الاكتفاء الذاتي.. مطلب مهم لتحقيق استقلال اليمن

حوار وتحقيق / عادل عبده بشر - فاطمة أحمد مطهر / لا ميديا -

الاكتفاء الذاتي، هو القدرة على إنتاج جميع الاحتياجات الغذائية محليا من خلال الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانات الذاتية، والاستغناء كلياً عن استيراد الأغذية من الخارج لتلبية هذه الاحتياجات.
وفي اليمن أثبتت سنوات الحرب والحصار الـ5 من قبل تحالف العدوان بقيادة السعودية، أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة يُعد مطلباً جوهرياً وملحاً لتحصين المجتمع من الأزمات والمجاعات، وتحرير الوطن من الهيمنة الخارجية وعدم استقلالية القرار السياسي والسيادي الوطني أمام دول الاستكبار العالمي.
ورغم أن اليمن اشتهرت منذ قديم الزمن بالزراعة، وتمتلك مساحات زراعية شاسعة وموقعاً جغرافياً متميزاً ومناخاً متنوعاً، إلا أن الحكومات المتتابعة منذ منتصف القرن العشرين، أهملت القطاع الزراعي بشكل كبير، وأصبح قوت الشعب مرهوناً بالخارج، ومؤخراً بدأ التوجه في صنعاء من قبل القيادة السياسية نحو الاهتمام بالزراعة والإنتاج المحلي من الغذاء.
هل اليمن قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء؟ وكيف تستطيع تحقيق ذلك؟ وما العوائق والصعوبات التي قد تعرقل تحقيق هذا الهدف؟ هذه وغيرها من الأسئلة دفعت صحيفة "لا" إلى فتح ملف الزراعة في هذا التحقيق.


للإجابة على الأسئلة السابقة والاطلاع أكثر على وضع القطاع الزراعي في اليمن، والجهود المبذولة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة، كان لنا لقاء مع عضو اللجنة الزراعية العليا، مهندس الجبهة الزراعية عادل أحمد مطهر.

إمكانات مرتبطة بسقوط الأمطار
ـ هل اليمن قادرة على الاكتفاء الذاتي من الزراعة؟
نعم.. قادرون أن نحقق الاكتفاء الذاتي ليس لنا فقط، بل سيفيض، اليمن لديها إمكانات وقدرات ومقدرات محلية سواء في الموارد الطبيعية أو البشرية، ولكن السؤال الذي نضعه بين قوسين هو: "كيف يمكن لليمن أن تحقق الاكتفاء الذاتي وأن تصل إلى تحقيق الأمن الغذائي؟".. الإجابة هنا أن الأمن الغذائي لليمن مرهون بعدة عوامل، أهمها: تساقط الأمطار.. ولدينا من التركيبة المحصولية المحلية، ما يتلاءم مع نسبة تساقط الأمطار في بلادنا. وإذا أردنا أن نحقق اكتفاء ذاتياً فيجب الاعتماد بشكل كبير على إعادة إحياء معارفنا التقليدية في إدارة مواردنا الطبيعية وزراعة الأراضي الزراعية كاملة.

استعمار غذائي
ـ كيف؟
اليمن تمتلك 5 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، المزروع منها إلى حد الآن مليون ونصف مليون هكتار، من بينها 350 ألف هكتار زراعة مروية متمثلة في زراعة القات والخضار والفاكهة، تزرع على المياه الجوفية والأراضي الزراعية المروية، ومليون و150 ألف هكتار زراعة مطرية.. هذا في ما هو مستصلح وتتم زراعته.. هناك بعض القصور في الوعي، ما جعل الكثير من أبناء المجتمع يتخيلون أننا غير قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذا القصور عززه الغزو أو الاستعمار الغذائي الذي تشنه الدول الكبرى، فنحن الآن واقعون تحت استعمار غذائي من قبل دول الاستكبار العالمي، التي تمتلك البذرة، المصدر الرئيسي للغذاء، فعملت هذه الدول على تحويل الثقافة الاستهلاكية لمعظم الشعوب من المحاصيل الزراعية الوطنية لتلك الشعوب، إلى المحاصيل التي تنتجها دول الاستكبار، ومن خلال ذلك تعزز الفهم لدى المجتمعات أننا غير قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي، لأنهم حصرونا في محصول واحد اسمه القمح.


القمح كمحصول مستقل
ـ هل نحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟
لا.. نحن غير قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح كمحصول مستقل، بحيث إن الناس يأكلون قمحاً فقط، دون استهلاك بقية المحاصيل مثل الذرة والشام وغيرها، نحن غير قادرين أن نصل إلى 3 ملايين ونصف مليون طن في السنة من إنتاج القمح.

ـ الواقع الآن أن الاستهلاك الأكبر هو للقمح.
الاستعمار الغذائي العالمي حول ثقافة الاستهلاك المحلية إلى القمح.. هم يمتلكون نقاط القوة كلها في إنتاج القمح، مثلاً: بلادهم غزيرة الأمطار، لديهم ثلوج ومساحات شاسعة جدا أُدخلت فيها الميكنة حتى أصبح لديهم فائض كبير في إنتاج القمح، لكن كقيمة غذائية وكأمن غذائي يمني نحن لا بد أن يكون القمح بنسبة معينة في المائدة اليمنية، والذرة يجب أن تأخذ الحيز الأكبر، لأن الذرة عندنا هي سيدة المحاصيل الزراعية اليمنية، واليمن هي بنك الذرة على مستوى العالم، حيث نمتلك حوالي 73 صنفاً، ويقع تحتها أكثر من 1600 طرز، يعني بنك بنوك الذرة الرفيعة في العالم كله.

ـ ما هو الطرز؟
الطرز أنواع من حبوب الذرة تختلف عن بعضها في اللون وحجم الحبة وتدويرها وغير ذلك، يعني الطرز ينحدر من الصنف نفسه، فالصنف يأتي تحته طُرز.

الثقافة الاستهلاكية التقليدية
ـ يعني الآن لا يمكن تحقيق اكتفاء ذاتي من الزراعة إلا عندما تكون شاملة لجميع الحبوب؟
نحن عندما نقول اكتفاء ذاتي، ونريد أن نحققه في وقت قياسي، يجب أن نشتغل على الذرة كرقم واحد في الزراعة الحبية اليمنية، كون الذرة محصولاً مطرياً، يزرع في كل الأقاليم الزراعية اليمنية سواء في السهل أو المرتفعات أو الهضبة، أما القمح فيزرع في الهضبة الشرقية التي تتمثل في مأرب والجوف وحضرموت وأجزاء من شبوة.. هذه هي مناطق زراعة القمح بشكل استراتيجي وكبير، لو زرعت كل هذه المناطق بمحصول القمح، يمكن أن نسد قرابة 50-60% من احتياجنا من فاتورة القمح الخارجي، لكن لو دخلت الذرة جوار القمح، سنبقى مكتفين 100%، ولن نحتاج حتى كيساً واحداً من الخارج.

ـ وهذا مرهون بالعودة إلى الثقافة الاستهلاكية التقليدية التي تحدثت عنها قبل قليل؟
نعم.

ـ وضح لنا ما هي هذه الثقافة؟
ثقافتنا الاستهلاكية التقليدية هي التي ورثها لنا الآباء والأجداد، فلو كان الآباء والأجداد عارفين أن القمح سيسود في إنتاجه ويغطي احتياجنا بالكامل لما كانوا اتجهوا إلى تطوير محصول الذرة، كانوا سيتجهون إلى تطوير محصول القمح، رغم أننا نمتلك أصنافاً عديدة من القمح، وبما يتلاءم مع بيئتنا ويزرع في مساحات لا بأس بها.

ـ وجودة القمح اليمني أفضل بكثير من الخارجي؟
بالتأكيد، الأقماح اليمنية هي على عهدها وطبيعتها كما خلقها الله، لذلك جودتها تكون عالية، أما الأقماح التي نستهلكها هي أقماح معدلة وراثياً، وتسمى مطفرة تتم عملية تطفير لها، يعني أنهم يلعبون بخارطتها الجينية، ويشتغلون شغلاً تجارياً دون مراعاة الجانب الغذائي والصحي للقمح الخارجي.

أبرز الصعوبات
ـ ما هي أبرز الصعوبات التي تواجه المزارعين خلال العملية الزراعية وأثناء تصريف المنتج؟ هناك الآن في تهامة محاصيل كثيرة من الذرة لم يتمكن المزارعون من تصريفها.
في ما يخص الأمن الغذائي لمحاصيل الحبوب، عندنا مثل شائع ومتوارث من مئات السنين يقول "لو زرعت تهامة لأكلنا إلى يوم القيامة"، وفعلاً تهامة عندما تزرع من الجبل إلى البحر تكفينا وتزيد، فما بالك بالجوف ومأرب وأبين وحضرموت وتُبن، هذه المناطق كاملة لو تمت زراعتها ستكفينا في اليمن وشبه الجزيرة العربية، وستحقق فائضاً.
فالصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي بشكل عام، وعلى رأسها المزارعون، هي كثيرة، ومن أبرزها سوء إدارة المحصول، وغياب الجانب الفني (التسويق، التصنيع الزراعي). كل هذه الأمور غائبة، وأنت تخيل أن المزارع اليمني هو الباحث والمرشد والمجرب والمزارع والمسوق، وكل العراقيل هذه أنا أعتبرها مصطنعة وضعتها الحكومات السابقة أمام المزارع، فالحكومات السابقة لم تعمل على إيجاد الحلول الناجعة للصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي في اليمن، بل عملت على تدمير ممنهج للقطاع الزراعي بوضع العراقيل أمام المزارعين، على سبيل المثال السماح بإدخال القمح الخارجي إلى السوق المحلية، وأصبح هذا القمح منافساً قوياً وبسعر زهيد، حيث كانت قيمة الكيس الخارجي توازي أجرة العامل ليوم واحد، وهذا تسبب في تدمير الأراضي الزراعية، حيث اتجه الجميع لشراء القمح الخارجي الرخيص.

ـ بينما لو كانت الحكومات منعت استيراد القمح، ولدينا تجربة في نجاح قرار منع استيراد الفواكه والخضروات عام 1984م...
ما حصل عام 84 أنا أعتبره ثورة، ولكن ثورة في مجال الفاكهة، وكنت أتمنى أن يكون هذا القرار في جانب المحاصيل الاقتصادية، وخصوصاً الحبوب، ورغم ذلك أعتبره قرارا حكيما وثورة زراعية، كان قراراً سياسياً، ولكن المزارعين تبنوا هذه الثورة واتجهوا للزراعة، وحققنا اكتفاء ذاتياً من الموز والفرسك والمانجو وغيرها، ولكن كل هذه المحاصيل هي ضد بناء الاقتصاد الزراعي المقاوم، لأن الفاكهة هي مكملة وليست أساس الغذاء، فخلونا نتجه إلى زراعة الخضار والفاكهة وبأصول تابعة للشركات الزراعية الخارجية، احتياج مائي عال للمزروعات، احتياج وقائي وأمراض وغيرها، يعني فتحنا سوقاً للشركات العالمية التي تنتج الأسمدة والمبيدات وغيرها، فأصبحنا حقل تجارب لمنتجات الغير، ولازال المزارع اليمني إلى اليوم حقل تجارب لمنتجات الغير، والسبب في ذلك أننا تبنينا سياستهم، وتحولنا من زراعة الاكتفاء إلى زراعة الرفاه، بينما لو كانت تلك الثورة في مجال المحاصيل الاقتصادية، لكانت اليمن حالياً الأولى في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى الوطن العربي.
وأنا أعتبر أن كل ما أنجز إلى تاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2014م، كان عبارة عن تدمير ممنهج للقطاع الزراعي عبر سياسة تبناها البنك الدولي ونفذتها الحكومات اليمنية، فأبعدوا الناس عن معارفهم وعاداتهم في إدارة محاصيلهم، وسحبوا المزارعين من مناطقهم الريفية وحولوا الريف اليمني باسم التطور والتحضر إلى ريف مستهلك بدلاً من كونه ريفاً منتجاً ورافداً للمدينة، وأوجدوا فرص عمل وهمية للشباب بسحبهم من قراهم إلى حواضر المدن، ومن حواضر المدن قامت دول الجوار بسحب الشباب والطاقات إلى دول المهجر، وحولتهم إلى شقاة لديها.

ثورة زراعية
ـ كيف تنظر إلى التوجه الرسمي حالياً؟ وما الذي قدمته الجبهة الزراعية في هذا المجال؟
ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014م هي ثورة زراعية، إذا جاز لنا التعبير، الآن نحن نمتلك التوجه والإرادة السياسية سواء من قيادة الثورة أو من القيادة السياسية، هناك توجه واضح للقطاع الزراعي.. صحيح أن الخطط والجهود لازالت مبعثرة نوعاً ما، لكن طالما أن هناك توجهاً وحراكاً مجتمعياً ورسمياً وتنظيمياً لمؤسسات المجتمع المدني، هذا الحراك وهذا التوجه سيصل في الأخير إلى الهدف المنشود، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
الآن لا يوجد معيق أمام الناس إلا أن توضع الخطط الاستراتيجية الواضحة الأهداف، وأن يُشرك الجميع في تنفيذها، وألا ينفرد أحد ويقول أنا قيادة وأستطيع أن أصل إلى نهاية الطريق منفرداً.
لدينا لجنة زراعية عليا تعتبر أعلى سلطة تنوب رئيس المجلس السياسي الأعلى في كل ما له علاقة بالجانب الزراعي، والجبهة الزراعية هي متراس من متاريس اللجنة الزراعية، وكان انطلاق الجبهة الزراعية مع أول قذيفة سقطت على بلادنا من دول الاستكبار في مارس 2015م، حيث ظهرت الجبهة الزراعية ممثلة في الجانب الإعلامي والإرشادي والتوعوي، ثم توسعت أنشطتها، وهي ليست تنظيماً رسمياً، وإنما جهد وحراك شعبي مجتمعي متمثل في مجموعة كبيرة من الأخصائيين والأكاديميين والفنيين الذين تطوعوا في الجبهة، ومهام هؤلاء هي إيصال الرسالة الإرشادية والتوعوية للمزارعين مباشرة عبر الإذاعات الوطنية المحلية، وكذلك رسائل SMS ووسائل التواصل الاجتماعي، جميعها مفعلة في مجال ربط المزارعين بالفنيين في الجبهة الزراعية.

ـ هل الجبهة الزراعية في صنعاء فقط؟
لدينا في الجبهة الزراعية متطوعون من جامعات حضرموت وعدن وتعز وإب وذمار وصنعاء، ومن كل الجامعات اليمنية التي يوجد فيها كليات أو أقسام للزراعة، وأيضاً لدينا متطوعون من المراكز البحثية، وأهم محطة بحثية لدينا هي محطة سيئون. يعني أن الوحدة الزراعية موجودة من كل محافظات الجمهورية اليمنية.

توحيد الجهود
ـ هذا بالنسبة للمجهود الشعبي والتطوعي.. الآن ما الذي يتوجب على الجانب الحكومي في دعم المزارعين؟
المسؤولية كبيرة، ومن الصعب أن نقول إنها مسؤولية الجانب الرسمي منفردا، كما هو أصعب من ذلك أن نقول بأن المسؤولية تقع كاملة على المزارعين، لذلك وحتى نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي لا بد من توحيد الجهود كلها، وتوفير كل الإمكانيات المتاحة لدى الجانب الرسمي ولدى المجتمع الزراعي، وبهذا سننطلق، لكن ما يؤسف له أن الكثير في الجانب الرسمي لايزالون يفكرون بالعقليات السابقة "البيروقراطية" في الأداء والخطط المركزية التي تبنى من فوق وليس حسب أولويات المزارعين والمنتجات الزراعية المحلية، وهذا لن يحقق شيئاً.
لذلك يجب أن تتوحد كل الجهود، الجانب الرسمي مع المؤسسات والمنظمات المدنية والمزارعين.

ـ ما هي الخطوة الأساسية التي يفترض من الجهات الرسمية أو صاحبة القرار اتخاذها كإجراء صارم مُلزم للجميع بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي؟
لا يوجد شيء اسمه إجراء صارم وإجراء ليس صارماً، هناك حاجة اسمها مصلحة أمة، وتتلخص في التالي: أن يكون القطاع الزراعي هو أولى الأولويات بالنسبة لليمن، لأن القطاع الزراعي هو عمود الاقتصاد المقاوم في العالم كله، وليس في اليمن فقط، واليمن لها خصوصيات تتمثل في أن المجتمع اليمني معظمه، إن لم يكن كله، عبارة عن مَزارع ومزارعين، حتى المدن والحضر كانت في الأساس مناطق زراعية، على مستوى العاصمة صنعاء كانت كلها بساتين وحقولاً زراعية منتجة، لذلك الأولوية يجب أن تكون للإنتاج الزراعي وتفعيل المجتمع بصدور قرارات أو تصحيح قوانين أو توفير أموال، أو أي إجراء، خصوصاً وأن لدينا رأس المال الحقيقي، وهو المزارع اليمني.
ومن وجهة نظري، فإن الأولوية تكمن في الحبوب لتحقيق الأمن الغذائي، ولا يمكن أن تتحقق لنا إلا في حالة واحدة، وهي توفير "البذرة والحراثة"، لأن أكبر عائق في التوسع الزراعي لمحاصيل الحبوب هو ارتفاع تكاليف الحراثة وانعدام البذرة الجيدة والمحسنة، فلو توفرت هاتان الحاجتان، أضمن لكم أنه خلال موسم زراعي واحد في 6 شهور، نستطيع إنتاج ما يقارب الـ50% من معدل ما يتم استيراده من الخارج، بدلاً مما يتم إنتاجه حالياً ويقدر بأقل من 30% من النسبة التي يتم استيرادها من الحبوب. وعندما نتحدث عن إنتاج محلي من الحبوب خلال موسم واحد، وبنسبة 50% من الكمية المستوردة، فهذا يعني أننا نتحدث عن مليار دولار سنضعها في خزينة الدولة، ولن ندفعها للاستيراد الخارجي، وهذا سيحقق لنا نقلة نوعية في الجانب الزراعي.
بعد توفير "البذرة والحراثة" وتحقيق التوسع الزراعي في المحاصيل الحبية المحلية، يبقى هناك التسويق، ويواكب ذلك حملة توعوية كبيرة يشترك فيها الإعلام مع المساجد لتوجيه المواطن اليمني لاستهلاك الحبوب المحلية.

ـ لكن الحبوب المحلية، وخاصة القمح، أسعارها مرتفعة جداً مقارنة بالقمح المستورد، حيث يصل سعر كيس القمح المحلي إلى 25 ألف ريال، وهذه التسعيرة وجدناها لدى الكثير من التجار، لماذا لا يقوم الجانب الحكومي بدعم المنتج المحلي من خلال الشراء من المزارعين بالأسعار المرتفعة، ومن ثم بيعه للمواطن بسعر أقل؟
أنا ضد هذه السياسة، ضد أننا ندخل بالدعم المباشر، لأن المزارع وكذلك المستهلك ليس بحاجة إلى دعم مباشر، بالإمكان تقديم دعم غير مباشر، وذلك من خلال توفير البذرة والحراثة وإعادة النظر في الخارطة الزراعية ومحاولة رفع الضريبة ولو بنسبة بسيطة على المحاصيل المنافسة للمحصول المراد رفع إنتاجه وتحسين سوقه، كذلك إشراك القطاع الخاص في هذا الأمر، وخصوصاً المستوردين، بأن يتم السماح لهم باستيراد الحبوب من الخارج إلى جانب إلزامهم بشراء كميات معينة من المنتج المحلي عبر التعاقد مع المزارعين.
وفي ما يتعلق بما تم ذكره عن ارتفاع أسعار القمح المحلي، فأريد أن أصحح هذه المعلومة، وهي أن سعر كيس القمح البلدي لا يتجاوز الـ13 ألف ريال، وهو موجود لدى المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب، وفي نقاط البيع التابعة للمؤسسة.


3 رسائل هامة
ـ ما هي الرسالة التي توجهها في ختام هذا اللقاء؟
أوجه 3 رسائل: الرسالة الأولى للمزارع الذي يعتبر عامود التنمية وأساسها وغايتها، وأقول له: اعمل على إشراك الجانب الفني في العملية الزراعية، هناك عمليات الجبهة الزراعية ومكاتب وزارة الزراعة والسلطات المحلية والمشرفون الاجتماعيون في منطقتك، حاول أن تتواصل معهم لإيصال الجانب الفني إليك وربطك به مباشرة، لأن هذا الجانب الفني سيعينك في العمليات الزراعية واختيار البذور ومواسم الزراعة وإدارة المحصول وجمعه وتعبئته وتسويقه والوقاية من الأمراض والحد من الاستخدام العشوائي للمبيدات.. سيساعدك المهندس الزراعي المختص على تقليل نفقاتك وزيادة إيراداتك.
أما الرسالة الثانية فهي لمنظمات المجتمع المدني: تعمقوا أكثر في الجانب الزراعي، وفكروا بجدية أكثر حتى تسهموا في تحقيق الهدف المتمثل برفد الاقتصاد الوطني وتعزيزه، وذلك من خلال تبني مشاريع لها أولوية في الأمن الغذائي.
والرسالة الثالثة للجانب الحكومي: خذوا من الماضي البعيد ـ قبل 50 سنة ـ القليل والشيء المفيد، واجعلوه أساس الانطلاقة للمستقبل، من خلال إدخال التقنيات الحديثة وتبني مشاريع التمكين الاقتصادي المجتمعي في القطاعات الزراعية والحيوانية والسمكية، ولكن بعقليات وطنية ثورية تؤمن بأن الله هو الرزاق، وتؤمن بأن لدينا إمكانيات وقدرات ذاتية ومحلية تستطيع أن تحقق الأمن الغذائي، وسيعم الخير بلادنا وما حولها، فاليمن هي مصدر خير كبير جداً، ونحتاج فقط أن نفكر بالمستوى الذي يليق بمواردنا الطبيعية العالية، ونرتقي إلى مستواها، ونبدأ بالتدخل في جانب إدارة الموارد من خلال المجتمع المحلي، فأسرع وأسهل طريقة لتحقيق الاكتفاء الذاتي هي مشاريع التمكين الاقتصادي المجتمعي، وهناك تجارب كثيرة أثبتت نجاحها، وبالإمكان الاستفادة منها، مثل التجربة السورية والتجربة الإيرانية والمصرية والهندية والماليزية، وغيرها الكثير من التجارب التي خدمت بلادها في تحقيق الاقتصاد المقاوم، ونحن في اليمن قادرون على أن نصل إلى مستواهم، إن لم يكن أكثر، لأن موقعنا الجغرافي وبيئتنا وتنوع مناخنا وطبوغرافية أرضنا تؤهلنا وتمكننا من أن نكون الأوائل على مستوى شبه الجزيرة العربية، وأن نكون قادة الغذاء وقادة الاستقرار المجتمعي.

جهود رسمية
بدأ التوجه في صنعاء للاهتمام بالزراعة مع مجيء "أنصار الله" إلى السلطة، وظهر ذلك جلياً في خطابات متفرقة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أكد فيها على ضرورة التوجه نحو الزراعة والإنتاج المحلي من الغذاء، لتقليل الاستيراد الخارجي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وظهرت الجبهة الزراعية كمجهود شعبي وبمشاركة متطوعين من أكاديميين وفنيين وغيرهم مع بدء العدوان على اليمن أواخر مارس 2015م، ونتيجة لمحاولة دول العدوان استغلال الورقة الاقتصادية للضغط على الشعب اليمني بهدف إركاعه من خلال إطباق الحصار ومنع دخول نحو 90% من الواردات الغذائية والحبوب بمختلف أنواعها، زاد إصرار السلطات في صنعاء ممثلة حينها بـ"اللجنة الثورية العليا" على التوجه نحو الاهتمام بالزراعة، وتم في 2016م، إصدار قرار من اللجنة الثورية بإنشاء المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب، كإحدى الخطوات الهامة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين الغذاء. 
وتجسيداً لمشروع الرئيس الشهيد صالح الصماد "يدٌ تبني ويدٌ تحمي"، تبنت المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب، في 2018م، جائزة الشهيد صالح الصماد لإنتاج الحبوب، كجائزة سنوية تُمنح لأفضل بحث علمي في مجال إنتاج الحبوب، وأفضل مزارع يحقق إنتاجية مرتفعة من محاصيل الحبوب الرئيسية "الذرة الشامية، الذرة الرفيعة، الدخن، القمح، الشعير"، من أجل خلق روح التنافس بين المزارعين في التوسع بزراعة الحبوب.

الزراعة في أرقام
وفقاً لتقرير رسمي أعده مركز البحوث والمعلومات في وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، تتوزع أراضي الجمهورية اليمنية على النحو التالي:
1 - أراضٍ غير مستغلة زراعياً (صحراء أو مدينة) 300.000 كيلومتر مربع، بواقع 54.05%.
2 - مراعٍ 22.600 كيلومتر مربع، بواقع 40.72%.
3 - غابات وأحراش 1500 كيلومتر مربع، بواقع 2.70%.
4 – أراضٍ مزروعة 1.202 كيلومتراً مربعاً/ 1,484,852 هكتاراً، بواقع 2.04%.
ووفقاً لكتاب الإحصاء السنوي لعام 2017، فإجمالي المساحة المزروعة باليمن 1.084.008 هكتارات.
ويسهم القطاع الزراعي بحوالي 5.14% من حجم الناتج المحلي لعام 2015، في حين يستورد اليمن 3,500,000 طن من الحبوب سنوياً، بمبلغ يزيد عن ملياري دولار، ويمثل القمح 40% من المنتجات المستوردة، و37% مواد غذائية وصناعية، فيما تمثل الأصناف الزراعية كالبقوليات وغيرها 10%، بينما بلغ عدد الأصناف الزراعية المستوردة 896 صنفاً زراعياً، وهو ما يمثل 90% من الاحتياجات الزراعية، رغم أن اليمن بلد زراعي ولها تاريخ في هذا الجانب.

وبالمجمل يستهلك اليمن نحو 3.5 مليون طن من الحبوب، أنتج منها 100.000 طن فقط، بما نسبته 2.8% وهي نسبة ضئيلة جداً، مع الأخذ في الاعتبار استمرار تزايد النمو السكاني بما يفوق 3% سنوياً.
ووفقا لإحصائيات عام 2017، استورد اليمن نحو 3 ملايين طن من القمح، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي 7%.
ومن أبرز المحاصيل الزراعية في اليمن: الدخن والذرة والقمح والمانجو والموز والباباي والبطيخ والرمان والبرتقال والليمون والكمثرى والتفاح والخوخ والعنب والبن.