محمد سحيمي*الموقع: "مناهضة الحرب" (antikrieg)

ترجمة  خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -
مع تبقي 4 أشهر فقط للانتخابات الرئاسية الأمريكية، واحتمال خسارة دونالد ترامب، الرئيس الأكثر تأييداً لـ"إسرائيل" في التاريخ، حاولت "إسرائيل" استفزاز إيران وجرها إلى الحرب، بحيث يكون من شأن الولايات المتحدة أن تذهب إلى الحرب هي أيضاً. هذا ليس جديداً، فمنذ أكثر من عقد، يحاول بنيامين نتنياهو إجبار الولايات المتحدة على شن حرب على إيران. كما أن "إسرائيل" نفسها هاجمت إيران ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2010 و2011. ولكن بالنظر إلى أحداث الأشهر القليلة الماضية، التي تقلل من احتمالات فترة ثانية لترامب، تشعر "إسرائيل" بضرورة جديدة للحرب مع إيران.
لأكثر من عامين، حاولت “إسرائيل” استفزاز إيران بمهاجمة القوات الشيعية في سوريا، المدعومة من إيران، لكن إيران قررت عدم الرد. ومع عدم إثارة الضربات أي ردات فعل انتقامية، وفشلها في طرد المستشارين العسكريين الإيرانيين والقوات المسلحة الشيعية التي دربتها وسلحتها ونشرتها في سوريا، يبدو أن “إسرائيل” قررت مهاجمة إيران مباشرة داخل حدودها.
تشير أحداث الشهرين الماضيين في إيران إلى حملة جديدة لـ”إسرائيل” نحو الحرب. وتشمل هذه الأحداث جحيماً واسعاً وانفجارات وهجمات إلكترونية يعتقد الجميع أن منفّذها هو “إسرائيل” وعملاؤها الإيرانيون: "المعارضة الزائفة"، أي ذلك الجزء من المعارضة الذي يؤيد العقوبات الاقتصادية والهجمات العسكرية ضد إيران، بل ومتحالف مع الجماعات الانفصالية الصغيرة التي تنفذ هجمات إرهابية في إيران.
في 9 مايو، شنت “إسرائيل” هجوماً إلكترونياً على ميناء شهيد رجائي جنوب إيران، في الضفة الشمالية لمضيق هرمز. تم تعطيل نظام الكمبيوتر، مما أضر بعمل الميناء. كما نجم عن العملية بعض الأضرار، وإن كانت طفيفة نسبيا.
في نهاية مايو، شبت عدة حرائق غابات في خمس محافظات في غرب وجنوب غرب إيران، ظلت تشتعل لعدة أيام قبل أن يتم احتواؤها. كان توقيت ومكان حرائق الغابات مريباً: لقد اشتعلت بشكل أساسي في الوقت نفسه وفي المنطقة نفسها التي كانت تقوم فيها مجموعات صغيرة من الانفصاليين بتنفيذ هجمات إرهابية في الماضي. يعتقد الكثيرون أن الحرائق تم افتعالها بشكل متعمد.
في 3 يونيو، اندلع حريق في محطة كهرباء كبيرة في تبريز، شمال غرب إيران، ما أدى إلى تعطيلها لمدة يومين.
في 4 يونيو، شب حريق في ميناء شاهد رجائي، وهو الحدث الذي وصفته الصحافة "الإسرائيلية" بالانتقام لمحاولة إيران الرد على الغارات ”الإسرائيلية” ضد القوات المسلحة الإيرانية في سوريا بتخريب محطات المياه ”الإسرائيلية”.
دمر حريقان كبيران محطات الطاقة جنوب إيران، في 26 يونيو في شيراز بمحافظة فارس، وفي 4 يوليو في الأهواز بمقاطعة خوزستان الغنية بالنفط جنوب غرب إيران. يبدو أن كلا الحريقين افتُعل عن قصد، وهما حدثان مريبان للغاية.
في الساعات الأولى من صباح 26 يونيو/ حزيران، وقع انفجار هائل بالقرب من مجمع بارشين العسكري، على بعد 35 كيلومتراً جنوب غرب طهران. منذ عام 1932 يقوم المجمع بتصنيع ذخيرة للقوات المسلحة الإيرانية، وكذا تصنيع مواد شديدة الانفجار للاستخدامات العسكرية والمدنية. منذ 2004 وحتى 2015، كان هناك شائعات بشتى أنواعها ومبالغات وتلميحات حول بارشين، ومزاعم بأن إيران قبل عام 2003 جربت مواد شديدة الانفجار، وذلك من أجل إحداث رد فعل نووي. لم يُجْدِ شيء منها على الإطلاق، بالرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت هناك عدة مرات.
الحكومة الإيرانية أرجعت الحريق إلى انفجار في خزان غاز. لكن تقريباً لا أحد صدق ذلك. فقد أشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن الانفجار وقع في خوجير، بالقرب من بارشين، حيث يعتقد أن هناك منشأة لإنتاج الصواريخ [على الرغم من عدم إثبات ذلك]. وفي حين نفى مسؤولون أمريكيون وسياسيون “إسرائيليون” أي تورط لبلديهما في الأمر، كان هناك تقرير عن أن المنشأة ربما تم قصفها بصواريخ (F-35) ”الإسرائيلية” الجديدة. وفي هذا الخصوص، تتمتع الولايات المتحدة و”إسرائيل” بسجل حافل من العمل المشترك في الهجمات السيبرانية ضد المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، لذا فإن إنكارهما ببساطة غير موثوق به.
في 30 يونيو، شب حريق كبير في مركز سيناء الطبي بطهران. فقد تسعة عشر شخصاً حياتهم. عزي الحريق إلى انفجار أسطوانة أوكسجين، وهو أمر محتمل جداً. لكن ما حير الكثير من الناس هو حقيقة أن العديد من كبار المسؤولين الحكوميين تحدثوا وتعهدوا بالتحقيق. فإذا كانت الحادثة مجرد صدفة، لماذا إذن تحتم الحديث عنها علناً؟!
في 2 يوليو، شب حريق كبير في محطة نطنز لتخصيب اليورانيوم، المركز الرئيسي لتصنيع أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم في إيران. ورغم أن مسؤولين إيرانيين زعموا في البداية أن الحريق وقع في غرفة تصنيع، إلا أن الصور تشير إلى أن من المرجح أن يكون الأمر قد حدث في مبنى يتم فيه تجميع أجهزة الطرد المركزي. مسؤولون إيرانيون أفادوا بداية الأمر بأن الحريق ناجم عن انفجار في محطة كهرباء بالقرب من المبنى الذي يستخدم وقود الديزل لتوليد الكهرباء. تطابقت تلك الإفادة مع تقرير مفاده أن “إسرائيل” شنت هجوماً عبر الإنترنت على محطة توليد الكهرباء تم من خلاله تفجير مكبس غاز. ثم تغير ذلك البيان، فأوضح متحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأنهم يعرفون سبب الحريق، ولكن "لأسباب أمنية" لن يكشفوا عنه في الوقت الحالي، مما أدى إلى تفاقم الغموض. بالطبع، ليست تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها نطنز لعملية هجومية. ففي 2010، عملت “إسرائيل” والولايات المتحدة معاً على تسريب فيروس (Stuxnet) لأنظمة الحاسوب في نطنز، والذي دمر أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي. 
بخلاف ما حدث في ميناء شاهد رجائي وبارشين ونطنز، كان من الممكن للبقية أن تكون مجرد حوادث. لكن مسألة حدوثها واحداً تلو الآخر في غضون أسابيع قليلة، جعل معظم الإيرانيين، وكذلك الكثير من الخبراء، يعتقدون أو يشكون في وجود أيد أجنبية وراءها، وخاصة أيادي “إسرائيلية”. والهدف من هذه الهجمات و"الحوادث" ذو شقين: أولاً، يتعلق الأمر بخلق شعور بعدم الأمان بين سكان بلد يعاني بالفعل من أكثر العقوبات الأمريكية لا إنسانية، وكذلك من فيروس كورونا. ترفض الولايات المتحدة تخفيف العقوبات حتى تتمكن إيران من استيراد الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية الحيوية. كما أنها جمدت طلب إيران من صندوق النقد الدولي الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار لمكافحة الفيروس، في حين تلقت العديد من البلدان الأخرى مثل تلك القروض.
أما الهدف الثاني فهو استفزاز متشددي إيران على الانتقام بشن هجوم على “إسرائيل”، إما عسكرياً ضد إحدى قواعدها بالقرب من الحدود مع لبنان أو سوريا، وإما من خلال هجوم إلكتروني على مواقع “إسرائيلية” حساسة تبدأ من محطات مياه الشرب وحتى مفاعل ديمونا النووي.
في جهودها لدفع إيران إلى حرب لا تريدها، فإن لدى “إسرائيل” حليفا، هو وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي له تاريخ طويل في شيطنة وإهانة إيران وشعبها، حتى أثناء جائحة Covid-19، والذي يحاول إثارة حرب مع إيران. في مايو، وفي ذروة أزمة وباء كوفيد 19، توجه بومبيو إلى “إسرائيل” للقاء نتنياهو. كان الهدف، بحسب بومبيو، "مواجهة تهديدين خطيرين: كوفيد 19 وإيران. ستواجه “إسرائيل” والولايات المتحدة هذين التحديين جنباً إلى جنب". ففي الوقت الذي يحتاج فيه العالم أكثر من أي وقت آخر إلى السلام ووضع حد للأعمال العدائية، ومساعدة الأشخاص الذين يعانون من وباء كوفيد 19، يكون من أولويات بومبيو التوجه إلى “إسرائيل” لمساعدة نتنياهو في إثارة حرب مع إيران. إنه طوال الوقت يكذب بلا خجل في ما يخص إيران. فاتهمها بأنها "متواطئة" في أزمة الفيروس التاجي، وفي إحياء "دعوة هتلر للإبادة الجماعية" ضد الشعب اليهودي (وكلا الأمرين مجرد هراء واختراع) داعياً إلى استسلام إيران الكامل. 
إن نتيجة مساعي “إسرائيل” في إثارة حرب مع إيران هي أن على الشعب الإيراني أن يكافح باستمرار على عدة جبهات: ضد متشددي إيران، وضد الآثار المدمرة للعقوبات الأمريكية غير القانونية وتأثيراتها على الاقتصاد الإيراني وعلى حياتهم اليومية، وضد تهديد حرب مع “إسرائيل” و/ أو الولايات المتحدة، والتي لا أحد في إيران يريدها، حتى المتشددون.

6 يوليو 2020
* أستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا 
في لوس أنجلوس.