18 منزلا تضرر والعون الرسمي معدوم.. السيول تجرف آزال صوب المجهول!
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

بشرى الغيلي / لا ميديا -
أن تنهار مبانٍ شاهدة على أعرقِ الحضارات دون أن يكون هناك أي تدخل عاجل لإنقاذها،
فهي لا تقل سوءا عن تعمد العدوان قصف وتدمير تاريخنا.. كارثة السيول الأخيرة التي حدثت في منتصف رمضان الفائت، تسببت في انهيار عدد من مباني صنعاء القديمة، المدينة التي تعد واحدة من أهم مدن التراث العالمي بحسب تصنيف اليونسكو.. ولأهمية الموضوع ناقشت «لا» ذلك مع جهات الاختصاص وخرجت بالحصيلةِ التالية.
حملات توعوية
دعاء الواسعي، رئيس مؤسسة عرش بلقيس، أشارت إلى أنها وجهت نداءات استغاثة لإنقاذ صنعاء القديمة من كارثة السيول عبر مختلف الوسائل الإعلامية.
وقالت في حديثها مع «لا»: إن مؤسسة عرش بلقيس لم تكتفِ بتوجيه نداءات الاستغاثة، بل إنها نفذت وقفات احتجاجية وحملات توعوية طالبت من خلالها الجهات الرسمية والمنظمات الدولية والمحلية بالتدخل السريع لإنقاذ المنازل والمباني المتضررة بسبب سوء الأحوال الجوية وغزارة الأمطار وتدفق السيول، ولم يقتصر ذلك فقط على صنعاء القديمة، بل في العديد من مدن اليمن التاريخية.
موقف المتفرج
بدورنا في صحيفةِ «لا» حاولنا التواصل مع الجهاتِ المختصة حول المباني التي تضررت، ومعرفة إحصائية الأضرار والوفيات، وكيفية التعامل مع الأسر المتضررة.
المهندس مجاهد محمد طامش، مدير عام مركز الدراسات والتدريب المعماري بهيئةِ المدنِ التاريخية، أوضح أن عدد المنازل المتضررة 18 منزلاً، كلها أضرار متوسطة، رطوبة وتشققات في الأساسات. أما عن الأضرار البشرية فلم تحدث أية وفيات، حسب قوله.
وعن بعض الأخبار المتداولة التي تحدثت عن انهيار منزل في حارة سمرة كان بداخله أسرة نازحة من الحديدة توفي على إثره رب الأسرة، والزوجة تم إسعافها، علق طامش بالقول: تلك المنازل تحتاج إلى صيانة وترميم عاجل كأعمال إنقاذية بتكلفةٍ تقدر بحوالي 150 ألف دولار، وقمنا في الهيئة بمخاطبة الجهات المختصة في الدولة بضرورة إيجاد تمويل عاجل لتنفيذ أعمال الصيانة والترميم وإيجاد حلول عاجلة للسائلة تمنع تكرار ما حدث، كما قمنا بمخاطبة اليونسكو بضرورة مساعدة الهيئة في تمويل أعمال الصيانة والترميم، ولازالت المساعي قيد التحاور والنقاش. مضيفاً أن الجهات المعنية كأمانة العاصمة والأوقاف والسلطة المحلية والغرفة التجارية وغيرها، وقفت موقف المتفرج، إذ إن مساعدة السكان الذين تضرروا من الكارثة من قبل الجهات المعنية تكاد تكون شبه معدومة في ظل عجز الهيئة عن عمل شيء نتيجة عدم اعتماد ميزانية للطوارئ.
تقنية التحليل المكاني
من جهته، أوضح المهندس سامي أحمد محب الدين، الاستشاري في تقييم الأضرار، ومدير إدارة الاستشعار عن بُعد في وزارة الاتصالات، أن هناك آلية معاصرة لاستشعار أي خطر طبيعي يتهدد المكان، تسمى تقنية «التحليل المكاني».
وقال إنه من خلال تطبيق هذه التقنية يمكن إنتاج خرائط تصنيف مخاطر السيول عبر عدد من المعايير، منها تكرار عملية الفيضانات، نوع وكثافة استخدامات الأرض، سرعة وعمق الجريان، مورفولوجية المدينة، المراوح الفيضية، مستقبل النمو العمراني، كثافة التصريف، كمية الجريان السطحي، زمن التركيز، وتركز أماكن ضرر المنازل من عمليات الاستهداف.
معرفة الخطر والتنبؤ بحجمه
واستطرد محب الدين بالقول: ونظراً لأن تقنية الاستشعار عن بعد تساعد في الحصول على المعلومات بأسرع وقت وأقل تكلفة وبجودة عالية، فقد بدأت العديد من القطاعات الاعتماد على هذه التقنية، وخصوصاً في ما يتعلق بإدارة المدن التاريخية، ومنها مدينة صنعاء القديمة، حيث قام المركز اليمني للاستشعار عن بعد بعمل حالات دراسية بالاعتماد على البيانات المتوفرة التي لها أهمية كبيرة في دراسة العديد من الكوارث الطبيعية وتهديداتها، وتعد السيول من أشد الأخطار الطبيعية التي تتأثر بها المنشآت العمرانية وشبكات الطرق، وتدخل تقنية الاستشعار عن بعد في مراحل عملية إدارة مخاطر السيول، والتي تشتمل على عدة مراحل منها: مرحلة معرفة الخطر والتنبؤ بحجمه، ومرحلة التعامل معه أثناء الحدث، ومرحلة تحديد الأضرار وتحديد الفترة الزمنية للتعافي منها. ومن ثم تأتي عملية حصر المخاطر لدراستها وإيجاد حلول دائمة لها وتحديد أولوياتها.
تركز الأضرار
وعن نتائج الرؤية الأولية على خارطة توزيع المساكن في مدينة صنعاء القديمة وحدود الحارات المقسمة للمدينة ووضع السائلة التي يتجاور طولها حدود الكيلومتر أثناء مرورها من مدينة صنعاء، والتي تُعتبر خط الحماية للمدينة، قال محب الدين: زيادة تدفق المياه وطول فترة سقوط الأمطار على المدينة تصل لساعات بمجملها كما حصل في شهر أبريل من هذا العام، شكلت ضغطاً على البيوت التي تعاني من مشاكل مختلفة، فهي لم تحصل على الصيانة من تأثيرات الانفجارات والاهتزازات التي تعرضت لها المنازل نتيجة قصف الطيران في أكبر جريمة تتعرض لها المدينة التاريخية، وكذا مشاكل البنية التحتية المتقادمة، كشبكة المياه المتسربة على أساسات البيوت، وكذا الفترة المتباعدة لأعمال الصيانة للبيوت التاريخية، كل هذه الظروف المجتمعة تشكل ناقوس خطر يتهدد المدينة. كما توضح الخارطة مواقع بعض البيوت التي انهارت في حارات (معمر وسمرة والدار الجديد) خلال السيول الأخيرة وعلاقتها بأماكن تركز الأضرار على المدينة نتيجة قصف الطيران والتي تم مسحها من قبل الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية وبتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية واليونسكو.
اليونسكو والحدود الدنيا
خلال إعداد هذا التقرير حاولنا التواصل مع أحد مختصي منظمة «اليونسكو»، لكن للأسف لم يتم الرد علينا رغم أن الجوال كان مفتوحا، وأرسلنا إليهم رسالة SMS بأن صحيفة «لا» تود الاستيضاح حول دورهم تجاه كارثة السيول بصنعاء القديمة، لكن لم نتلق أي رد.
المهندس سامي محب الدين علق على دور «اليونسكو» بالقول: «اليونسكو» حاليا تعمل بالحدود الدنيا نتيجة استمرار الحصار على اليمن وتعقيد المشهد في بلادنا، حيث إن المنظمات الدولية تسلط الأضواء على المعاناة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم التي صنعها العدوان وبتواطؤ من المنظمات الدولية نفسها، كل ذلك على حساب الأضرار التي تتعرض لها المواقع الأثرية والمدن والمعالم التاريخية.
وأضاف: إذا وجدت تدخلات فتكون بالشراكة مع الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية والصندوق الاجتماعي للتنمية في تحديد وتقييم الأضرار على مباني المدينة أو البنية التحتية أو البحث عن تمويلات لإنقاذ بعض البيوت، ولكنها تظل محدودة جدا أمام ما تعانيه هذه المدينة العريقة.
إذن صنعاء القديمة.. درة اليمن وواجهته الحضارية، لم تعد بحاجة لشعاراتٍ فضفاضة وعباراتٍ منمقة، بل صارت بحاجة إلى جهودٍ جادة تعيد لها مجدها التليد منذ آلاف السنين.. وهنا عبر صحيفة «لا» نأمل من الجهاتِ المختصة أن تضطلع بدورها الذي يجب يكون لتظل على قائمةِ مدنِ التراث العالمي من خلال إعادةِ إعمار ما تسببت بانهياره السيول، وكذلك المحافظة على ميزتها الحضارية وفنها المعماري الفريد.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا