفية.
ويطالب بالحد من الحفر العشوائي للآبار، وترشيد استهلاك الماء، وبناء السدود والكرفانات وخزانات المياه، وإتاحة الفرصة للخبراء للتخطيط المائي السليم والتوسع في التشجير وبما يضمن استدامة الموارد المائية.
ويقترح إنشاء حساب بنكي واستقطاع ضريبة تودع في ذلك الحساب لدراسة مشروع تحلية مياه البحر وتنمية مشاريع المياه مبكراً قبل أن نصل إلى مرحلة حرجة لا تسمح لنا بعمل ذلك، خصوصاً ونحن نمر بظروف بالغة الصعوبة، ويقول إن الحرب القادمة هي حرب الماء أولاً والغذاء ثانياً، فلا بد من تضافر الجهود والعمل ليلاً ونهاراً في مراكز البحث العلمي بجامعة إب، على أوسع نطاق، وبما يضمن لنا الأمن المائي والغذائي.