مرتضى حسين
موقع "ذي إنترسبت" الأمريكي

إن النجاح السياسي الغريب للرئيس دونالد ترامب قام منذ البداية على حملة تلميع الصورة، حيث حاول أن يعكس في شخصيته العامة شخصية الرجل القوي الذي يستمتع بالتهديدات الديكتاتورية، المصممة لتشويق مؤيديه وتخويف معارضيه.
فقد شكل انفجار المظاهرات العامة التي أثارها مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، اللحظة التي يمكن لترامب أن يفي فيها بوعوده الرهيبة.
فقد جهز الذين يخشون ترامب أنفسهم لأن تتحول كوابيسهم إلى واقع. وربما شعر الذين يدعمونه وحملوا وعوده الديكتاتورية على محمل الجد أن لحظة النشوة التي لطالما انتظروها تقترب.
بدلا من تحول ترامب إلى ديكتاتور كامل، فقد حصل شيء أكثر دقة: لم يتحقق ما توقعه أي من الطرفين، فهذه النتيجة الوسط قد تثبت أنها سامة لترامب وخاصة في انتخابات 2020 القادمة.
وكما يعرف أي ديكتاتوري، فعلى كل رجل قوي أن يحكم إما من خلال الحب وإما بالخوف. ولم يفعل ترامب أيا منهما. ونجح رده المراوغ والوحشي في جعله يبدو ديكتاتوريا وضعيفا في الوقت نفسه، وهو خليط قاتل لأي زعيم.
بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا يتوقعون ردا ساحقا لانتفاضة على مستوى البلد، أعطت تصريحات ترامب سببا للأمل أو الخوف. والمشكلة بالنسبة لترامب هي أنه حتى عندما تزيد حدة تهديداته فإنه يبدو عاجزا عن تحويلها إلى أفعال.
هو بالتأكيد لم يقدم أي تنازلات للمظاهرات، فسجن المتظاهرون وضربوا وحتى إنهم قتلوا؛ ولكنه أيضا لم يكن قادرا على سحقهم تماما مثل ديكتاتوري حقيقي، فلم يكن هناك أمر للقيام بمذبحة ضد المتظاهرين، ولم يحل المؤسسات الديمقراطية بمرسوم رئاسي باسم الأمن. وبدلا من ترامب القوي والمخيف، فقد بدا ترامب محاصرا، فحتى المؤسسة العسكرية التي عمل الكثير لمجاملتها يبدو الآن أنها تحولت ضده.
وفي الصورة التي أخذها أمام الكنيسة وهو يحمل إنجيلا لدعوة مؤيديه الإنجيليين لإنقاذه، لم يبدُ ترامب حاسما، بل بدا يائسا. ولم يكن لتلك الحركة أثر إيجابي، فكان هناك توبيخ لها حتى من الشيوخ الجمهوريين.
وقد يكون المتظاهرون حققوا إنجازا كبيرا بالرغم من ثمن المعاناة الحقيقية التي دفعوها. ولو كانت شخصية ترامب السياسية الفاشية صنما، فقد قام المتظاهرون بتحطيمه.
فعند الاختبار الحقيقي كان رد فعل ترامب هو الأسوأ لمصيره السياسي من الجانبين. فقد رد على الانتفاضة بما يكفي من الوحشية ليغضب معارضيه، وبما لا يكفي منها لسحق الانتفاضة وإرضاء قاعدته.
ولا يزال الوضع هلاميا ويمكن للأمور أن تتجه نحو الأسوأ. ولكن كما يبدو من سير الأمور، ومن وصول المظاهرات إلى بوابات البيت الأبيض، فيبدو أنهم أخيرا أزاحوا الستار عن لعب ترامب دور الفاشي.
وما كشفته المظاهرات المستمرة هو أنه ليس ديكتاتورا ينتظر فرصته، بل فنان مخادع، رجل لم يكن أبدا قادرا على القيام بتهديداته المخيفة، ومع أنه تسبب بأضرار جسيمة خلال رئاسته (مثل العائلات التي مزقها من خلال سياسات الهجرة أو الذين قتلوا في حروبه) إلا أنه عندما يختبر يظهر ترامب أنه رجل قوي بدون قوة حقيقية.
ومنذ الثلاثاء الماضي بدأ ترامب يفقد دعم المؤسسة العسكرية، التي ذهب كل مذهب لربط نفسه بها. فأصدر كل من وزير الدفاع مارك إسبر، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وقائد الحرس القومي الجنرال جوزيف لينغل، بيانات تختلف مع الرئيس.
وخلال مؤتمر صحفي، اختلف إسبر علنا مع ترامب حول استخدام القوات المسلحة لقمع المظاهرات، بينما صرح لينغل على الإعلام الاجتماعي الليلة الماضية، بنقد الحكومة بمهارة، للأسلوب الذي ردت به على المظاهرات.
ولكن أتت أشد صفعة من ماتيس، رجل له سجل ملطخ أيضا، حيث قام بخطوة غير مسبوقة بشجبه رئيسا كان قد خدمه قبل عامين.
وكتب ماتيس في بيان سلمه لمجلة "ذي أتلانتك" أمس: "إن دونالد ترامب هو الرئيس الأول في حياتي الذي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي، ولا حتى يتظاهر بأنه يحاول".
ولم يقل الجنرال المتقاعد بوضوح ما الذي يجب فعله، ولكنه اقترح أن "علينا أن نرفض، ونحاسب من هم في منصب (الرئاسة) ويسخرون من دستورنا".
وسواء كان الأمر يتعلق بالمحدودية المؤسساتية أو الضعف الشخصي أو مزيجا من الأمرين فيبدو أن ترامب لم يكن أبدا قادرا على أن يحقق ما يقوله في خطاباته.
إن خيبة أمل الذين يدعمون ترامب كبيرة، لأنه يتحدث مثل ديكتاتوري ودائما ما يطلق تهديدات بالعنف مخيفة، وإجراءات سياسية شديدة القسوة. ورغم ذلك فإن الكثيرين من منتخبيه سيبقون معه على أنه الأقل شرا مقارنة مع معارضيه الليبراليين واليساريين.
ولكن ما لم تقع أحداث درامية تعكس الوضع فإن الهالة التي كانت تحيط به تحطمت. وبالرغم من أن ترامب وضع الأهداف الأعلى التي يتوقعها الفاشيون إلا أنه لحسن الحظ كان دائما يفشل في تحقيقها.
وللوضوح، فإنه يجب أن يكون كل شخص في أمريكا مرتاحا إن خرج ترامب من الرئاسة في تشرين ثاني/ نوفمبر القادم بعد أن تبين أنه رجل قوي فاشل.
ولكن يجب ألا نكون في حالة رضا حتى يتم هذا. وإن تغير شيء في تفكيره أو إن وصل أعضاء إدارته الأكثر تطرفا إلى مواقع السلطة، فقد يكون قادرا على أن يطبق سياسة ديكتاتورية كما يتمنى الكثيرون من مؤيديه.
هناك مخاوف حقيقية في الأشهر القادمة، وسط استمرار ألم جائحة فيروس كورونا، ومستويات بطالة غير مسبوقة، وانتخابات غير واضحة. يجب أن لا يشعر أحد بالارتياح حتى لو تجاوزنا الأزمة الحالية.
ويمكن للناس حاليا أن يحتفلوا بنتيجة واحدة جراء المظاهرات، وهي توجيه تهم خطيرة لرجال الشرطة المتورطين بقتل جورج فلويد، مع ما يمثله ذلك من تدمير الأسطورة التي نسجها ترامب لنفسه على مدى سنوات، وهي الأسطورة التي حملته إلى مكتب الرئاسة.
ومثل معظم الناس حول العالم الذين يحبون استعراض عضلاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، فقد بنى ترامب لنفسه صورة بهدف تخويف الآخرين، لكن وعندما وقف الناس الذين كان يهددهم أمام بابه، تكشفت حقيقته الداخلية والتي تمثلت في "الاختباء".



"عربي 21"
6  يونيو/ حزيران 2020